العتوم يكتب: المسرح 2 منصة لإنهاء الحرب

د. حسام العتوم
مدار الساعة ـ نشر في 2024/03/26 الساعة 00:01
لقد شكلت عملية تنظيم القاعدة "داعش" الإرهابية بتاريخ 23/ أذار / 2024 على مسرح متجر "كرسناغورسك" على مدخل العاصمة موسكو الغربي بعد عملية المسرح السابقة عام 2002 منعطفا في نقل السياسة والعسكرة الروسية الى مرحلة جديدة متطورة تشمل كافة المناحي، وفي مقدمتها الأمنية . وبعدها لا يشبه ما قبلها ، وإجراءات أمنية روسية جديدة مشددة في العاصمة وفي كافة الأراضي الروسية الان حسب تصريح جديد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين . ومن المنتظر أن تعلن موسكو عبر قصر " الكرملين " الرئاسي ومكتبه الإعلامي و من خلال الرئيس الروسي عن العقوبات المنوي تطبيقها على منفذي و مخططي و ممولي الهجوم الإجرامي المنظم الذي استهدف المواطنين الروس المسالمين ، وعلى الجهة الداعمة والمتعاونة معهم و المسهلة لعمليتهم البشعة بعد الأنتهاء من ملف التحقيقات الجنائية التي لم تنتهي بعد .
والمعروف حتى الساعة هو بأن تنظيم القاعدة الخطير الإرهابي الذي تشكل في أفغانستان في عمق التاريخ المعاصر قبل عام 1979 لمواجهة الحضور السوفيتي أنذاك وسط سعير الحرب الباردة و المانع وقتها للهبوط الأمريكي في نفس المكان لازال عاملا ، وينفذ أجندة عجمية ولوجستية مماثلة ومن بينها صهيونية – إسرائيلية ، وحتى أمريكية رغم مقارعتها لها ، وميدان الربيع العربي في العراق وسوريا وليبيا واليمن شهود عيان . و المعروف أيضا هو بأن روسيا الاتحادية خير من قارع تنظيم الدولة في سوريا وأنقذت نظام دمشق منه ، لكن بقاياه لازالت تتحرك وتهدد مناطقا عديدة في العالم ، و تتاجر وسط الأزمات والحروب العالمية ، وتتستر بالدين ، و لا تستهدف إسرائيل ، لكنها و الحق يجب أن يقال هنا بأنها استهدفت أمريكا بتاريخ 11 سمبتمبر 2001 بعلم إسرائيل مسبقا بالحادثة ، و الحدث يتكرر في موسكو 2024 بعلم مسبق من قبل أمريكا التي حذرت سفارتها في موسكو من احتمال وقوعه قبل اسبوعين ، أي بتاريخ 7 / أذار ، وأعلنت بأن هدف " القاعدة " سيكون المعابد اليهودية الدينية ، وطلبت من رعاياها الأميركان عدم التردد على المولات التجارية . وأدانت أمريكا عبر وزير خارجيتها أنتوني بلينكين الحادثة المأساوية المؤسفة ، وكذلك أدانت فرنسا – ماكرون الحادثة نفسها .
و الملاحظ في المقابل هو بأن أوكرانيا ، أو ما تبقى منها بعد اجتياح روسيا للقرم و للدونباس " دونيتسك و لوغانسك" ، و لزاباروجا و خيرسون ، بمعنى دولة " كييف " شنت هجوما على الرئيس بوتين متهمة اياه بالوقوف وراء حادثة موسكو ، و هو مجرد خديعة اعلامية و سياسية . وكيف بالأمكان تصديق مثل هكذا أخبار كاذبة تمس شخصية وطنية روسية رفيعة المستوى مثل الرئيس بوتين الذي انتخبتها شعوب روسيا للتو بتاريخ 17 / أذار / 2024 و بنسبة مئوية غير مسبوقة وصلت الى حوالي 88% من أصوات الناخبين الذين بلغ عدد هم أكثر من 114 مليون نسمة ، في وقت هو فيه عدد سكان روسيا حوالي 150 مليون نسمة ، و مساحتها الأكبر في العالم ، أكثر من 18 مليون كيلو متر مربع .
ولفت الرئيس الأوكراني – فلاديمير زيلينسكي الأنتباه الى أن روسيا – بوتين سوف تتهم بلاده بالضلوع بحادثة بوابة موسكو الغربية و بأنها سوف تتقصى منها ، مصرحا ذات الوقت و بطريقة غير مناسبة بأن الرئيس بوتين الذي يدفع بالمخربين تجاه أوكرانيا وسط الحرب عليه أن يتقبل وصول مخربين الى عاصمته . و كان الأجدر بزيلينسكي أن التزم الصمت أو أدان العملية الإرهابية التي مست حياة المواطنين الروس الأبرياء ومنهم الأطفال ، و المفترض أن لا تكون لها علاقة بالحرب الأوكرانية الدائرة في الدونباس و في أطرافه و المتوقع أن تتصاعد نيرانها لتشمل العاصمة " كييف " .
وكما أكتب و أقول دائما ، فإن الأرهاب لادين و لا موطن و لا ضمير له ، و هو متوحش ، و يتاجر بقضايا الشعوب و الأزمات و الحروب ، و لا دخان من دون نار حقيقة لا جدل حولها ، و تنظيم القاعدة – داعش المتوحش لا يتحرك من فراغ و لا يذهب من دون هدف ، و المطلوب من نظام " كييف " نفي أي علاقة بحادثة موسكو و عدم انتظار أن تنفي أمريكا التهمة عنه ، وكلنا نعرف بأن " البيت الأبيض " يقود حربا بالوكالة مع " الكرملين" و يجر خلفه " الناتو" و عواصم الغرب عبر " كييف " الى ديمومة حرب خاسرة كلفت الغرب مجتمعا حتى الساعة أكثر من مئتي مليار دولار ، و كان بإمكان الغرب توجيه المال الأسود ليس للسلاح غير النافع و إنما لإعادة بناء أوكرانيا ، وعدم الذهاب لسرقة وديعة روسيا في الغرب أو فوائدها البالغة أكثر من 300 مليار دولار .
تفيد المعلومات التي ترشح من موسكو بأن تنظيم القاعدة – داعش الإرهابي بإمتياز ، الأفغاني المنشأ ، استغل الوازع الديني وسط المرتزقة الذين تمكن من تجنيدهم عبر التلغرام ، و أغراهم بالمال الوفير من الروبلات الروسية و بحجم ربع مليون روبل لكل عنصر مشارك فورا على أن يدفع لهم مبلغا مماثلا بعد انهاء المشاركة بالعملية القذرة التي استهدفت المواطنين الروس و الأطفال ، وتم تحديد زمن ومكان للعملية ، شريطة اطلاق النار على الناس بشكل عشوائي ، و تم استخدام قنابل حارقة و مواد قابلة للاشتعال لقتل أكبر عدد ممكن منهم ، و هذا هو أسلوب القاعدة – داعش في كل عملياتها في مناطق عديدة في العالم . و خصصت القاعدة سيارة للفرار تجاه المعبر الأوكراني " بريان " المتفق عليه مسبقا للولوج الى داخل منطقة سلطة " كييف " دون غيرها ، وتم القاء القبض على المجموعة الارهابية البالغ عددهم 11 عنصرا على بعد 11 كيلومترا من الحدود الأوكرانية ،وعلى مشتبه بهم غيرهم . وتحدث الرئيس بوتين حديثا عن تسهيل أوكرانيا لحركة عبور التنظيم و هو الملفت و الواجب التوقف عنده . ولم يعرف حتى الان من كان بإنتظارهم داخل الأراضي الأوكرانية .
.
حادثة موسكو هزت المجتمع الدولي و أدانها ، وهنا في منطقتنا العربية تصدرت برقية جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله في تعزية الرئيس الروسي بوتين مشهد الإستنكار العربي ، و شارك في تعزية روسيا و الرئيس بوتين الجامعة العربية ، و مصر و المملكة العربية السعودية ، و فلسطين ، و سوريا ، و العراق ، و الأمارات ، و قطر ، و تونس ، و مصر ، و ليبيا ، و البحرين . و شارك في التعزية من دول العالم تركيا ، و باكستان ، و ايران ، و صربيا ، و فنزويلا ، و أزبيكستان ، و بيلاروسيا ، و أذر بيجان ، و طاجكيستان ، و الأوكوادور، و أفريقيا الوسطى و الجنوبية ، و غيرهم من دول العالم و سط القارات الخمس .
بقي علينا هنا أن نقول بأن الأرهاب الذي يتقدمه تنظيم الدولة – داعش من أخطر التنظيمات المعادية للبشرية ، وهو اخطبوط سرطاني شرير ، الأمر الذي يتطلب تنسيق عالمي أمني و انهاء الأزمات و الحروب الدائرة للتفرغ لمهمة التصدي له و لغيره من صنوف الأرهاب ، و التحول عالميا من أحادية القطب الى عالم متعدد الأقطاب في تعزيز للعمل المؤسسي الدولي نحو اشراقة عالم جديد يؤمن بالعدالة و الأستقرار و ترسيخ السيادة و الأمن ، و تعلوه التعاون و المحبة و العطاء .
مدار الساعة ـ نشر في 2024/03/26 الساعة 00:01