ماذا لو..؟!.. نقيب الصحفيين الأردنيين راكان السعايدة يتساءل
مدار الساعة ـ نشر في 2024/03/15 الساعة 01:30
ليست فقط أميركا تستطيع بكلمة واحدة وقف الإبادة الجماعية الوحشية في قطاع غزة، العرب أيضًا بمقدورهم فعل ذلك إن أرادوا.
ما عليهم، أي العرب، إلّا أن يقولوا لأميركا و"إسرائيل": اتفاقيات السلام والتطبيع في كفة ووقف العدوان على القطاع في الكفة الأخرى.
مثل هذا الموقف العربي كفيل بدفع "إسرائيل" إلى وقف عدوانها الفاشي، وإذا لم يكن بإرادتها، فواشنطن سترغمها على ذلك، ولها أسبابها المصلحية.
لكن "إسرائيل" وأميركا متأكدتان أن العرب، لأسباب ذاتية وموضوعية، لن يتخذوا أي موقف جماعي لوضع حد لهذا الإجرام الذي يلجُ شهره السادس على غزة.
فأميركا، وإن اختلفت مع الحكومة الإسرائيلية المتطرفة على طريقة الحرب وليس أهدافها، فهي منخرطة في إبقاء الدول العربية بعيدة عن اتخاذ أي موقف عملي جدي، ولم تترك لها إلّا هامشًا سياسيًا نظريًا يخفف من حرجها أمام شعوبها.
تفعل أميركا ذلك لإدراكها العميق أن ليس بمقدورها تجاوز أي موقف جماعي عربي يطلب وقف العدوان، فأميركا لها مصالح استراتيجية في المنطقة وتحتاح إلى حلفائها العرب للمحافظة على هذه المصالح التي ليس أقلها مواجهة الصين وروسيا.
غير أن ما فات الدول العربية أن أميركا ليست معنية بمصالح هذه الدول ولا تتوقف كثيرًا عند مآلات وتداعيات العدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة، فكل ما يعني الإدارة الأميركية مصالحها وحليفتها "إسرائيل".
أي؛ المسألة برمتها مصالح أميركية "إسرائيلية" لا أكثر ولا أقل، والدولة العربية التي تظن غير ذلك لا تقرأ في السياستين الأميركية و"الإسرائيلية" بالقدر الكافي من الوعي والإدراك.
ما الذي على الدول العربية إدراكه..؟
أولًا: عليها أن تدرك أن حدود المشروع "الإسرائيلي" الصهيوني لا، ولن يتوقف عند فلسطين التاريخية، فهو مشروع توسعي يستهدف تحقيق مزاعم "إسرائيل الكبرى".
ثانيًا: "إسرائيل"، جمهورًا وقوى سياسية، تنحو نحو اليمين المتطرف بأشكاله السياسية والدينية، ولهذا مضامينه وأدبياته المرتبطة عضويًا بالنقطة السابقة، وهذا اليمين غير معني بتفاهمات وتوافقات استراتيجية مستقرة مع الدول العربية إلاّ بالقدر الذي يخدم مشروعه الصهيوني الأكبر.
ثالثًا: لا أميركا ولا "إسرائيل" معنية ببروز موقف عربي جماعي حاسم وحازم حيال أي أمر، لأنهما تريدان العرب شرذمة مقسمة ومتنافسة، ولن أقول متصارعة، للإبقاء عليها كيانات ملحَقة وتحت السيطرة وتتحكمان باتجاهاتها وقراراتها.
رابعًا: إذا كانت أميركا و"إسرائيل"، تريدان الإبقاء على الدول العربية تابعة مسلوبة الإرادة، فهي أيضًا لن تسمح ببروز أي قوى سياسية أو مقاومة خارج نطاق الدولة تعيق مشاريعها أو تؤثر على مصالحها.
عمليًا، ما فعلته المقاومة في قطاع غزة أنها وضعت أميركا و"إسرائيل" في حالة انكشاف كامل أمام الدول العربية، وبينت أنهما ليستا القوة التي بمقدورها حماية مصالحها فكيف بحماية حلفائها!.
وإذا ما أضفنا إلى هذا الانكشاف حجم السقوط الأخلاقي والقيمي لأميركا و"إسرائيل"، فإنهما أيضًا أثبتتا أن المراهنة العربية عليهما لم يكن لها أساس موضوعي، فوهم القوة والنفوذ الذي تم تسويقه على العرب لسنوات طويلة لاخضاعهم أثبتت غزة هشاشته وعدم جدواه وفعاليته.
فأميركا انكشفت للعالم أجمع وفقدت وهجها وسقطت عنها ورقة التوت، داخليًا وعالميًا، وستحتاج وقتًا طويلًا لإعادة ترميم قدراتها وصورتها أمام الأميركيين وشعوب العالم ودوله، بما فيها حكومات الغرب الحليفة لها.
والكيان الصهيوني فقد الكثير الكثير من قدراته وقوته أمام مقاومة تقبع تحت حصار خانق منذ عقدين ولا تمتلك بالمقاييس المادية ما يجعلها تصمد هذا الصمود الأسطوري أمام آلة الحرب الصهيو- أميركية التي بدأت تتآكل، سوى إرادة الكفاح والنضال والصمود.
والأهم من ذلك كله، أن هذه المقاومة، وبالدليل القاطع، شكلت حائط الصد المنيع في حماية الأمن القومي العربي.
ببساطة شديدة، فشل "إسرائيل" في قطاع غزة يعني فشلها، أو في أقله تعطيل مشروعها التوسعي الذي سيكون على حساب الأردن ومصر وسوريا ولبنان والعراق، ناهيك عن السيطرة الاقتصادية على سائر الدول العربية وبخاصة الدول الخليجية.
بخلاف ذلك، فإن تحقيق "إسرائيل" لأهدافها في قطاع غزة، لا قدّر الله، سيكون بمثابة فتح "صندوق الشرور" الذي لن يمنعه مانع، وعندها فقط ستدرك الدول العربية حجم الكارثة التي ستواجهها وكيف أنها ستكون جميعها مستباحة عن آخرها.
المقاومة اليوم، وبغضّ النظر عن مواقف دول عربية منها ومهما كانت ملاحظاتها عليها، هي حامية لأمنها القومي الذي يفترض أنه أهم من حبها أو كرهها للمقاومة وخلفياتها الدينية.
فسؤال: ماذا لو..؟ لا يجب أن يحتمل إلّا إجابة واحدة، وهي:
الأمن القومي للدول العربية، وفي سياقه دورها وتأثيرها ووجودها وكينونتها واستقرارها ومنعتها، لا بد وأن يستدعي منها موقفًا جامعًا مانعًا، حازمًا حاسمًا، ورجوليًا شجاعًا، يقول لـ"إسرائيل": توقفي الآن وإلاّ ستلغى كل أشكال العلاقات والمصالح.
تقول ذلك وهي متيقنة أن المقاومة أنتصرت و"إسرائيل" هُزمت وما يحدث كلها تداعيات ذلك.
نعم، ومن وحي ذلك، على الدول العربية أن تقوم، مرة وإلى الأبد، بتصحيح مسار علاقاتها مع العالم، وأن تنتزع لها مكانًا تحت الشمس، وأن تستقل بذاتها، وتتخلص من زمن الإلحاق والهوان.
الفرصة سانحة الآن ولدينا خيار: إما أن نكون أو لا نكون، إما أن نستقل أو نواصل نهج التبعية..
مدار الساعة ـ نشر في 2024/03/15 الساعة 01:30