السؤال الممنوع : إلى متى ستظل المقاومة صامدة؟
مدار الساعة ـ نشر في 2024/03/14 الساعة 01:31
دخلت الحرب على غزة شهرها السادس، والمقاومة ما تزال صامدة، فإلى متى ستظل صامدة؟ استدعاء هذا السؤال «الممنوع»، أصبح ضروريا لفهم استحقاقات المرحلة القادمة، أقصد مرحلة ما بعد الحرب، التي يبدو أنها مزدحمة بالتحولات والتغيرات والمفاجآت، كما انه ضروري لاستدراك ما يمكن استدراكه باللحظة الأخيرة، لان نتيجة هذه الحرب ستكون، ربما، صادمة، وستتجاوز حدود غزة وفلسطين إلى عالمنا العربي، والمنطقة كلها، والجميع سيتقاسمون الخسارة. يمكن، بالطبع، أن ننحاز لتحليلات، سياسية وعسكرية، تستند إلى الرغبات والأمنيات التي تطاردنا في الشوارع، وعلى بعض الشاشات، منذ 7 أكتوبر وحتى الآن، يمكن ان ندغدغ عواطف الجمهور الذي ما زال ينتظر أن يتحقق الحلم، (يا ريت) حتمية انتصار المقاومة وهزيمة الكيان المحتل، أو الرهان على حدوث مفاجأة تقلب الموازين، يمكن، أيضا، أن نتواضع قليلا ونعترف بما خسرناه في غزة، وبأنها حرب غير متكافئة، ثم نردد : المقاومة فكرة لا تموت، هزيمة إسرائيل الاستراتيجية تحققت، لكن هل يكفي هذا لكي نشعر ببعض الرضا، أو نستنشق»نسمة « انتصار، في مواسم «كربلائية» باردة وجافة، ثم تصدمنا الحقيقة، كما صدمتنا في معظم تجاربنا العسكرية والسياسية على مدى اكثر من 50 عاما؟ اكيد، لا يليق بنا كعقلاء ان نفعل ذلك. لنعترف أن ما دفعته غزة، ومعها القضية الفلسطينية، في هذه الحرب البشعة كان ثمنا ? باهظا لم يتوقعه أحد، لنعترف أننا أمام نكبة ثالثة أسوأ من الأولى 48 والثانية 67، جردة حساباتها وأرقامها وتداعياتها تستعصي على الحصر : عدد الشهداء والمصابين والمفقودين (اكثر من 100 ألف)، حجم الدمار والكوارث الإنسانية (70% من القطاع تم تدميره بما فيه المدارس والجامعات والمشافي والمنازل) ثم حصاد التجويع والأسر والتهجير والمرض والجهل، وشطب كل مقومات الحياة، وانتهاك كل شيء، هذا يعني -باختصار - أن حرب الإبادة الصهيونية وأهدافها تحققت، وأن إعادة غزة لما قبل 7 أكتوبر يحتاج إلى عشرات السنين، إذا ما توفرت الإرادة الدولية لإعادة الأعمار، وهي ممكنة، لكن في سياق تفاهمات سياسية لن تصب، بتقديري، في مصلحة الفلسطينيين، إذا استمرت المسارات على ما هي عليه الآن.ماذا أنجزت 7 أكتوبر إذاً ؟ هل كانت فرصة اهدرناها أم أنها كانت تحمل نتيجتها في خفايا وأسرار وأخطاء ومخططات لم نكتشفها حتى الآن ؟ لا أدري. هل أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام الدولي والعربي ؟ نعم، لكن نتيجة «العودة»، للأسف، قد تكون كارثية ؛ المسار السياسي وأثمانه ستحدّدها أطراف أصبحت القضية في «قبضتها»، ولا يبدو أن الفلسطينيين سيحصلون على أبسط حقوقهم، حتى لو تم تمرير حل الدولتين.ماذا عن الأهداف الأخرى ؛ تحرير الأسرى، وقف تهويد الأقصى، تجميد قطار التطبيع العربي ؟ لم يتحقق منها، حتى الآن، أي شيء، لقد انحصرت مطالب المقاومة في آخر صفقة مطروحة بعدة بنود : وقف العدوان، الانسحاب من غزة، مبادلة الأسرى، فتح أفق سياسي، ومع ذلك إسرائيل لم توافق عليها، ما يعني أن الحرب ستستمر، وربما تفتح جبهة رفح، ومعها الرصيف البحري الأمريكي الجديد، ومحاولات التهجير، صفحة أخرى أسوأ، تتراكم عليها مزيد من الخسارات والخيبات.صحيح ؛ المقاومة كسرت «أنف « تل أبيب، وزعزعت وجودها، وكبدتها خسائر فادحة وغير مسبوقة، صحيح، إسرائيل تتحمل مسؤولية كل ما حدث في غزة من قتل ودمار، وأمريكا شريك أساسي في هذه الجريمة ومعها الأطلسي، العالم العربي خذل الفلسطينيين وربما ساهم فيما حصل، فصائل المقاومة -حماس تحديدا- ربما لم تحسب حساباتها كما يجب، الواقع الفلسطيني مصاب بالانقسام ولا يملك ما يلزم من أوراق لتغيير موازين المواجهة. كل هذه المقولات، وغيرها، في موازاة حالة القهر والغضب، وبعض الدعم الإنساني والسياسي الذي قدمته الدول والشعوب العربية، والأحرار في العالم، يمكن استدعاؤه لفهم ما حدث، كما يمكن الاستناد إليه لتبرير ما وقع، لكن الحقيقة هي أننا استنزفنا كل ما لدينا من مشاعر وطاقات ودعوات، فيما لم نستطع، دولا وشعوبا، أن نحدث أي فارق في هذه الحرب، لا من جهة وقفها، أو الحد من بشاعتها وتكاليفها، ومواجهة مكائدها السياسية، ولا من جهة دعم صمود أهل غزة، وتجنيبهم دفع الثمن الكبير الذي دفعوه، وما زالوا. حان الوقت لكي نفكر بعقلانية وواقعية، ثم نصارح أنفسنا بأن الحرب على غزة حققت، حتى الآن، أهدافها كما وردت في «كتالوج « جاهز وضعته تل أبيب مع حلفائها، وأننا، العرب والفلسطينيين، سندفع الثمن السياسي لهذه الحرب، حان الوقت، أيضا، لنكتشف أن هذه الحرب أسقطت أوهاما كثيرة، وهم النظام العربي والأمن العربي، وهم وحدة الساحات والممانعات، وإيران وأذرعها في خدمة (تحرير القدس)، وهم العالم الحر وحقوق الإنسان والاعتماد على القوى الكبرى، فيما النتيجة : الفلسطينيون، ومعهم قضيتهم، خذلوا أنفسهم، كما خذلهم الأشقاء والعالم أيضا. 7 أكتوبر التي أخذتنا عواطفنا الجياشة، في لحظة الإحساس « بنشوة انتصار»، لتكون منطلقا للتحرير، وخطوة في رحلة انكفاء الحلم الصهيوني، وإعادة القضية الفلسطينية إلى حيث يجب أن تكون، وإقامة الدولة المستقلة، لم تفرز، حتى الآن، إلا ملامح نكبة أخرى، وغزة مدمرة، وسلطة مجددة، وربما تهجيرا قادما، وعالما عربيا أضعف مما كان..السؤال : هل تستطيع المقاومة أن تصمد اكثر، وهل تستطيع ان تجد من يساندها لكي تقلب المعادلة، او تقلل ما امكن من الخسارات؟ أتمنى ذلك، لكن ما أراه في الواقع يبدد كل ما يراودني من أمنيات. يا خسارة.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/03/14 الساعة 01:31