إلغاء قانون إبطال الرق لسنة 1929

أ. د. ليث كمال نصراوين
مدار الساعة ـ نشر في 2024/03/31 الساعة 03:34
لا تزال المنظومة التشريعية الأردنية تتضمن مجموعة من القوانين الوطنية القديمة التي مر على إصدارها عقود زمنية طويلة، ولا يزال يتم الإشارة إليها في القوانين الجديدة التي تصدر، ذلك على الرغم من استحالة تطبيق نصوصها على أرض الواقع.
ومن هذه القوانين الأردنية القديمة التي لا تزال سارية المفعول قانون إبطال الرق لسنة 1929، والذي جاء مشروع قانون العفو العام الجديد لسنة 2024 على ذكره، معتبرا أن جرائم التعامل مع الرق المنصوص عليها في المادة (5) من قانون إبطال الرق غير مشمولة بالعفو العام.
وبالرجوع إلى أحكام المادة (5) من قانون إبطال الرق للوقوف على الجرائم التي لن يشملها قانون العفو العام الجديد، نجد بأنها تشمل مجموعة من الأفعال الجرمية التي يستحيل ارتكابها من قبل أي شخص في الوقت الحالي، أو حتى مجرد التفكير بالقيام بها.
فالمادة (5) من قانون إبطال الرق التي استثناها قانون العفو العام الجديد من نطاقه تعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من يرتكب مجموعة من السلوكيات الجرمية أهمها "أن يشتري شخصا أو يبيعه أو يُبادل به أو يُعطيه إلى آخر أو يأخذه لكي يُقتنى أو يُعامل كرقيق". كما تشمل العقوبة الجزائية المقررة في المادة (5) من القانون كل من "يضع أو يقبل شخصا كرهن أو تأمين عن دين سواء أكان مستحق الدفع ومطلوبا أم غير مستحق أم محتملا حصوله، وسواء أجريت تلك المعاملة باسم رهن أم باسم آخر لاستعمال ذلك الشخص كرقيق".
كما يمتد نطاق التجريم في قانون إبطال الرق ليشمل كل من "يحمل أي شخص أو يشوقه ليأتي إلى شرق الأردن ليُتاجر به أو يُشترى أو يُباع أو يُبادل به، أو يُعطى إلى آخر ليوضع كرهن أو تأمين عن دين"، وكل "من يحمل أي شخص أو يُرسله أو يشوقه لمغادرة شرق الأردن لكي يُتاجر به أو يُشترى أو يُباع أو يُبادل به أو يُعطى إلى آخر ليوضع كرهن أو تأمين عن دين".
إن هذه الجرائم التي يعاقب عليها قانون إبطال الرق لسنة 1929 لا مجال لارتكابها في الوقت الحاضر، حيث لم يعد هناك وجود للرق والمتاجرة بالأفراد بيعا وشراء، ومع ذلك دائما ما يصر المشرع الأردني على تضمين قوانين العفو العام القديمة التي صدرت منذ عام 1999 الجرائم المنصوص عليها في المادة (5) من قانون إبطال الرق. وقد استمر مشروع قانون العفو العام لسنة 2024 على النهج ذاته بأن اعتبر هذه الجرائم مستثناة من الاستفادة من العفو العام، ذلك على الرغم من عدم تصور ارتكابها في يومنا هذا.
ولا تقتصر استحالة تطبيق قانون إبطال الرق على الجرائم الواردة في المادة (5) منه، بل يتعدى الأمر ليشمل باقي الأحكام الموضوعية الواردة في القانون. فالمادة (3) منه تنص على أن تقوم المحكمة الشرعية بإعطاء شهادة اعتاق إلى الأشخاص الذين نالوا حريتهم بمقتضى أحكام القانون، وأنه يتعين عليها إبطال أي عقد أو اتفاق يتضمن زواج أو خدمة أو غير ذلك، إذا اقتنعت المحكمة بأنه ينطوي على معاملة فرد كرقيق.
وتنص المادة (4) من قانون إبطال الرق على أن "كل عقد يتضمن شرطا أو تعهدا بشراء أي شخص أو بيعه أو استعباده أو إعطائه إلى آخر كرهن أو تأمين عن دين أو في أية طريقة أخرى فإنه يعتبر ملغى".
إن هذه الأحكام التشريعية التي يتضمنها قانون إبطال الرق لسنة 1929 تعد منتهية حكما، ذلك لاستحالة انطباقها على المعاملات بين الأفراد في يومنا هذا. فهي تتنافى مع أبسط صفات القاعدة القانونية بأنها قاعدة سلوك اجتماعي تنظم العلاقات بين الأفراد في المجتمع، وذلك من خلال ما تقرره من مراكز قانونية مختلفة، وما يرتبط بها من حقوق وواجبات للأشخاص في مواجهة بعضهم البعض.
وعليه، فإن الحاجة ماسة اليوم إلى إلغاء هذا القانون القديم، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من التشريعات الأردنية القديمة التي على الرغم من أن نصوصها وأحكامها تعد غير قابلة للتطبيق الفعلي، إلا أنها لا تزال نافذة وسارية المفعول.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/03/31 الساعة 03:34