المرعي يكتب: رجال وأساليب
حتى لو تشابهت الأسماء، فالمضامين مختلفة. وحتى لو تشابهت المقاصد، فالدروب المؤدية إليها متفاوتة.
وهنا، أتذكر قول أحد النقاد الفرنسيين:" إن الأسلوب هو الرجل".
والأسلوب المقصود هنا، هو طريقة الكاتب في التعبير عن أفكاره، باستخدام الألفاظ، والتراكيب، والصور التي تنهل من الثقافة الخاصة بذلك الكاتب، سواء كان أديبا، أو خطيبا، أو صحافيا؛ إذ إن لكل كاتب مكتمل العدة طريقة في نظم الكلام. كما أن لكل كاتب مكتمل العدة روحا تتدفق بصورة عفوية في ما يكتب. وهذا ما يميز كاتبا عن كاتب، وشاعرا عن شاعر، وخطيبا عن خطيب.
ألا ترون أننا نقول : هذا الشعر لحيدر محمود ، وهذا الشعر لمصطفى وهبي التل، مثلا، حتى لو لم نسمع بهذا الشعر من قبل ؟.
ألا ترون أننا نقول هذا أسلوب خالد الكركي، أو أحمد حسن الزعبي، أو صالح عربيات على سبيل المثال لا الحصر ؟.
أقول هذا، وقد تداول الكثيرون، مؤخرا، مقالا منسوبا ل ( أحمد سلامة) نشرته صحيفة الرأي قبل يوم أو يومين، تحت عنوان ( أين الملك ؟ ).
المقال أثار غضب الكثيرين، وأثار استهجانهم لما تضمنه من توصيفات أساءت لشعب جلالة الملك الذي يبادله حبا بحب، ويبادله وفاء بوفاء. كما أن المقال أساء أيضا لجلالة الملك، من حيث أراد صاحب المقال أن يبدي له حبه.
كأن كاتب المقال قد وقع في تلك الحالة التي يقال عنها: (أجا يكحلها عماها )، أو كأنه لجأ إلى أسلوب (يحييك ويخزي ابن عمك) . والمثلان معروفان ومفهومان للجميع. فلا جلالة الملك، وهو صاحب الذوق الرفيع والأدب الجمّ، يرضى أن يُسَاء إلى شعبه، ولا الشعب يرضى أو يسمح بأن يُمـَسّ قائده وزعيمه وولي أمره. ولكن الكاتب في مقاله ارتقى شجرة لم يحسن لا قطف ثمرها، ولا النزول عنها، ولم ينله من هذا الصعود سوى الأشواك.
سأضرب صفحا عن كل ذلك، لأعود إلى حيث بدأت من إشارة إلى ( الأسلوب ). صحيح أن المقال منسوب إلى ( أحمد سلامة )، ولكن السؤال : من هو أحمد سلامة هذا؟
وأنا أطرح هذا السؤال لأن التعليقات في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ذهبت إلى أن كاتب المقال هو ( أحمد سلامة ما غيره)، وأنها أغفلت أن تشابه الأسماء أمر وارد، وممكن، وأن والشواهد عليه كثيرة .
فهل كاتب المقال هو ( أحمد سلامة) الذي عمل مديرا لتحرير صحيفة الرأي ذات يوم، وكانت له مقالاته المتميزة ؟.
وهل هو ( أحمد سلامة ) الذي أمضى فترة طويلة يعمل في الديوان الملكي العامر، قبل أن يذهب للعمل في الديوان الملكي البحريني- فعرف عن قرب أخلاق الملوك، وعرف أكثر أن الهاشميين لا يرضون أن يُسَاءَ إلى الأردنيين بأي حال من الأحوال؟، وأن الهاشميين، وعلى رأسهم جلالة الملك، لا يرضون أن ( يُـقَـعْـقَـع لأسرتهم الأردنية بالشِّـنان ).
هل هو ( أحمد سلامة ) صاحب كتاب ( الهاشميون وفلسفة الحكم )؟.
هل هو ( أحمد سلامة ) صاحب كتاب ( أحسن القصص في حضرة الأمير)؟.
هل هو ( أحمد سلامة ) صاحب كتاب ( آل عمان )؟؟؟ وهل ، وهل ، وهل ؟
إن (أحمد سلامة) الذي أشرت إليه في السطور الأخيرة السابقة – كاتب له أسلوبه المتميز، وله لغته الخاصة، وله فكره الذي ينطلق منه، وله روحه الخاصة. وكل ذلك لم أجد منه شيئا في المقال المنشور في صحيفة الرأي .
فلا أظن أن ( أحمد سلامة ) المكنى بـ ( أبي رفعت ) يمكن أن يقع في أغلاط تاريخية كتلك التي وردت في المقال، ولا أظنه يمكن أن يقع في سوء فهم للدستور الأردني. ولا أظنه يمكن أن يكتب بهذا الأسلوب الركيك لغةً وتراكيب. ولا أظنه يمكن أن يناقض نفسه بنفسه بهذه الصورة التي ظهرت في المقال.
إذن، من هو ( أحمد سلامة ) كاتب المقال الذي نشرته صحيفة الرأي ؟؟
أليس من الممكن أن يكون شخصا آخر ؟ أليس من الممكن أن يكون ( مواطنا ) عاديا أراد أن يعبر عن رأيه، بإمكاناته الثقافية واللغوية، والإعلامية المتواضعة؟
هل توهم كاتب المقال أن سؤال بعض الأبناء عن أبيهم، وولي أمرهم يشكل إساءة إليه، وحاشا لله أن تكون؛ لأن ( اللي يحبك يسأل عنك )؟
هل جاء هذا المقال ( فزعة ) من محب،أيضا، ولكنها (فزعة) لم تُـراجَعْ، من قبل المحرر،فاستاء منها المحبوب والمحبون جميعا؟ ومعروف أن الناس متفاوتون في قدراتهم على التعبير عن حبهم لمن يحبون.
كل ذلك وارد. وكل ذلك ممكن. ولكنني، وبناء على مقولة ( إن الرجل هو الأسلوب ) لست مقتنعا أن كاتب المقال هو ( أحمد سلامة / أبو رفعت ) صاحب الكتب التي ذكرتها، وصاحب السيرة التي أشرت إليها والتي تشهد له بأن ما يمكن أن يصدر عنه مختلف جدا عما نُـشِـرَ وقرأناه.