تحطيم اليمين الإسرائيلي فائدة للأردن.. نقيب الصحفيين الأردنيين راكان السعايدة يكتب

راكان السعايدة
مدار الساعة ـ نشر في 2024/03/27 الساعة 01:29
يقاتل اليمين الإسرائيلي المتطرف بكل قوة كي لا يخسر معركته، ويتحطم مشروعه بتصفية القضية الفلسطينية الذي هو الأساس في تحقيق هدف "إسرائيل الكبرى".الأمر حياة أو موت بالنسبة لهذا اليمين الذي يقوده إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتيش، وهو مستعد لمواصلة التصادم مع أميركا حليف "إسرائيل" الأكبر والأهم إلى النهاية.غير أن الإمعان في التصادم بين اليمين وأميركا يعني شيئًا واحدًا؛ وهو نهاية اليمين الإسرائيلي ومشروعه، أو في أقله، انتكاسته وعودته ومشروعه الكبير إلى هامش الحياة السياسية الإسرائيلية.ما الذي يعنيه ذلك أردنيًا..؟الأردن يدرك أمرًا مهمًا وواضحًا وهو أن مشروع اليمين الإسرائيلي المتطرف يستهدف أول ما يستهدف كينونته ووجوده وأنَّ الأردن خيارٌ لتصفية الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية.ويعي أيضًا أنه، أي الأردن، في الذهنية الإسرائيلية وطن بديل للدولة الفلسطينية المرفوضة إسرائيليًا، وهذا ليس موقفًا سريًا بل علنيٌّ أكده بنيامين نتانياهو مرارًا على أساس أن إقامة دولة للفلسطينين معناه نهاية "إسرائيل".وبالقدر الذي يعتبر فيه اليمين الإسرائيلي الوضع القائم فرصةً لإنفاذ مشروعه، فهذا الواقع أيضًا فرصة للأردن لتحطيم هذا اليمين ومشروعه بالاستناد إلى العوامل التالية:أولًا: الهزيمة الاستراتيجية التي منيت بها "إسرائيل" في قطاع غزة ضربت المشروع الصهيوني في مقتل وهزت روافعه بالعمق؛ وهي: الردع والهيمنة والتفوق والشعور بالأمن.ثانيًا: فشل "إسرائيل" في تحقيق أيٍّ من أهداف عدوانها المعلنة: سحق المقاومة وتحرير الأسرى والمحتجزين وتهجير سكان القطاع.ثالثًا: التصادم العلني بين أميركا واليمين المتطرف، طبعًا هذا تصادم مع اليمين المتطرف وليس مع "إسرائيل" الكيان، فالتناقض بين رؤية أميركا واليمين حول طريقة إدارة العدوان على غزة، واليوم التالي له بينة جلية.رابعًا: قناعة أميركا غير المصرح بها بأن "إسرائيل" خسرت الحرب، ولم ولن تحقق أيًّا من أهدافها، بل إن "إسرائيل" تغرق في رمال غزة ولم يعد هناك جدوى من استمرار حربها على القطاع.خامسًا: تعمُّق الصراع وتزايُد حدة التناقض بين المعارضة الإسرائيلية، أحزابًا ونخبًا سياسية وعسكرية ومجتمعية، وحكومة بنيامين نتانياهو المسيطَر عليها من المتطرفين بزعامة بن غفير وسموترتيش.سادسًا: العزلة المتزايدة والمتوسعة لـ"إسرائيل" على المستوى الدولي، حكومات وشعوبًا، وتآكُل سرديتها في الإعلام العالمي لصالح تعاظم قبول وتأثير السردية الفلسطينية.سابعًا: التشظي والتداعي الذي أصاب المجتمع الإسرائيلي وبروز كل تناقضاته، وفقدانه الثقة بالنفس وبالنخبة الحاكمة، سياسيًا وعسكريًا.هذه العوامل، وغيرها، توفر بيئة مثالية للأردن كي يصمم مقاربة سياسية مرنة وذكية وعملية للمساهمة في تحطيم اليمين الإسرائيلي والمساهمة في تصعيد بديله، وفي أقله، إدامة التناقض والتضاد بين المكونات السياسية في الكيان لإضعافه بما يعزز تآكل مشاريعه وبخاصة تصفية القضية الفلسطينية على حسابه.هذه المقاربة، إن تم تصميمها على أساس صحيح، تقتضي الاشتباك السياسي الميداني مع كل العوامل السابقة والاستثمار بها لتحقيق المصالحة الوطنية الأردنية العليا التي تحمي الدولة وأمنها القومي، أي تحمي وجودها واستقرارها واستمرارها.كيف يمكن تحقيق ذلك..؟أولًا: الاتصال والتواصل الدائم وبكل الطرق مع الإدارة الأميركية لتعزيز تصادمها مع اليمين الإسرائيلي، وإقناع هذه الإدارة أن هذا اليمين ضرره شديد على المصالح الأميركية ومصالح حلفائها، وإخراجَه من المشهد السياسي الإسرائيلي مصلحة وفائدة للجميع.ثانيًا: الاتصال والتواصل لا يفترض أن يقتصر فقط على البيت الأبيض فقط، بل أيضا مع الكونجرس والشخصيات المؤثرة والإعلام وعبر مواقع التواصل الاجتماعي لخلق وتعزيز المناخات الأميركية التي تصب في صالح إقصاء اليمين الإسرائيلي عن المشهد السياسي.ثالثًا: بإمكان الأردن، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وبعمل ذاتي وعبر تحالف ما، دعم وتقوية موقف المعارضة الإسرائيلية المناوئة لليمين المتطرف لدفع الأخير إلى هامش الحياة السياسية وإخراجه من الحكم.رابعًا: تقوية خطوط الاتصال أردنيًا مع عرب الداخل (عرب 48) ونخبهم، ومع كل القوى الفلسطينية في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، وتحديدًا مع القيادات الشابة، لبناء مجتمع فلسطيني قوي متماسك وصامد على أرضه.خامسًا: اتخاذ كل القرارات والإجراءات السياسية وغير السياسية التي من شأنها أن ترفع الكلفة على "إسرائيل"، وتصبح هذه الكلفة أعلى إذا تمكن الأردن من بناء موقف عربي مناوئ لليمين المتطرف يضطر المجتمع الإسرائيلي إلى كنس هذا اليمين.هذه آليات يمكن توظيفها في المقاربة الأردنية للتعامل مع الأخطار التي يجلبها اليمين الصهيوني المتطرف.يعززها، أي تلك الآليات، ترسيخ القناعة أن المقاومة بما فعلته وتفعله في قطاع غزة يصب في حماية الأمن القومي الأردني، وبالتأكيد العربي، وإن الهزيمة التي أصابت "إسرائيل" إن لم تكن زرعت بذرة فناء في قلبها، فهي في أقله ستحوله إلى كيان بلا مخالب، ومنزوع عن أسباب الهيمنة.لدى الأردن فرصة، وفرصة حقيقية، ليحمي وجوده ومستقبله، وأظنه يعيها ويدركها، وآمل أنه يستثمر فيها، ويوظف كل عواملها لتحقيق أهدافه ومصالحه.الفرص لا تأتي كل يوم، وإضاعتها خسارة كبيرة..
مدار الساعة ـ نشر في 2024/03/27 الساعة 01:29