الولايات المتحدة وإسرائيل من يحكم الآخر ؟

د. أحمد بطّاح
مدار الساعة ـ نشر في 2024/04/07 الساعة 15:55

كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عمق العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل فما إنّ تلقت إسرائيل اللطمة الهائلة في السابع من أكتوبر حتى بادرت الولايات المتحدة بدعمها بكل أشكال الدعم: العسكري، والاقتصادي، والسياسي واستذكر المتابعون كيف أن الرئيس الأمريكي بايدن قال ذات يوم عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ «لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدناها» واستذكروا كذلك كيف أن معظم الرؤساء الأمريكيين كانوا يحاولون التفوق على أسلافهم في دعم إسرائيل...!

ولكن... وبغض النظر عن كل ما سبق فإنّ إشكالية العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل طفت على السطح في الفترة الأخيرة بعد المحاولات الأمريكية العديدة لتعديل سياسة إسرائيل إزاء بعض مظاهر حربها الوحشية في قطاع غزة وموقفها المتحفظ من «اجتياح رفح»، وعدم ممانعة الولايات المتحدة لصدور قرار مجلس الأمن الأخير الداعي إلى وقف إطلاق النار في غزة، وبعد منع «نتنياهو» الوفد الإسرائيلي من السفر إلى الولايات المتحدة للتشاور حول موضوع رفح. إن كل ما سبق طرح السؤال في أذهان الكثيرين مَنْ يحكم مَنْ: الولايات المتحدة التي تعتبر إسرائيل أداة لها أو قاعدة عسكرية متقدمة تخدم مصالحها، أم أنّ إسرائيل بنفوذها القوي من خلال جماعات الضغط (الايباك بالذات AIPAC) والنافذين اليهود في مواقع السلطة والإعلام والأكاديميا؟
والواقع هو أن الولايات المتحدة دولة عظمى (يشكل اقتصادها ربع اقتصاد العالم، ولها 800 قاعدة عسكرية منتشرة في كل بقاع الأرض) تعتبر إسرائيل حليفاً استراتيجياً موثوقاً لها في منطقة الشرق الأوسط الحساسة، وعلى هذا الأساس فإنّ مصالحها قد تتقاطع أحياناً ولو بشكل جزئي مع مصالح إسرائيل، ولعلّ التاريخ يدلّل بوضوح على أن الولايات المتحدة كانت هي الطرف الحاسم والمهيمن عندما يريد أن يفرض توجهاً ما وعلى سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: أجبر الرئيس الأمريكي «أيزنهاور» في عام 1956 إسرائيل على الانسحاب من سيناء بعد أن احتلتها بالمشاركة مع بريطانيا وفرنسا في إطار «العدوان الثلاثي» على مصر عندما أممت الأخيرة قناة السويس، وقد حدث ذلك لأن الولايات المتحدة كانت تريد أن تخلف بريطانيا في منطقة الشرق الأوسط وتكرّس نفوذها بعد الحرب العالمية الثانية كقوة كونية كبرى.
ثانياً: أجبر الأمريكيون إسرائيل على الانسحاب مرة أخرى من سيناء بعد حرب 1973 (أخلت إسرائيل مدينة «ياميت» شمال سيناء على ساحل البحر المتوسط، واستغنت عن مطارين ضخمين فيها) وقد هندس وزير الخارجية الأمريكي آنذاك «هنري كيسنجر» كل أحداث ما بعد 1973 والتي تكللت باتفاقية «كامب ديفيد» في عام 1978 بين مصر وإسرائيل لضم مصر نهائياً إلى الحلف الأمريكي في المنطقة ومن يقرأ ما كُتب عن تلك الأحداث يعي أن الولايات المتحدة هي التي كانت تدير الموقف وبغض النظر عن الآمال الإسرائيلية.
ثالثاً: أكره الأمريكيون (في عهد بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر) الإسرائيليين على البقاء خارج التحالف الذي شكلته الولايات المتحدة لضرب العراق بعد احتلال الكويت، ورغم أن تل أبيب تلقت حوالي (37) صاروخاً من العراق في إطار حرب الخليج إلّا أنّ الولايات المتحدة منعتها من الرد حفاظاً على هذا التحالف الآنف الذكر.
رابعاً: أكره الأمريكيون الإسرائيليين بزعامة إسحاق شامير المتطرف وبعد حرب الخليج الأولى (1990) مباشرة على الذهاب إلى مؤتمر مدريد والتفاوض بقصد ترتيب أمور المنطقة بما يتوافق مع المصلحة الأمريكية العليا، وكُلنا يذكر كيف أن الإدارة الأمريكية تحفظت علناً على المساعدة الأمريكية بقيمة (10) مليارات دولار لإسرائيل وقد خاطب وزير الخارجية الأمريكي بيكر إسرائيل قائلاً عندما تذهبون إلى مدريد أخبرونا لكي نفرج لكم عن المساعدات المالية أيّ الـ (10) مليارات دولار!
إنّ الولايات المتحدة كانت أول دولة في العالم تعترف بإسرائيل كدولة (في عهد الرئيس ترومان عام 1948)، كما أنها دأبت على دعمها لأسباب كثيرة أيديولوجية (تَشَارُك الأمريكيين مع اليهود في الكتاب المقدس: العهد القديم لليهود والعهد الحديث للمسيحيين)، وقيمية سياسية (الإيمان بالقيم الديمقراطية الليبرالية الغربية)، واجتماعية (تُقيم أكبر جالية يهودية في العالم في الولايات المتحدة وبما يوازي عدد سكان إسرائيل أيّ (7) ملايين تقريباً يتمركز معظمهم في نيويورك) ومصلحية (أشرنا سابقاً إلى أنّ إسرائيل حليف موثوق للولايات المتحدة يحقق مصالحها) في المنطقة، ولقد برهنت معركة «طُوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر أن الولايات المتحدة هي «شريان حياة» بالنسبة لإسرائيل، وكثيرون من المحللين يرون أن إسرائيل لم تكن لتستمر في هذه الحرب على غزة والتي امتدت حتى الآن لستة أشهر لولا الدعم الأمريكي الذي أمّنها بالسلاح الحديث والمدمّر، والإسناد الاقتصادي (قدمت الولايات المتحدة لإسرائيل ما يزيد عن (14) مليار دولار، وهي بصدد تقديم (17) مليارا أخرى، وغطاء سياسي ضمن لها عدم صدور قرار من مجلس الأمن الدولي يقضي بوقف فوري لإطلاق النار وبدون شروط.
هل معنى ما سبق أن إسرائيل لا تملك «نفوذاً» على السياسة الأمريكية؟ طبعاً هي تملك وكما أشرنا من خلال أذرع عديدة، ولكن تظل الحقيقة هي أنّ الولايات المتحدة هي صاحبة اليد الطولى في هذه العلاقة وهي قادرة على فرض إرادتها على إسرائيل عندما ترى مصلحتها في ذلك وتكون قيادتها قادرة على اتخاذ القرار وتحمُّل مسؤوليته كما حصل في الأحداث التاريخية التي أشرنا إليها، ولعلّ هذا يناقض ما هو شائع لدى الرأي العام العربي من أن إسرائيل هي التي تملك القول الفصل في العلاقة مع الولايات المتحدة، وفي هذا السياق يحب كثيرون من العرب تسطيح الأشياء وتبسيطها (Oversimplification) والاعتقاد بأن الولايات المتحدة وإسرائيل شيء واحد وبل أن إسرائيل هي الطرف الأقوى في هذه العلاقة.


مدار الساعة ـ نشر في 2024/04/07 الساعة 15:55