جدل في فرنسا حول استخدام 'الحشيش' لأغراض علاجية

مدار الساعة ـ نشر في 2024/04/05 الساعة 18:26

مدار الساعة - في العام 1992، كانت نتيجة التشخيص الأولي الخاص بفاليري فيدير، البالغة من العمر 32 عاما، هي إصابتها بمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز). عشرون عاما بعد ذلك، أصيبت بسرطان الحنجرة. باتت وتيرة حياتها مذاك موزعة بين الآلام الناتجة عن العلاج الإشعاعي للسرطان وآلام العلاج المضاد للفيروسات الخاص بمرض الإيدز.

وبينما كانت السلطات الصحية الفرنسية تستعد لإطلاق تجربة كبيرة على المستوى الوطني في 2021 تستهدف استكشاف آفاق استخدام نبات القنب الهندي المخدر لعلاج المرضى المصابين بأمراض خطيرة. هنا قررت فاليري فيدير المشاركة في هذه التجربة. وبعزم قوي وإرادة صلبة استطاعت إقناع طبيبها المعالج بأنها مريضة مثالية فإجراء هذه التجربة. وبالفعل تنضم إلى المختبر في مايو/أيار 2021 أي بعد شهرين على بدء التجارب.
تتحدث فيدير، البالغة اليوم 64 عاما، عن حالتها قائلة: "لقد كنت استخدم بالفعل القنب الهندي بصورة غير شرعية من أجل تخفيف الآلام والأعراض. أما اعتبارا من الآن فيمكنني استخدامه بصورة شرعية والاستفادة أيضا من متابعة طبية منتظمة". "إنني أستخدمه اليوم من أجل تخفيف آلام الحرقان الناتجة عن العلاج الإشعاعي. كما إنني أشعر أيضا بآلام شديدة ناتجة عن العلاج المضاد للفيروسات. ودائما ما ينتابني الشعور بأن يدي وقدمي محشورتين في منجلة أخشاب مع آلام كبيرة من الحرقان والوخز فيهما. كما تصيبني أيضا تشنجات عضلية غالبا ما تأتيني في نهاية اليوم". ألم مزمن لا يمكن علاجه بالمسكنات الأفيونية مثل الترامادول أو المورفين، فكلاهما مسؤولان عن أعراض جانبية خطيرة، وتضيف: "كما أنهما ليسا حلا على المدى الطويل".
"لقد جربت كل أنواع العلاجات المتاحة"
ميلين، 26 عاما، فتاة باريسية إخصائية أشعة، جربت بدورها قائمة طويلة جدا من الأدوية لعلاج الصداع النصفي، آلام قوية ومستمرة تصيب الرأس، قبل أن تتجه لنبات القنب الهندي المخدر، تقول: "إنها آلام فظيعة ومتواصلة بدون توقف، سبعة أيام في الأسبوع". ثم تضيف: "لم أحصل على يوم واحد من الراحة منذ بدأ كل ذلك في عام 2014، تنتابني نوبات من الآلام الفظيعة كما لو كانت رأسي واقعة بين قالبي طوب يضغطان عليها بقوة".
"لقد جربت جميع أنواع الأدوية المتاحة: باراسيتامول، إيبوبروفين، أوبيويد، ترامادول، وحتى المورفين أيضا. وإما كانت تلك الأدوية بلا تأثير يذكر عليَّ أو أن أعراضها الجانبية كانت أكثر من اللازم". ثم تتابع بالقول: "انضممت إذن إلى التجارب العلاجية نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023، وبدأت في أخذ نقاط صغيرة من محلول نبات القنب الهندي المركز. لقد بدأت أشعر فعلا بالتحسن بعد ثلاثة أشهر، وبدأت أحس أن لها فعلا تأثيرًا على حياتي".
خطوة إلى الأمام في طريق تقنين نبات القنب الهندي لأغراض العلاج
أظهرت النتائج الأولية، لهذه التجارب العلاجية والتي نشرت للمرة الأولى عام 2023، مؤشرات واعدة للأدوية المستخلصة من هذا النبات. أغلبية المرضى يقدرون أن معظم الأعراض المرضية التي يعانون منها قد خفت بصورة كبيرة ودون ظهور أعراض جانبية غير متوقعة، كما لم يتم ملاحظة أي حالة إدمان على تعاطي هذه الأدوية.
تمت دراسة تقارير ما يقرب من 2500 مريض عن كثب – من بين أكثر من 3000 شخص شاركوا في التجربة. تم علاج نصفهم من آلام الأعصاب، و12 بالمئة من الآلام المرتبطة بالتصلب المتعدد، و12 بالمئة آخرين يتم علاجهم فقط من أعراض أمراض أخرى مصابين بها و8 بالمئة لعلاج أعراض متعلقة بمرض السرطان. وقد أبلغ ثلث المرضى عن تحسن شامل ومستقر في حالتهم الصحية، والثلث الثاني عن انخفاض كبير أو كبير جدا في مستوى الألم، والثلث الأخير عن تحسن طفيف أو معدوم.
"تظهر تقييماتنا أن ما بين 30 و40 بالمئة من الأعراض مثل الألم والتشنجات أو نوبات الصرع، على سبيل المثال، قد تحسنت بشكل ملحوظ، إضافة إلى جودة الحياة"، يلخص نيكولا أوتييه، الطبيب المتخصص في علم الأدوية والإدمان والآلام، رئيس اللجنة العلمية المسؤولة عن مراقبة تجربة نبات القنب الهندي الطبية.
وأمام هذه النتائج المشجعة لهذه التجربة التي انتهت رسميا في 27 مارس/آذار، وعدت الوكالة الوطنية لسلامة الأدوية في 20 فبراير/شباط بأن العلاجات الطبية القائمة على مستخلصات نبات القنب ستكون متاحة في فرنسا اعتبارا من عام 2025.
وأعلنت في بيان "أن الاستعداد لتوفير الأدوية القائمة على القنب لعام 2025 قائم على قدم وساق". وبينما "يتم صرف الأدوية القائمة على القنب حاليا في المستشفيات أو في صيدليات المستشفيات فقط، فإن معظمها سيكون متاحا أيضا في الصيدليات العادية، مثل أي دواء آخر"، حسب نيكولا أوتييه.
للقيام بذلك، فإن الوكالة الوطنية لسلامة الأدوية قد حددت تاريخ 31 ديسمبر/كانون الأول 2024 من أجل ترخيص السماح للمنتجات الطبية المعتمدة القائمة على القنب للاستخدام الطبي في السوق. ولكن لا تزال هناك أسئلة كثيرة يتعين الإجابة عليها، مثل تلك المتعلقة بأسعار الدواء ومشاركة التأمين الصحي في تسديدها.
علاوة على ذلك، في نهاية عام 2023 كانت الحكومة الفرنسية قد أعطت وضعا خاصا للقنب الطبي من خلال دمجه في قانون تمويل التأمين الصحي. وهو ما يعني أن من حق الوكالة الوطنية لسلامة الأدوية أن تأذن ببيع الأدوية التي تحتوي على القنب دون انتظار إذن محتمل من الاتحاد الأوروبي، ولكن التراخيص التي ستمنحها ستكون صالحة فقط لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد.
في غضون ذلك، سيتمكن أكثر من 1800 مريض من الذين لا يزالون يتناولون القنب الطبي اليوم، كجزء من التجربة، من مواصلة علاجهم. من ناحية أخرى، لن يتمكن المزيد من الأشخاص من الانضمام إلى التجربة.
زهور القنب مستبعدة من التصريح
خلال السنوات الثلاث من التجارب، تمكن المرضى أيضا، اعتمادا على مستوى حالتهم الصحية، من الحصول على علاج بالقنب على شكل زيت، يتناول عن طريق الفم، أو على شكل أزهار مجففة يتم استنشاقها من المبخرات.
اعتمادا على شكلها، تحتوي الأدوية القائمة على القنب في الواقع على درجات متفاوتة من التترا هيدرو كانابينول والكانبيديول، وهما المركبان الرئيسيان للنبات المعروف باسم القنب. التترا هيدرو كانابينول هو المركب النفساني الرئيسي، أي أنه مسؤول عن الشعور بالنشوة النموذجية للعشب التي يشعر بها المستهلكون، كما أنه الأكثر فعالية في مكافحة الألم. الكانبيديول، ثاني أكثر المركبات شيوعا في القنب، له تأثير نفسي أيضا ولكن ليس له التأثير المخدر مثل التتراهيدروكانابينول.
يوضح نيكولا أوتييه: "تلقى غالبية المرضى أدوية على شكل زيت لأنه العلاج الذي له التأثير الأكثر ديمومة". "لكنه لا يمنع نوبات الألم الشديد. لذلك أضفنا أحيانا زهور القنب المجففة التي يمكن للمرضى استنشاقها. يستمر التأثير لفترة أقل ولكنه سريع جدا".
ومع ذلك، قررت الوكالة الوطنية لسلامة الأدوية استبعاد القنب الطبي في شكل الزهور من إجراءات التقنين. يوضح نيكولا أوتييه: "لم أكن حاضرا في اجتماع الوساطة عندما تم اتخاذ هذا القرار، لذلك لا يمكنني أن أقول على وجه اليقين لماذا تم اتخاذه". "يبدو أن زهرة القنب الطبية تشبه إلى حد كبير زهرة القنب المستهلكة لأغراض [ترفيهية]. وبالتالي يمكن أن يؤدي هذا إلى الارتباك وربما يثير المخاوف حول سوق سوداء محتملة. وهي "حجة قابلة للنقاش" كما يقول بنبرة غير مقتنعة.
بالنسبة لفاليري فيدير، فإن الزيوت مثل الزهور "ضرورية". غاضبة من قرار عدم وصف الحشيش الطبي على شكل زهور مجففة، كتبت رسالة مفتوحة إلى وزارة الصحة الفرنسية تطلب توضيحات. "لا أريد تناول المواد الأفيونية. عندما أعاني من نوبات ألم مفاجئة، فإن الزهور هي الشيء الوحيد الذي يريحني". "لذلك سأستمر في استخدام الزيت الذي تم وصفه لي، لكنني سأشتري أيضا الزهور المجففة بشكل غير قانوني".
عمالقة صناعة الدواء يحبسون أنفاسهم
في الإجمال، يقدر نيكولا أوتييه أنه يمكن علاج ما بين 150 ألفا و300 ألف شخص بأدوية تعتمد على القنب في فرنسا. وبالتالي فإن عمالقة صناعة بأكملها يحبسون أنفاسهم انتظارًا للحصول على تصاريح البدء. وفقا لصحيفة "لوموند"، يمكن أن تصبح فرنسا بالفعل، إلى جانب ألمانيا، أكبر سوق للقنب الطبي في أوروبا.
ولكن إذا تحول الرأي العام بخصوص هذا الموضوع - 91 بالمئة من الفرنسيين يعلنون أنهم يؤيدون وصف الأدوية القائمة على القنب "لبعض الأمراض الخطيرة أو المزمنة"، وفقا لمسح أجراه المرصد الفرنسي للمخدرات واتجاهات الإدمان في عام 2019 – حيث لا يزال القنب مرتبطا بشدة بالصورة السلبية للمخدرات، خاصة بين المسؤولين السياسيين والطبيين، يقول نيكولا أوتييه آسفا.
فقبل بضعة أيام، خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ حول تأثير تهريب المخدرات في فرنسا، كرر وزير المالية برونو لومير رفضه إلغاء تجريم تعاطي المخدرات. "القنب رائع، والكوكايين أنيق. هذا هو التمثيل الاجتماعي للمخدرات"، كما قال. "لكن في الواقع، فإنهما سمان. كلاهما مدمر ويساهمان في تقويض المجتمع الفرنسي ككل".
من بين معارضي المشروع، يدين البعض بانتظام الإجراءات التي من شأنها أن تؤدي حتما إلى تقنين الحشيش للاستخدام الترفيهي. "كان هدفنا دائما تسهيل الحصول عليه؛ وذلك لضمان توافر هذه الأدوية التي يصفها الأطباء للمرضى"، يرد نيكولا أوتييه. "وهو لم يكن أبدا، كما يعتقد بعض الناس، حصان طروادة لإضفاء الشرعية على الحشيش لاحقا للاستخدام الترفيهي.
هذا لا علاقة له على الإطلاق بالتجربة التي نجريها لأغراض طبية. المخدرات القائمة على الأفيون موجودة دون إضفاء الشرعية على الهيروين". لا تزال فرنسا اليوم واحدة من أكبر مستهلكي القنب في أوروبا، رغم وجود أكثر التشريعات صرامة حول هذا الموضوع. لا يزال التتراهيدروكانابينول يعتبر مخدرا ويقتصر الحد الأقصى المسموح به في نبات القنب على 0,3 بالمئة. من ناحية أخرى، يعتبر الكانيبيديول قانونيًا طالما أن نبات القنب لا يتجاوز المستويات المصرح بها من التيتراهيدروكانابينول.
كانت ولاية كاليفورنيا أول من شرع القنب الطبي في عام 1996. ثم تبعتها كولورادو بعد أربع سنوات، في عام 2000، ثم كندا في عام 2001، وهولندا في عام 2003، وإسرائيل في عام 2006، وإيطاليا في عام 2013، وألمانيا في عام 2017. حتى الآن، انضمت نحو عشرون دولة أوروبية إلى القائمة، ولكل منها قواعدها وقيودها الخاصة. وبالمقارنة، استغرق الأمر حتى عام 2018 لظهور مناقشات جادة حول القنب الطبي في فرنسا. واستغرق الأمر ثلاث سنوات أخرى لبدء التجربة الطبية، في عام 2021.
وتختتم ميلين بالقول: "عندما تم قبولي كمشاركة في التجربة قبل بضعة أشهر، قلت لنفسي : أخيرا. أرى أن هناك خطوة حقيقية إلى الأمام وآمل أن تستمر. آمل أن يكون الحصول عليه أكثر سهولة الآن حتى يمكن علاج أكبر عدد ممكن من الأشخاص".

مدار الساعة ـ نشر في 2024/04/05 الساعة 18:26