العتوم يكتب: تصرف الغرب بالوديعة الروسية جريمة حرب

د. حسام العتوم
مدار الساعة ـ نشر في 2024/03/14 الساعة 11:47

رشح عن صحيفة " فايننشال تايمز " البريطانية بتاريخ 28/ ديسيمبر / 2023 ، و هي المتابعة عالميا ، ومن قبل 1،2 مليون قاريء ، بأن واشنطن اقترحت على مجموعة السبع ( أمريكا ، بريطانيا ، فرنسا ، المانيا ، ايطاليا ، اليابان ) ، أكبر تجمع اقتصادي عالمي حسب صندوق النقد الدولي و تبلغ ميزانيته 317 تريليون دولار، التصرف بالأصول المالية الروسية المجمدة البالغة 300 مليار دولار و توجيهها لإعادة إعمار أوكرانيا من دون أخذ اذن أو استشارة روسيا الاتحادية صاحبة الحق في المبلغ كاملا . و لازال موضوع الوديعة الروسية قيد دراسة المجموعة مع تزامن بلوغ العملية / الحرب الروسية الأوكرانية و مع ( الناتو ) بتاريخ 24/ شباط / 2024 عامها الثاني ،و عصف ذهني داخلها و احتساب لردة الفعل الروسية القادرة على تجميد حسابات الشركات الأجنبية العاملة في روسيا ، و تدرس المجموعة في المقابل الاستفادة على الأقل من الفوائد البنكية للمبلغ الروسي الملياري الكبير خوفا من ردة فعل روسية أكبر و خيمة . و لقد هدد الرئيس فلاديمير بوتين بردة فعل قاسية حال تنفيذ المجموعة الغربية التصرف بالوديعة على طريقتها الخاصة .

ولازالت الاقتراحات الغربية تتوافد حول هذا الموضوع ، ومنها استغلال الارباح الناجمة عن المبلغ الروسي المرصود لصالح مؤسسات مالية مثل " يورو كلير " للاحتفاظ ب 191 مليار يورو . و خطوة مثل هذه تتخذها مجموعة السبع تعتبر جريمة حرب تضاف لجريمة حرب الغرب فوق الاراضي الأوكرانية ، و عبرها ضد روسيا بواسطة ضخ السلاح الحديث و المال الأسود لتحقيق عدة أهداف بعيدة المدى لا علاقة لها بسيادة أوكرانية التي كان من الممكن تحقيقها بواسطة الحوار المباشر و من خلال اتفاقية " مينسك " التي اشتركت فيها روسيا و بيلاروسيا و أوكرانيا و فرنسا و المانيا ، و حتى عبر المفاوضات خارج الحدود في تركيا . و الاهداف المقصودة هنا هي ديمومة الحرب الباردة و سباق التسلح ، و محاولة تقسيم روسيا و تطويقها و اضعافها في الوقت المناسب . ووجود الرئيس بوتين في السلطة في قصر " الكرملين " ، و امتلاك روسيا سلاح فوق نووي ، و مصادر طبيعية غنية ، و مساحة هي الأولى في العالم ، و اقتصاد هو الأول في أسيا انقذ روسيا من التراجع و الانقسام و الانهيار لاسمح الله .
وكما نقول في شرقنا ( التكرار يعلم ) ، فإن الغرب يتعمد عدم فهم الدور الروسي في الحرب الأوكرانية ، و التي هي بالنسبة لروسيا مجرد عملية بدأت عام 2022 للتصدي لمؤامرة الغرب نفسه عليها عبر انقلاب " كييف " عام 2014 و بعد ذلك ، و رغبت بأن تنتهي عندما تحقق أهدافها العريضة و التي في مقدمتها اجتثاث التطرف البنديري الذي تم استغلال تياره من قبل الغرب ، ومن أمريكا تحديدا واجهزتهم اللوجستية لاجتثاث الحضور الروسي وسط الاراضي الأوكرانية .و ارتكزت روسيا على مادتين قانونيتين في تحريك عمليتها ،وهي اتفاقية انهيار الاتحاد السوفيتي المانعة على الدول المستقلة عقد تحالفات معادية مع ( الناتو ) مثلا ، و مادة ميثاق الأمم المتحدة رقم 751 التي تسمح للدولة المعتدى على سيادتها مثل روسيا الدفاع عن نفسها . و يضاف الى هذا تمسك روسيا بالأحقية التاريخية في ضمها لخمسة أقاليم أوكرانية روسية الجذور مثل ( القرم ، و لوغانسك ، و دونيتسك " الدونباس " ، و زاباروجا و خيرسون ) . وكلما أراد الغرب الأمريكي للحرب أن تطول ، كلما خسرت " كييف " أكثر .
و بالمناسبة الغرب يفصل بين غرب و شرق أوكرانيا ، و ينادي بإعادة إعمار أوكرانيا و يقصد غربها ، و شرق و جنوب أوكرانيا استقلت عن غرب أوكرانيا و عن العاصمة " كييف " و نظامها السياسي البنديري المتطرف عبر صناصديق الاقتراع . و يتحدث الغرب عن مأساة أوكرانيا ، أي جناحها الغربي التي صنعها بنفسه، و لم يهتم لعدوان " كييف " على شعبه الأوكراني المتداخل مع المكون الروسي على مدار أكثر من ثماني سنوات بين عامي 2014 و 2022 و بعد ذلك حتى الساعة . وروسيا التي يحاربونها قطب و دولة عملاقة فوق نووية لاتوجد قوة فوق الارض تستطيع هزيمتها ، و هي لا تقبل بأقل من النصر . و التوجه للتصرف بالوديعة المالية الروسية لديهم من دون إذن جريمة حرب و اختراق للقانون الدولي الذين يدافعون عنه ليل نهار ، أو يدعون ذلك . و خسران الحرب قبل ( كييف) يدفعهم للبحث عن خيارات خاسرة أخرى مثل التحرش بالوديعة الروسية .
ومقارنة بسيط بين روسيا التي أعرفها و بين الغرب الأمريكي الذي لا أعرفه ، هو أن روسيا - بوتين عرضت على أمريكا عام 2000 دخول ( الناتو ) ، و عرضته عليها تشكيل شبكة دفاعية مشتركة روسية أمريكية أوروبية و رفضت اقتراحها أيضا ، و قدم مردود الحرب الباردة و سباق التسلح على كل شيء ، و ذهب أكثر لنشر خطاب الكراهية حول روسيا و قلب الحقائق التاريخية التي يصعب تغطيتها بغربال . وفي الحرب العالمية الثانية مثلا انتقل الغرب من الجبهة الواحدة ضد النازية الألمانية للتوجه لإسناد تطرف التيار البنديري الشريك في محرقة " الهولوكوست " التي طالت اليهود و غيرهم من الشعوب المشاركة في الحرب الثانية .
وهاهو الغرب يدير حربين كبيرتين معا - الأوكرانية و غزة ، و يصعب عليه أن يستوعب من هو صاحب الحق و من هو المظلوم ، وفي الحالتين أمريكا هي التي تقود المشهد و لاتبقي دورا لأي من دول العالم الكبيرة . و اذا ما رفعت أمريكا بالذات يدها عن الحرب الأوكرانية ، فإن الحرب ستتوقف بسرعة ، و اذا ما رفعت أمريكا قبل إسرائيل يدها عن حرب غزة ، فإنها ستتوقف فورا أيضا ، و روسيا في المقابل التي يكرهها الغرب ، أول دولة نادت بالسلام الروسي الأوكراني عبر اتفاقية " مينسك " و طاولة المفاوضات في تركيا . وروسيا قبل غيرها من كبريات دول العالم توجهت لمجلس الأمن لوقف اطلاق النار في غزة و قوبل طلبها بفيتو أمريكي خدمة لإسرائيل العدوانية الاحتلالية العنصرية ، و عرضت عبر خارجيتها التفاوض بين حماس و إسرائيل ، و استضافت حماس و الجهاد ، و تمكنت بطريقة دبلومسية مهذبه من الأفراج عن عدد من الرهائن الروس لدى حماس ،و قدمت مساعدات إنسانية للأشقاء الفلسطينيين بالتعاون مع الجانب الشيشاني أيضا .
المطلوب من الغرب ومعه اليابان موازنة خطواتهم تجاه روسيا الممكن وصفها بالعدوانية و غير المتفهمة لروسيا ، و مثلما يصر الغرب على موقفه السلبي من روسيا ، تساندهم اليابان أيضا ، متناسية قصف أمريكا لها بالسلاح النووي في حادثتي " هيروشيما و ناكازاكي " عام 1945 ، و مسالة سيطرت الاتحاد السوفيتي على جزر " الكوريل " اليابانية الأصل ، و تحولهن الى روسية سببه اعتداء اليابان نهاية الحرب الثانية عليه و خسران الرهان ، و روسيا المعاصرة متمسكة بإرثها التاريخ و سبق لها أن عرضت السلام على اليابان شريطة عدم المساس بشرعية روسيا في جزر الكوريل . وفي الختام هنا روسيا منتصرة أفضل من غرب خاسر ، و تمسك روسيا بالقانون الدولي يفوق عدم تفهم الغرب له ، و الحقيقة لاتغطى بغربال .

مدار الساعة ـ نشر في 2024/03/14 الساعة 11:47