التل يكتب: جوانب من معركة الثقافة

بلال حسن التل
مدار الساعة ـ نشر في 2024/03/16 الساعة 21:36
كشفت معركة طوفان الأقصى، وماتلاها من عدوان اسرائيلي غاشم على قطاع غزة، جوانب من معركة الثقافة التي تشن على امتنا. ففي الوقت الذي تضيق فيه به إدارات وسائل التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها فيسبوك على الاخبار والمقالات التي تتحدث عن صمود غزة وتضحيات اهلها، ومايواجهونه من حرب إبادة جماعية، فان هذه الإدارات تغرق متابعيها بمواد تكرس ثقافة التفافها والفرقة والاختلاف.
ففي مجال تكريس ثقافة التفاهة، تغص مواقع التواصل الاجتماعي الى درجة التخمة، باخبار طلاق فنانيين وفناتات وتعدد زيجاتهم ذكورا واناثا، وباخبار علاقاتهم الغرامية، وخياناتهم الزوجية، وبالعلاقات العابرة في حياة الزوج او الزوجة، وكذلك باخبار جمال ابنائهم وبناتهم، وبعلاقات أبنائهم وبناتهم، وبصور جلسات التصوير الجريئة لبعض الفنانات،حتى في غرف النوم وملابسها الفاضحة، فمقياس الجرئة. صار يقاس بحجم التعري ومقداره، فكلما زاد التعري قيل انه اكثر جرئة.
وفي نفس الوقت الذي تهتم به هذه الوسائل باخبار العري والخيانات الزوجية بين الفنانين والفنانات، فانها تظهرهم على السجاد الأحمر، وتنشر حفلات تكريمهم وتمجيدهم والتسابق لالتقاط الصور لهم او معهم. مع الاخذ بعين الاعتبار ان هذه الوسائل تغيب اخبار الفنانين والفنانات، الذين يسلكون سلوكا محترما، ويقدمون اعمالا محترمة! .
ظاهرة التركيز على الفن الهابط، وعلى من يقدمونه، ليست ظاهرة بريئة، بل لها اهداف خبيثه، وهي جزء من معركة الثقافة التي تشن على امتنا، لسحب شبابها ذكورا واناثا للانحراف عن السير على الطريق الجاد علميا وفكريا، لذلك تغيب عن وسائل التواصل الاجتماعي اخبار العلماء والمخترعين، المتفوقين في اي مجال جاد، كما تغيب اخبار المبدعبين في كل مجالات الفكر و الادب من شعراء وروائيين.... الخ. اما المقاومين للاحتلال فإرهابيون ومتعصبون. .
التركيز على التفاهة وصناعها عمل مقصود احد اهدافه تغير مفهوم القدوة لدى شباب الامة وصباياها، فبدلا من السير على درب العلماء المخترعين المبدعين من اهل الفكر والأدب، يقدم لهم صناع التفاهة كنموذج يقتدون بهم فيتكرس ضعف الامة وضياعها، ويتكرس سكوتها عن حقوقها السليبة.
هذا عن تكريس التفاهة، اما تكريس ادارات هذه الوسائل لحجم الخلافات فيظهر من حجم ما تبثه هذه الوسائل من مقاطع تبين خلافات الامة حول المسألة الواحدة، خاصة في الأحكام الشرعية، دون بيان اهمية الاجتهاد كباب من ابواب التشريع، واحترام الاسلام للعقل والأثر الزمان والمكان على الاستنباط الشرعي للأحكام، مما يضع المتلقي العادي في حيرة وشك من امره.
وما ينطبق على طريقة إدارات وسائل التواصل الاجتماعي مع تعدد الاجتهادات واظاهرها على انها خلافات، كذلك يجري الامر مع القضايا الوطنية والقومية، بهدف ترسيخ الخلافات و ترسيخ ثقافة الاحباط و اليأس.
اما تكريس هذه الإدارات للفرقة بين ابناء الامة، فأبرز صوره طوفان المواد التي يهاجم بها بعض الشيعة اهل السنة والجماعة، وكذلك مايغعله بعض اهل السنة والجماعة ضد الشيعة، وإعطاء ذلك كله صفة الصراعات السياسية والمذهبية والعرقية مما يؤجج الصراع داخلي بين أبناء الامة، ويمنعهم من توحيد صفوفهم امام اعدائهم المشتركيين، وهذه واحدة من اخطر اهداف ونتائج الحرب الثقافية التي تشن على أمتنا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي. مما يجعلها وسائل تناحر اجتماعي.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/03/16 الساعة 21:36