العتوم يكتب: موسكو الإرهابية والدلالات الخبيثة

د. حسام العتوم
مدار الساعة ـ نشر في 2024/03/24 الساعة 06:41
لايوجد إرهاب بريء ومن دون مناسبة ، وتنظيم القاعدة الإرهابي ثبت في التاريخ المعاصر بأنه لا يتحرك بأي اتجاه لوحده ومن دون "ريموت كونترول". واستهداف البوابة الغربية لموسكو العاصمة الان عبر متجر "كروكوس" لصاحبه الملياردير الأذري "أريس أقالاروف" بتاريخ 22 / أذار / 2024 لم يظهر من فراغ ولم يذهب من دون هدف.


ويتزامن الحدث الروسي الارهابي الدموي المأساوي الذي أودى بحياة 133 مواطنا روسيا مدنيا واصابة غيرهم في مجموع وصل الى 145 شخصا مع فوز رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين بأصوات مرتفعة تجاوزت 87% من أصوات الناخبين الروس البالغ تعدادهم أكثر من 114 مليون نسمة من أصل 150 نسمة عدد سكان روسيا، وبنسبة مشاركة انتخابية بلغت أكثر من 77% .
ويأتي وسط ظرف استمرار العملية / الحرب الروسية – الأوكرانية ومع "الناتو" بالوكالة التي انطلقت بتاريخ 24 شباط 2022 ، والتي هي مجرد عملية تحريرية دفاعية من الجانب الروسي عمقها التصدي لإنقلاب "كييف " عام 2014 ، ولمواجهة التطرف الأوكراني للتيار البنديري ولسلطة "كييف" المشابهة والمتعاونة مع اللوجستيا الغربية.
والغريب في أمر إرهاب "القاعدة" الذي بدأ يعرف عالميا بداعش ، أنه لا يستهدف أمريكا ولا إسرائيل ، و يتستر بالدين و لا يدافع عن قضايا الشعوب المظلومة ، وسبق له أن استهدف روسيا عبر القفقاس أكثر من مرة وفي حادثة مدرسة بيسلان عام 2004 ، واستهداف موسكو سابقا في حادثة المسرح والميترو، وفي ايامنا هذه . ونظام أوكرانيا الذي يخوض معارك ضارية مع روسيا ليس برئيا، ورغم نفي ضلوعه بالحدث الإرهابي الأخير الا أنه وجه تهمة غير موفقة مفادها بأن الرئيس بوتين الذي بدأ الحرب معه يواصل حربه مع شعبه . وكلنا نعرف بأن شعوب روسيا وقفت بقوة خلف رئيسها بوتين في الانتخابات الرئاسية الروسية الجديدة وقالت كلمتها بصراحة بأنها تجدد البيعة للرئيس الذي تريده روسيا في وجه التحديات الداخلية والخارجية . وأمريكا التي تساند العاصمة "كييف" في حربها مع روسيا بتمويل تجاوز المئتين مليار دولار بدلا من أن تشجعها على توقيع سلام الأمر الواقع ، وتجر خلفها الغرب وحلف " الناتو " ، و تدفع بالمال الأسود والسلاح الحديث نحوها ليست بريئة أيضا . ولقد حذرت السفارة الأمريكية رعاياها في موسكو من عدم التسوق في المولات الروسية بتاريخ 7 / أذار الحالي، أي قبل حوالي اسبوعين من الحادث الإرهابي قرب موسكو ، وهو أمر يتطلب التوقف عنده ، وقابله شجب أمريكي تقدمه وزير الخارجية أنتوني بلينكين بوصف الحدث جريمة بغيضة ، وأدان الأرهاب . .
ليس للإرهاب ضمير ، وهو الذي يستهدف المواطنين المسالمين ، و عيونه حاقده ، ويستخدم المرتزقة لتنفيذ مهامة السوداء ، والمعركة الهجومية الأوكرانية و الغربية المشتركة المواجهة لمعركة الدفاع الروسية ميدانها ساحات القتال وسط " الدونباس " وخلف أسواره ، وليس المواطنين الروس في مدينة " بيلغاراد " الحدودية أو في فارونيج أو في موسكو العاصمة . وفي حادثة موسكو الإرهابية أفصح مدير المخابرات الروسية الكسندر بورتنيكوف بإلقاء القبض على 11 من المرتزقة الذين شاركوا في العملية القذرة الجبانة ومن بينهم 4 من المشاركين الرئيسيين المحترفين حسب المكتب الصحفي لقصر "الكرملين" الرئاسي . وهو عمل هام من شأنه الكشف عن كامل الخلية الأرهابية ومن يقف وراءها، ولقد صرح الرئيس بوتين بأن الجانب الأوكراني سهل مهمة حركتها عبر الحدود الأوكرانية – الروسية .
ماهي الرسائل التي أراد الأرهاب ومن يقف خلفه من الدول المعنية بالحادث نفسه يا ترى ؟ شخصيا لا أعتقد بأن الانتخابات الرئاسية الروسية هي الهدف ، ولو كان كذلك لتم تحقيق الحادثة قبلها ، واستهداف سمعة الرئيس بوتين الصاعدة في رسمها البياني أمر وارد، فحساد الرئيس الروسي في غرب أوكرانيا وفي الغرب الأمريكي كثر ، وهم لا يريدون له ولا لروسيا النجاح، رغم أن بوتين هو الرئيس المطلوب لروسيا حتى الان، وروسيا هي ميزان العالم والعلاقات الدولية الى جانب الصين في مجلس الأمن ، وهي من بادر بالمطالبة بوقف اطلاق النار في غزة مثلا، وأحبط طلبها الولايات المتحدة الأمريكية، وعندما لا حظت الى جانب الصين تلاعب أمريكا و إسرائيل بقرار بوقف اطلاق النار و لصالح إسرائيل فقط استخدما (الفيتو) ردا على (الفيتو) الأمريكي السابق . وروسيا ومعها الصين في مقدمة دول العالم الكبرى اسنادا للقانون الدولي. وتقود روسيا بشجاعة ووضوح عالم متعدد الاقطاب المواجه لتغول أحادية القطب الأمريكي .
ومحاولة احباط التقدم العسكري الروسي في الاراضي الأوكرانية التي تعتبرها أحقية تاريخية لا يجوز التفريط بها و تركها لقوات " الناتو " أمر وارد وسط أهداف العملية الأرهابية . و قبل أيام فقط صرح سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا بأنه كلما تعقدت الحرب الأوكرانية في غير صالح " كييف " و عواصم الغرب ، كلما ارتفعت ألسنة العقوبات الغربية على روسيا . و التخريب جزء من العقوبات الأمريكية خاصة على روسيا ، و الكلام هنا لي . وكل التصريحات الرئاسية الأمريكية الأخيرة بحق روسيا كانت سلبية . و لما أنه يصعب على " كييف " و على الغرب الوصول بإسلحتهم الى موسكو كما ألمحوا سابقا عبر طائرات " إف 16 " و الصواريخ بعيدة المدى ، يبدوا أنهم اختاروا الأرهاب سلاحا لهدفهم الروسي ، لكن التحقيقات الروسية ستظهر الحقيقة ، و عندها يمكن اعلان براءة من يخضعون للشكوك كافة .
لقد تقدم الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله دول المنطقة في تقديم العزاء للرئيس بوتين ببرقية خاصة ، وشارك الى جانب دول العالم و منها الكبيرة في ادانة الحدث الأرهابي الذي أصاب أطراف موسكو ، وهو أمر مشكور و مقدر . وبالمناسبة فلقد اختط الاردن لنفسه طريق الحياد في الأزمة الروسية – الأوكرانية ، ودعا مبكرا للحوار بين الدولتين الجارتين روسيا وأوكرانيا الصديقتين لنا ، و حاور سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي ودميتري كاليبا وزير خارجية أوكرانيا ، و اشترك مع وزاء خارجية العرب في محاورة الطرفين المتحاربين بحضور أمين الجامعة العربية أحمد أبو الغيط.
وفي المقابل سجلت روسيا وقفة قوية الى جانب القضية الفلسطينية و تفاعلاتها وفي حرب غزة ، وهي من دعت الفصائل الفلسطينية الى الحوار في موسكو بهدف توحيد الصف الفلسطيني و من أجل بناء دولتهم كاملة السيادة و عاصمتها القدس الشرقية ، وتواصل دعواتها لوقف القتال الدائر بين حماس و القوى الفلسطينية المختلفة و إسرائيل ولعدم الاقتراب من رفح ولكي لا تتوسع دائرة القتال في المنطقة الشرق أوسطية .
وفي الختام هنا يتوجب القول بأن التحرش بدولة عظمى مثل روسيا يعتبر خطأ فادحا، وهي قادرة على الرد السريع و المعاقبة القانونية، ولا يجوز تجريب روسيا و لا المزاح معها و ان اتسمت بالرزانة . وروسيا لمن لايعرف دولة عظمى و قطب سياسي وعسكري ، وفوق نووي عسكري لا يبحث عن حرب عالمية ثالثة الا اذا فرضت الحرب عليه و على حلفائه . وسلام ضعيف خير من حرب مدمرة مقولة شعبية روسية صحيحة . ولم يثبت العلم وجود مكان للبشرية وللحضارات غير كوكب الأرض ، فلنحافظ عليه .
مدار الساعة ـ نشر في 2024/03/24 الساعة 06:41