النصّ بين القداسة والوهم

مدار الساعة ـ نشر في 2018/08/01 الساعة 00:58
ينشأ المتديِّنُ على حب دينه، واتخاذه منهجًا لحياته، وهذا حق مشروع له، حيث حرية الفكر والمعتقد والضمير تعدّ حقا من حقوق الإنسان. ويبني المتديِّن التزامه بناء على النصوص الدينية التي يسمعها، ويبرمج حياته وفقها، طلبا لرضى الله تعالى، وطمعا في الخلود بجنات النعيم. وإن التزامه بهذه النصوص يشكل حجم تدينه، فكلما التزم بالنصّ أكثر، كان تدينه أكبر. ولست أنازع في كل ما سبق ذكره.
لكنني أرى المشكلة في صورتين: الأولى، الاعتماد على النصوص الشائعة غير الصحيحة، بمعنى أنها لم تصحَّ نسبتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مع اشتهارها على ألسنة الناس، واعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الدين. والصورة الثانية، الفهم أو التطبيق غير الصحيح لبعض النصوص الصحيحة. فالمشكلة –هنا- ليست في النص، بل بالفهم أو التطبيق. وسأزيد هذا الكلام إيضاحا بضرب بعض الأمثلة:
من النصوص الشائعة على ألسنة الناس، والتي تنسب للنبي صلى الله عليه وسلم: (شاوروهنَّ - يعني: النساء – وخالفوهن) وهو نص حكم بعض العلماء بضعفه، وحكم آخرون بوضعه. ومن خلال تفكرّ علمي بسيط نجد أن هذه الرواية فيها مخالفة لما في الكتاب والسنة، أما الكتاب: فقول بنت الرجل الصالح لأبيها (الذي يقال أنه نبي الله شعيب عليه السلام): « يا أبت استأجره» وقد أخذ بقولها ولم يخالفه. وأما في السنة: فقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بقول أم سلمة رضي الله عنها في الحديبية. ثم في النصّ تمييز ضد المرأة غير معهود في النصوص الشرعية، ففي الحديث الصحيح: (النساء شقائق الرجال) ومعنى شقائق الرجال: أي نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع، أو أنهنّ النصف المكمل لهم. ومن الناحية الواقعية، قد تكون المرأة أكثر عقلا وحكمة من بعض الرجال، فلمَ يخالف الرجل قولها، ألمجرد كونها امرأة، وهل الفرق بين القول السديد وغير السديد يتم تحديده من خلال جنس القائل؟ ثمّ لمَ تستشار ثم يخالف قولها، ولِمَ يتم استشارتها من الأصل، هل هو ضرب من العبث أو الإهانة؟ إن فريقًا من الناس يكرر الاستشهاد بهذه الرواية باستمرار حتى صارت محددة لسلوكهم، والهدف أن يقمع رأي المرأة وأن يسقطه بضربة قاضية، فعند الشرع يسكت الجميع، ولكنْ لو عرفنا أنّ هذه القاعدة غير صحيحة، نقلا وعادةً، لزمنا أنْ نصححَ مفاهيمنا، وألا تتحكم هذه القاعدة الغريبة بعقولنا، لأننا لن نجد في الشرع ما يناقض العقول، لأن العقل هو المخاطب، فكيف يخاطب بشيء يناقض مقتضاه؟ ومثال سوء الفهم للنص: من يكفّر العباد والبلاد والحكّام بحجة قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة / 44. حيث نظر لنص واحد وقام بعزله عن أشقائه، ثم بنى عليه ما شاء من أحكام ستتعارض مع بقية النصوص. حيث تجاهل آيتين مجاورتين هما: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) المائدة / 45 (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) المائدة / 47. فلماذا غض المكفّر طرفه عن هاتين الآيتين وتمسك بالأولى فقط؟ ولا يخفى أن في الآية عمومين، لا يستطيع الباحث أن يأخذ بهما، فالعموم الأول «من» أي كل، والعموم الثاني «ما» أي كل، فيصير معنى الآية «كل من لم يحكم بكل الذي أنزله الله فهو كافر» وهذا المعنى غير صحيح إجماعًا، فإنه ينافي كون ابن آدم خطّاء، ويوقع صاحب الذنب بالكفر. وأخيرا: للنص مكانته العظيمة التي لا تكسف شمس العقل. الدستور
  • الدين
  • نعي
  • صورة
  • يعني
  • نساء
مدار الساعة ـ نشر في 2018/08/01 الساعة 00:58