قسي يكتب: الحراك المدني في الشرق الأوسط

علي قسـي
مدار الساعة ـ نشر في 2024/03/09 الساعة 12:55

تحتد المناقشات في الشرق الأوسط حول أسباب الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل بلا هوادة. إن الأسباب كثيرة ومعقدة، ولكن يستحق أحد هذه الأسباب اهتمامًا خاصًا، وهو التأثير السياسي للحراك المدني. وقد طورت إسرائيل هذا المجال حتى أصبح سلاحاً فعّالاً في جعبتها، بينما تجاهله العرب بشكل كلي.

تنشط في كل بلد غربي مؤثر، مجموعات عمل سياسي متعددة، بعضها مرتبط بالأحزاب السياسية، على مدار الساعة على كسب التأييد لإسرائيل. وتمتلك هذه الشبكة التي تقوم بأنشطة الضغط السياسي تأثيرًا كبيرًتعمل من خلال التنظيم المجتمعي، وكسب التأييد ، وجمع التبرعات.
في محاضرة حضرتها في واشنطن العاصمة، أخبرنا عضو متقاعد من مجلس الشيوخ قصة وصفها بأنها نموذجية، أنه خلال إحدى الحملات الانتخابية، تلقى دعوة ليتحدث أمام منظمة نسائية يهودية. بعد القاء كلمته، وأثناء خروجه، قالت له رئيسة الجمعية التي كانت ترافقه: "سياساتك تتعارض مع كل ما ندعو له، لكن بما أنك تدعم إسرائيل فإننا سنصوت لصالحك."
كما تستخدم مجموعات الضغط الإسرائيلية اسلوب الترهيب. ففي الولايات المتحدة، إذا إدلى أحد المسؤولين المنتخبين بتصريح يُعتبر غير مؤيد لإسرائيل بما فيه الكفاية يواجه هذا المسؤول فيضاناً من رسائل الاحتجاج من الناخبين والمتبرعين في دائرته الإنتخابية، يتوعدون فيها بالتعبير عن عدم رضاهم من خلال تقليص التبرعات من جهة وحجب الأصوات في الانتخابات من جهة أخرى. ويتم ذلك باسلوب ممنهج ومستمر وبدون كلل أو ملل. بالمقابل، فإن انتقاد العرب لا يكلف أي ثمن سياسي.
وعلى نقيض ذلك، تمتلك الدول العربية أنظمة مركزية للغاية حيث تعتبر العلاقات الدولية حكرًا على الحكومة. كما أن الحراك المدني يقتصر على الأعمال الخيرية، وهذا إذا لم يتم تقييده أو إخماده تمامًا. لذا، فقد تكون الردود الوحيدة على المسؤولين الغربيين الذين يدعون إلى سياسات ضد العرب هي رسالة يتيمة من سفارة، لا تسمن ولا تغني من جوع.
بدأ النمط الإدراكي الغربي للقضية الفلسطينية الذي كان سائدا بالتغير قبل أن تباشر اسرائيل عملية الإبادة الجماعية الحالية في غزة، لكن التحول تفاقم نتيجة لها. فبفضل ثورات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ظهرت وسائل إعلام إلكترونية محترمة وفعّالة رفضت أن تكون مجرد ناقلة للدعاية الإسرائيلية دون سؤال. وعلاوة على ذلك، بدأ العرب ينشطون على المستوى الفردي بإعلاء أصواتهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي فإن حق التعبير عن الذات العربي لم يعد امتيازاً حكومياً.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أصبح العرب في المهجر بدورهم يشكلون منظمات للحراك المدني، فعلى سبيل المثال تشكلت حركة مقاطعة اسرائيل BDS، وهي حركة ذات قيادة فلسطينية تعمل على إنهاء الدعم الدولي للقمع الإسرائيلي للفلسطينيين والضغط على إسرائيل للامتثال للقانون الدولي.
ومع الكشف عن الوجه الحقيقي للصهيونية، قام عدد من منظمات الحراك المدني الغربية التي تؤمن بحقوق الإنسان حقًا وليس كأدوات دعائية، بتبني قضية فلسطين. وتشمل هذه المنظمات جمعيات عربية-أمريكية ومنظمات غير عربية وحتى جماعات يهودية. وكما علق توماس فريدمان "إن إسرائيل تخسر أثمن ممتلكاتها ألا وهو القبول العالمي."
في عام 1937، صرح تشرشل بقناعته حول حق الفلسطينيين في وطنهم قائلاً: "أنا لا أتقبل بأن الكلب في الحظيرة له الحق النهائي في ملكية الحظيرة حتى لو أنه ربما ظل يرقد هناك لفترة طويلة جدًا." وطالما ظلت القضية الفلسطينية عبارة عن نزاع سياسي بين حكومات، كانت المواقف الغربية بشأن فلسطين تعكس هذه القناعة. أما عندما ارتقت القضية الفلسطينية أخيرًا إلى مستوى قضية حقوق إنسان، اكتسبت عندها دعمًا عالميًا. والمرحلة التالية تتطلب من الحراك المدني أن يصيغ سرد القضية الفلسطينيه بحيث تتحول من نزاع سياسي إلى قضية حقوق انسان، لتكون جوهرية في أي نقاش وكل حوار حول حقوق الإنسان.

مدار الساعة ـ نشر في 2024/03/09 الساعة 12:55