بطَّاح يكتب: الدولة الفلسطينية 'ومُعاندة' إسرائيل للعالم
مدار الساعة ـ نشر في 2024/03/13 الساعة 11:53
لقد فهم العالم كله تقريباً (بما في ذلك الولايات المتحدة) بعد "السابع من أكتوبر" أنه لا بدّ من حل القضية الفلسطينية المُزمنة إذا أُريد للسلام أن يسود في منطقة الشرق الأوسط، ولا يمكن أن يحدث ذلك بالطبع بدون أن يحظى الفلسطينيون شأنهم شأن بقية شعوب الأرض بدولة ذات سيادة تُمكّنهم من ممارسة حقوقهم، وتشعرهم بإنسانيتهم بعيداً عن الاحتلال الإسرائيلي، وممارساته الرهيبة، وتجاوزاته التي تمتد من "التهجير القسري" إلى التجويع والتضييق.
ولمواجهة هذا التوجه العالمي للاعتراف بحق الفلسطينيين بادر مجلس الوزراء الإسرائيلي برئاسة "نتنياهو" إلى تبني قرار "قاطع" بعدم الرضوخ لما أسماه "الإملاءات الدولية" الداعية إلى الاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية التي يمكن أن تعيش جانباً إلى جنب مع إسرائيل وفقاً "لحل الدولتين" القاضي بإقامة دولة للفلسطينيين على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.إنّ الغريب حقاً في هذا السياق هو موقف إسرائيل التي تريد من خلاله "معاندة" العالم أجمع، والحيلولة بينه وبين الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهي إذْ تأخذ هذا الموقف تستند إلى العديد من الاعتبارات التي يجدر بنا الوعي بها وهي:أولاً: الرأي العام الإسرائيلي (وليس النُخَب فقط) الذين لا يريد إقامة دولة فلسطينية لأسباب كثيرة أهمها أنه يعتقد أن فلسطين هي "أرض الميعاد" وهبها الربّ لليهود دون غيرهم، كما أنه يعتقد بأنّ الدولة الفلسطينية إذا ما قامت سوف تكون خطراً كبيراً على إسرائيل، وبخاصة بعد ما جرى في "السابع من أكتوبر".ثانياً: التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة حيث تدعّم أمريكا إسرائيل بكل ما تحتاجه (عسكرياً، وسياسياً، واقتصادياً...)، ولا يختلف أيّ رئيس أمريكي عن سلفه فيما يتعلق بإسرائيل إلّا في أنه يحاول أن يتفوق على سلفه في دعمها، ولعلّنا نلاحظ أن "الكونغرس" الأمريكي دأب على أن يكون أكثر تطرفاً في دعم إسرائيل من الرؤساء الأمريكيين، الأمر الذي يعني أن الولايات المتحدة ليست في وارد أن تتخلى عن حليفها الاستراتيجي (أيّ إسرائيل) من أجل موضوع كهذا، ولعلّنا نلاحظ الآن أن نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة تضرب عرض الحائط بكثير من وصايا الإدارة الأمريكية المتعلقة بزخم الحرب في غزة، أو إيصال المساعدات إلى المدنيين وهي تستند في كل ذلك إلى أنّ العلاقة مع الولايات المتحدة هي علاقة استراتيجية تتجاوز الأشخاص والتوجهات التي قد تكون مؤقتة أو عابرة. إنّ الرئيس الأمريكي "بايدن" قد لا يحب نتنياهو وهو يعرف أنه عنيد وغير متجاوب ولكنه مع ذلك يستمر في ضخ الأسلحة من كل نوع إلى إسرائيل وتغطيتها سياسياً في جميع المحافل الدولية.ثالثاً: موقف الدول الغربية (الاتحاد الأوروبي + بريطانيا) المتماهي تقليدياً مع موقف الولايات المتحدة إن لم نقل "التابع" لها مّما يعني أنّ إسرائيل تستطيع أن تضمن الموقف الغربي إجمالاً من خلال ضمانها للموقف الأمريكي.رابعاً: الوضع العربي الذي لم يعد واحداً ومتماسكاً فهناك الدول التي "طبّعت" مع إسرائيل وعقدت اتفاقيات معها، وهناك دول أخرى في طريقها إلى ذلك مما يعني أن إسرائيل لا تخشى من موقف عربي ضاغط. إنّ هذا الموقف قد يكون سياسياً وحاّد العبارة ولكنه بالقطع لن يكون مؤثراً بما فيه الكفاية على إسرائيل.خامساً: الانقسام الفلسطيني المُزمن والذي لا يقدّم إلى العالم موقفاً واحداً يعطي زخماً لموضوع الدولة الفلسطينية، ففي حين تؤمن السلطة الوطنية الفلسطينية المنبثقة من فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية والحاكمة في الضفة الغربية "بالنهج السياسي" وتحظى بالاعتراف الدولي تؤمن الفصائل الفلسطينية (حماس، والجهاد الإسلامي وغيرها) بالمقاومة المسلحة ولا تحظى بالاعتراف الدولي، الأمر الذي يتيح لإسرائيل أن تزعم بأنّه ليس هناك طرف فلسطيني تتفاوض معه بل هي تدّعي بأن بعض هذه الأطراف (حماس والجهاد تحديداً) لا تعترف بإسرائيل بل تسعى إلى تدميرها. إنّ توحيد الموقف الفلسطيني أمام العالم وبالذات فيما يتعلق "بالدولة الفلسطينية" له أهمية كبيرة في تفنيد الحجج الإسرائيلية، وتقوية المطالبات الدولية بحق تقرير المصير للفلسطينيين والاعتراف بدولة لهم وفق ما يُسمى بالشرعية الدولية.سادساً: الواقع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية (أكثر من 500,000 مستوطن في الضفة الغربية و250,000 في القدس الشرقية) والذي يصعّب قيام دولة فلسطينية على أرض أصبح يملكها كثير من المستوطنين وتأكلها الطرق الالتفافية والمستعمرات والحواجز وغيرها، وإنّ مما لا شك فيه أن هذا الواقع يعطي لإسرائيل حجة في أنّ قيام دولة فلسطينية في هكذا وضع أمر غير عملي فضلاً عن أنه يأتي على حساب "حق" اليهود الذين "رجعوا" إلى "أرض إسرائيل" و "يستوطنون" فيها!هل معنى ما سبق أنّ إسرائيل تستطيع وإلى ما لا نهاية "مُعاندة" العالم والاستمرار في احتلال الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية وغزة) والتنكر لحقوق الفلسطينيين؟ بالطبع لا. إن ذلك مجافٍ للمنطق والتاريخ فكل احتلال إلى زوال، وكل شعب سعى إلى حريته نالها في النهاية حتى وإن تأخر الوقت وانطوى على تضحيات جِسام والشعب الفلسطيني ليس بِدَعاً بين الشعوب بل هو شعب أثبت وخلال ما يقارب المائة سنة الفائتة أنه مؤمن بحقه، ومستعد للتضحية في سبيله بغير حدود، ولذا فالنصر سيكون حليفه بدون أدنى شك.
ولمواجهة هذا التوجه العالمي للاعتراف بحق الفلسطينيين بادر مجلس الوزراء الإسرائيلي برئاسة "نتنياهو" إلى تبني قرار "قاطع" بعدم الرضوخ لما أسماه "الإملاءات الدولية" الداعية إلى الاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية التي يمكن أن تعيش جانباً إلى جنب مع إسرائيل وفقاً "لحل الدولتين" القاضي بإقامة دولة للفلسطينيين على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.إنّ الغريب حقاً في هذا السياق هو موقف إسرائيل التي تريد من خلاله "معاندة" العالم أجمع، والحيلولة بينه وبين الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهي إذْ تأخذ هذا الموقف تستند إلى العديد من الاعتبارات التي يجدر بنا الوعي بها وهي:أولاً: الرأي العام الإسرائيلي (وليس النُخَب فقط) الذين لا يريد إقامة دولة فلسطينية لأسباب كثيرة أهمها أنه يعتقد أن فلسطين هي "أرض الميعاد" وهبها الربّ لليهود دون غيرهم، كما أنه يعتقد بأنّ الدولة الفلسطينية إذا ما قامت سوف تكون خطراً كبيراً على إسرائيل، وبخاصة بعد ما جرى في "السابع من أكتوبر".ثانياً: التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة حيث تدعّم أمريكا إسرائيل بكل ما تحتاجه (عسكرياً، وسياسياً، واقتصادياً...)، ولا يختلف أيّ رئيس أمريكي عن سلفه فيما يتعلق بإسرائيل إلّا في أنه يحاول أن يتفوق على سلفه في دعمها، ولعلّنا نلاحظ أن "الكونغرس" الأمريكي دأب على أن يكون أكثر تطرفاً في دعم إسرائيل من الرؤساء الأمريكيين، الأمر الذي يعني أن الولايات المتحدة ليست في وارد أن تتخلى عن حليفها الاستراتيجي (أيّ إسرائيل) من أجل موضوع كهذا، ولعلّنا نلاحظ الآن أن نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة تضرب عرض الحائط بكثير من وصايا الإدارة الأمريكية المتعلقة بزخم الحرب في غزة، أو إيصال المساعدات إلى المدنيين وهي تستند في كل ذلك إلى أنّ العلاقة مع الولايات المتحدة هي علاقة استراتيجية تتجاوز الأشخاص والتوجهات التي قد تكون مؤقتة أو عابرة. إنّ الرئيس الأمريكي "بايدن" قد لا يحب نتنياهو وهو يعرف أنه عنيد وغير متجاوب ولكنه مع ذلك يستمر في ضخ الأسلحة من كل نوع إلى إسرائيل وتغطيتها سياسياً في جميع المحافل الدولية.ثالثاً: موقف الدول الغربية (الاتحاد الأوروبي + بريطانيا) المتماهي تقليدياً مع موقف الولايات المتحدة إن لم نقل "التابع" لها مّما يعني أنّ إسرائيل تستطيع أن تضمن الموقف الغربي إجمالاً من خلال ضمانها للموقف الأمريكي.رابعاً: الوضع العربي الذي لم يعد واحداً ومتماسكاً فهناك الدول التي "طبّعت" مع إسرائيل وعقدت اتفاقيات معها، وهناك دول أخرى في طريقها إلى ذلك مما يعني أن إسرائيل لا تخشى من موقف عربي ضاغط. إنّ هذا الموقف قد يكون سياسياً وحاّد العبارة ولكنه بالقطع لن يكون مؤثراً بما فيه الكفاية على إسرائيل.خامساً: الانقسام الفلسطيني المُزمن والذي لا يقدّم إلى العالم موقفاً واحداً يعطي زخماً لموضوع الدولة الفلسطينية، ففي حين تؤمن السلطة الوطنية الفلسطينية المنبثقة من فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية والحاكمة في الضفة الغربية "بالنهج السياسي" وتحظى بالاعتراف الدولي تؤمن الفصائل الفلسطينية (حماس، والجهاد الإسلامي وغيرها) بالمقاومة المسلحة ولا تحظى بالاعتراف الدولي، الأمر الذي يتيح لإسرائيل أن تزعم بأنّه ليس هناك طرف فلسطيني تتفاوض معه بل هي تدّعي بأن بعض هذه الأطراف (حماس والجهاد تحديداً) لا تعترف بإسرائيل بل تسعى إلى تدميرها. إنّ توحيد الموقف الفلسطيني أمام العالم وبالذات فيما يتعلق "بالدولة الفلسطينية" له أهمية كبيرة في تفنيد الحجج الإسرائيلية، وتقوية المطالبات الدولية بحق تقرير المصير للفلسطينيين والاعتراف بدولة لهم وفق ما يُسمى بالشرعية الدولية.سادساً: الواقع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية (أكثر من 500,000 مستوطن في الضفة الغربية و250,000 في القدس الشرقية) والذي يصعّب قيام دولة فلسطينية على أرض أصبح يملكها كثير من المستوطنين وتأكلها الطرق الالتفافية والمستعمرات والحواجز وغيرها، وإنّ مما لا شك فيه أن هذا الواقع يعطي لإسرائيل حجة في أنّ قيام دولة فلسطينية في هكذا وضع أمر غير عملي فضلاً عن أنه يأتي على حساب "حق" اليهود الذين "رجعوا" إلى "أرض إسرائيل" و "يستوطنون" فيها!هل معنى ما سبق أنّ إسرائيل تستطيع وإلى ما لا نهاية "مُعاندة" العالم والاستمرار في احتلال الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية وغزة) والتنكر لحقوق الفلسطينيين؟ بالطبع لا. إن ذلك مجافٍ للمنطق والتاريخ فكل احتلال إلى زوال، وكل شعب سعى إلى حريته نالها في النهاية حتى وإن تأخر الوقت وانطوى على تضحيات جِسام والشعب الفلسطيني ليس بِدَعاً بين الشعوب بل هو شعب أثبت وخلال ما يقارب المائة سنة الفائتة أنه مؤمن بحقه، ومستعد للتضحية في سبيله بغير حدود، ولذا فالنصر سيكون حليفه بدون أدنى شك.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/03/13 الساعة 11:53