لا لطي صفحة (غياب) الملك

مدار الساعة ـ نشر في 2018/08/02 الساعة 14:26
مدار الساعة - كتب: المحامي بشير المومني في اللحظة التي هبطت فيها طائرة جلالة الملك على أرض مطار الملكة علياء هبطت معها منظومة الخزي والعار من الاشاعات وعاش (المروجون) لحظات صدمة وكأنما كانوا في غيبوبة أهل الكهف ليوقظهم هدير المحركات فيستفيقوا فجأة على حقيقة وصول الملك يتساءلون بينهم ( يا إلهي كم لبثنا؟!) .. دعوات غير بريئة نهائيا لطي صفحة (غياب) الملك عن أرض الوطن ظاهرها الرحمة وباطنها من قبل اصحابها العذاب تريد طمس مشهد وطني يستحق الدراسة والتأمل واستخلاص العبر والدروس وبالرغم من أن ما حصل لا يصنف وفق معايير الدول كأزمة إلا أن (غياب) الملك كشف عن مجتمع مأزوم إلا من رحم ربي .. (غياب) الملك يجب أن يقرأ بعناية الحريص ويتوجب ألا يمر مرور الكرام فلقد كان له أثر كاشف لا بد أن يبنى عليه أثر منشيء في إعادة تعريف مفردات الحالة الوطنية وتحليلها وتفكيك طلاسمها بكل ما فيها من سلبيات وإيجابيات وبما يعيد التوازن لمجتمع فقد توازنه في ظروف عادية، فكيف لو كنا نواجه ظروفا استثنائية مثل حالة حرب أو طوارئ معلنة بموجب أحكام القانون والدستور لا قدر الله وهل نحن قادرون على الصمود في اي مواجهة؟! الطريق الوحيد نحو معالجة المرض تبدأ بالاعتراف بوجوده ولابد أن نقدم على اعترافات جريئة حتى لو لم تعجبنا نتائج التشخيص ومن لا يستطيع أن يرى ما كشفه (غياب) الملك من أمراض فعليه أن يراجع عقله وعلينا أن نتحدث بصراحة متناهية وان نناقش قضايانا الوطنية بكل مسؤولية فلم يعد مجديا دس الرأس في التراب والجسم الوطني كله مكشوف .. فمن الآثار الكاشفة (لغياب) الملك أننا أصبحنا نعيش في مجتمع بلغت فيها حرية التعبير ذروتها وصولا لنقد رأس الدولة صاحب الحرمة والعصمة في أوطاننا العربية ولم يعد حتى جلالة الملك بمنأى عن التساؤلات لكن هل قمنا باستعمال هذه البحبوحة من الحرية بطريقة مناسبة وصحيحة أم جرى استغلالها في محاولة لهدم أساس النظام وقواعده وهل نحن مجتمع مؤهل للتعاطي مع الحرية وهل سقف الحرية هو القانون والأعراف أم لحظة الألم؟! في معرض الإجابة وعلى هامش الوصف سألتني والدتي هل عاد الملك؟! فأجبتها باندفاع نعم والآن لابد أن يقتص من كل من أساء .. فقاطعتني فورا وهي التي عاصرت المملكة منذ نشأتها الأولى زمن الملك عبدالله الأول وقالت ( لا يمه الهاشميين مش هيك ) .. مدركات جيل بنى الدولة لابد من استدعائها .. أعتقد أن لدينا مشكلة عميقة في تعريف الملك وتعريف الوطنية الأردنية ولقد ذهبنا بعيدا في قبول الحرب النفسية على الوطن والملك حتى استسغنا مثلا وصف (سحيج) على كل من يجاهر بحبه ووقعنا في فخ القمع الفكري والنفسي للشخصية الأردنية الطبيعية فباتت عاجزة عن التعبير الطبيعي ضمن نطاق بحبوحة الحرية وأصبح لمن يسيء كل الحق والحرية في الإساءة أما من يعبر عن صدق عاطفته تجاه الأردن والملك فتتم معاقبته نفسيا باعتباره (سحيج)! لا يوجد أي ضابط موضوعي ومعيار وطني للتعامل مع هذه الحالة الغريبة مع أن من يسيء هو من يخالف القانون ويتجاوزه ويفترض ان قرع سيف القانون على رأس من يتجاوزه يمثل تلك اللحظة بين الخطأ والصواب باعتبارها اللحظة التي يشعر المخالف للقانون فيها بالألم .. قضية أخرى تقع في تصنيف الأثر الكاشف للحالة الأردنية .. تعريف الملك وماهيته ومفهومه لدى الناس !!! لدينا أزمة حقيقية عميقة جدا مصدرها الموروث التاريخي الذي صاغ أنماط التفكير والتعامل مع الملك نفسه سواء من قبل النخب او عامة الناس .. الملك في المفهوم الأردني والموروث التاريخي لا يعدو كونه (شيخ مشايخ القبيلة) أما عقلية الشيخة العربية فبحاجة إلى مقالات بحثية علمية متخصصة ليكتشف الناس مقدار الإغداق والاغراق في التأثير في كل مفصل من مفاصل الدولة والحياة .. لقد رسمنا هالة اسطورية للملك جعلت منه - تاريخياً - شخصية أقرب للآلهة منها للبشر يمتلك عصى موسى التي شق بها البحر فوصل مرحلة القداسة لدى البعض وغير ذلك لدى البعض الآخر بسبب هذا النمط من التفكير .. فهو إن غاب تصور البعض انهيار الدولة واخذته الشكوك بعيدا والقلق عميقا حتى تعرض للانهيار مما طرق أذنه من إشاعات وهذه العقلية نفسها التي تحمل الملك مسؤولية كل صغيرة وكبيرة عما يحصل أو يقع في البلد من مصائب .. نمط التفكير واحد لم يتغير في أي من الاتجاهين لاتحاد العلة وعليه لابد أن نعيد بناء مفهوم الملك في ذهن المجتمع وإعادة تعريف هذه المفردة الهامة ونقلها من حالة الأسطورة لواقع المؤسسة ومن فردية المسؤولية لجمعية الإنجاز وهكذا فلا يتوقف الأمر عند مفهوم الملك بل لابد من إعادة صياغة مفاهيم الدولة والمواطنة والمؤسسات وصولا لمرحلة اشتراكية الضرر والمنفعة فالملك بكل تأكيد هو ركن من أركان الدولة لكنه ليس كل الدولة ولا يختزل الوطن بأشخاص بل يذوب الأشخاص في الوطن.. جلالة الملك هو مواطن أردني بحاجة إلى من يسنده لا من يتكئ عليه أو يختبئ خلفه .. من الآثار الكاشفة (لغياب) الملك أننا حقيقة مجتمع هش يقبل الإشاعة ويقبل على نفسه تمريرها بسهولة ومجتمع قابل للانقسام بلمح البصر عند أول مناسبة.. أما الإشاعة فلابد أن تخضع لمنهجية بحث علمي طويلة وعميقة للتصدي لها بخلق أنماط تفكير مؤهلة واعلام وطني حقيقي غير نفعي لا يقف على قارعة السفارات.. لا بد لذلك من إعادة خلق وتلميع وإبراز المثقف الوطني الأردني الغائب عن المشهد التاريخي للدولة الأردنية لأن المثقف بهذا المعنى مستورد لم يولد من رحم المعاناة الأردنية فإما هو اخونجي أو يساري لم يكن يوما مؤمنا بالوجود الأردني كله ولم ير يوما في وطنه إلا دولة وظيفية عازلة .. من الآثار الكاشفة أيضا (لغياب) الملك أن الملك كان مكشوف الظهر فلا رجالات دولة سابقين هبوا لنجدته ولا أحزاب صرحت ولا نقابات أبانت ولا جمعيات افصحت ولم يتحرك سوى المواطن الأردني العادي على مواقع التواصل الاجتماعي الذي وصل مرحلة الإعياء من صمت النخب او من يفترض فيهم انهم نخب من مؤسسات المجتمع المدني .. مراجعة حالة هذه الشخصيات الطبيعية والاعتبارية ومراقبة انتماءاتها وولائها وتحليل سبب صمتها ولا أعمم بات حقا مشروعا لان الصمت عندما يستدعي الوطن الكلام يصبح خيانة فالمعركة لم تكن تحتمل نظريات الحياد السلبي ولا حتى الإيجابي وكنا ننتظر حالة الاشتباك النوعي والكمي أما من كان يدعو لحشد عشرات الآلاف على الرابع بالاستناد على مفهوم نصرة الوطن لم نسمع له همسا ولم نجد له ركزا عندما حمي الوطيس للدفاع عن الأردن في مواجهة مأفون صفيق مثل الصهيوني إيلي كوهين بما فيهم أرباب معاداة الصهيونية ولا أقول هنا الدفاع عن الملك .. أما ما يسمى رجالات الدولة من جيش المتقاعدين لا نقول فيهم سوى (اذا أخذ ما اوهب أسقط ما أوجب) والمعنى للاستخدام هنا ليس العقل مع أنه قد وجب بل الامتيازات ولقد خبرنا نزق هؤلاء أن الوطن يبقى بخير فإذا أزيل أحدهم عن كرسي (مزرعته) أصبح الوطن ساقطا في وجدانه لأنه ساقط .. من الآثار الكاشفة (لغياب) الملك أننا بتنا نفتقد للجوامع المشتركة الكبرى ووصل بنا الحال للاختلاف على مصدر وجود الدولة (الأمن والاستقرار) وبات الاستخفاف بهذه المفاهيم ومؤسساتها ضرباً من النكتة وبتنا نختلف على لزوم المحافظة على الوطن من محيطه الملتهب حتى أصبح تفكيك الاستقرار وجهة نظر ولم نعد نجد ما نتفق عليه .. لابد من إعادة صياغة رسالة الدولة الأردنية ومشروعها الوطني ورسالتها الفلسفية الوجودية التي ينبثق منها هذا المشروع النهضوي .. باختصار لابد من بناء النموذج الأردني ولا أقول هذه الكلمات من قبيل التنظير أو الخيار بل الاستحقاق فلم نعد نملك ترف الوقت..
مدار الساعة ـ نشر في 2018/08/02 الساعة 14:26