مدير الـ 'CIA' يكتبُ عن.. 'فنّ التجسّس وفنّ الحُكم'؟ (3ــ 3)
مدار الساعة ـ نشر في 2024/03/07 الساعة 07:45
يُكيل وليام بيرنز في مقالته المطولة التي نشرتها مجلة «Foreign Affairs» في عددها الأخير, والتي كانت مِحور «مقالتَيّ» أمس/الأربعاء وأمس الأول/لثلاثاء. يُكيل بيرنز «المدائح لوكالته ورهط عناصرها لما نهضوا به وينهضون, من أعمال, تجسّسية في العالم, سواء خلال الحرب الباردة أم بعد إنتهائها. على نحو يكاد يشعر المُدقق في ما كشفَه بيرنز أو إستبّطنه, أن «وكالته» كُليّة القُدرة والإمكانات والأدوار الخارقة والأسطورية لعناصرها ومُنتسبيها. وإن كان بيرنز نفسه, قام بـ«زجّ» روسيا والصين وحرب الإبادة والتجويع والتهجير الصهيوأميركي على قطاع غزة. ليس فقط لإطالة مقالته, بل أيضاً بربط «فنّ الحُكم» مع «فنّ التجسس», جاعلاً منه عنواناً للمقالة.
يقول بيرنز: بـ«حكم الضرورة، يعمل عناصر وكالة الاستخبارات المركزية بشكل خفيّ. وعادة ما يكونون بعيدين من العين، وبالتالي بعيدين من البال». ونادراً ـ يضيف ـ ما تكون المجازفات التي يخوضونها، والتضحيات التي يقدمونها مفهومة جيداً. وفي وقت ـ يُتابع ـ تتراجع الثقة في المؤسسات العامة في الولايات المتحدة، في كثير من الأحيان، تظل وكالة الاستخبارات المركزية «مؤسسة خالية من الطابع السياسي، ومُلزمَة بالقسم الذي أدّيته وزملائي في سبيل الدفاع عن الدستور، والوفاء بواجباتنا القانونية».وفي فقرة سبقتُ أضاء بيرنز على حدث «استثنائي», شكَّل منعطفاً خطيراً في العلاقات الأميركية السوفياتية, في ظل إحتدام الحرب الباردة ستينيات القرن الماضي, ولكن مع تجاهل مقصود من قِبل بيرنز للصفعة المدوية, التي وجهها الاتحاد السوفياتي لوكالة الإستخبارات المركزية الأميركية تحديداً. إذ قال/ بيرنز: على مرّ التاريخ، كان «تستّر الدول على معلومات سرية يحمِل الدول الأخرى على محاولة كشف المستور، وسبر الأسرار المخفية. وكان التجسس، ويبقى جزءاً لا يتجزأ من فن الحكم/إدارة الدولة، بالغاً ما بلغت تقنياته من التطور. وقضى جواسيس أميركا الأوائل الحرب الثورية الأميركية وهم يستخدمون الشيفرات، وشبكات البريد السرية، والحبر غير المرئي, لتراسلهم بعضهم مع بعض ومع حلفائهم الأجانب».وفي الحرب العالمية الثانية - يُضيف الكاتب - ساعدً مجالُ الإشارات الجديد (وهو عبارة عن أنشطة استخبارية لجمع المعلومات والتجسس عليها واعتراضها), في الكشف عن خطط الحرب اليابانية. وفي أوائل الحرب الباردة، إرتفعت القدرات الاستخباراتية الأميركية حرفياً إلى أعلى علّيّين، مع ظهور طائرات يو-2/ U-2 وغيرها, من طائرات التجسس التي تحلق على ارتفاعات عالية. وفي مقدورها تصوير المنشآت العسكرية السوفياتية بوضوح لافت. (يَلحظ قارئ مقالة مدير الـ«CIA», تجاهُله لليوم «الأسود» الذي عاشته وكالته قبل «64» عاماً, عندما أسقطتْ الدفاعات الجوية السوفياتية, طائرة التجسس الأميركية/ U- 2 في الأول من آيار/ 1960 وأَسرِ قائدها الطيار/ فرانسيس باورز).ثم لا يلبث أن يعود للتغني أيضاً بتضحيات وبسالة أفراد وضباط وكالته, عندما يتحدث عن «الجدار التذكاري في مقر وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) في لانغلي/فيرجينيا، الذي حُفِرت عليه نجوم بسيطة, تكرّم 140 ضابطاً في الوكالة ضحوا بحياتهم في خدمة بلدهم. ويُعدّ النصب التذكاري تذكيراً دائماً بالأعمال الشجاعة التي «لا تُعد ولا تُحصى». وعلى رغم ذلك - يلفت بيرنز - فإن الرأي العام الأميركي, أكثر دراية بـ«الأخطاء العرَضية التي شوّهت تاريخ وكالة الاستخبارات المركزية»، لكنه «يجهل أعمالها البطولية، ونجاحاتها الكثيرة الهادئة والصامتة في كثير من الأحيان». وغالباً - تابعَ - ما كان «الاختبار الحاسم للاستخبارات هو الاستباق»، و«مُساعدة صُناع القرار على التنبُّه إلى الانعطافات الحادة في المشهد الدولي»، أي «الأوقات المِفصلية التي تحصل مرات قليلة في كل قرن».وفي اعتراف نادر وغير مسبوق من مسؤول إستخباري رفيع في الإمبراطورية الأميركية, التي لم تتنازل يوماً عن نظرية «تفوّق» الرجل الأبيض و«استثنائية» الولايات المتحدة, والزعم بأن «لا غنى للعالم عن أميركا».. يقول بيرنز: «لم تعُد الولايات المتحدة مع صعود الصين، والنزعة الانتقامية الروسية»، بما هما عامِلا «تحدّياتٍ جيوسياسية مُضنية», تتمتّع في عالم يتسِم بالمنافسة الاستراتيجية الشديدة, بهيمنة واضحة، بينما تتعاظم التهديدات المناخية الوجودية». وما يزيد الأمور تعقيداً ـ يواصِل بيرنز ـ حصول ثورة في التكنولوجيا أوسع من الثورة الصناعية، أو بداية العصر النووي وأشد حِدة. فمن الرقائق الدقيقة والذكاء الاصطناعي إلى الحوسبة الكمومية، تعمل التقنيات الناشئة في تغيير العالم، بما في ذلك مهنة الاستخبارات. ومن نواحٍ كثيرة، «تجعل هذه التطورات مُهمةَ وكالة الاستخبارات المركزية, أصعب من أي وقت مضى. ويمنح هذا الخصومَ أدوات جديدة تُربكنا، وتُضلنا، وتُعظِّم تجسّسها علينا».في الخلاصة يقول الكاتب:(مَهما تغيّرت أحوال العالم، يظلّ «التجسس عبارة عن تفاعل بين البشر والتكنولوجيا». وستبقى «ثمة معلومات سرية لا يقدر على نبشها إلا الإنسان»، وتبقى «عمليات خفية لا يستطيع تنفيذها إلا البشر». وخلافاً لما توقّعه بعضهم «لم يجعل التقدم التكنولوجي، وعلى الخصوص في مجال استخبارات الإشارات، مثل هذه العمليات البشرية غير ذات أهمية، بل أحدثَ ثورة في طريقة تنفيذها». ختمَ بيرنز.
يقول بيرنز: بـ«حكم الضرورة، يعمل عناصر وكالة الاستخبارات المركزية بشكل خفيّ. وعادة ما يكونون بعيدين من العين، وبالتالي بعيدين من البال». ونادراً ـ يضيف ـ ما تكون المجازفات التي يخوضونها، والتضحيات التي يقدمونها مفهومة جيداً. وفي وقت ـ يُتابع ـ تتراجع الثقة في المؤسسات العامة في الولايات المتحدة، في كثير من الأحيان، تظل وكالة الاستخبارات المركزية «مؤسسة خالية من الطابع السياسي، ومُلزمَة بالقسم الذي أدّيته وزملائي في سبيل الدفاع عن الدستور، والوفاء بواجباتنا القانونية».وفي فقرة سبقتُ أضاء بيرنز على حدث «استثنائي», شكَّل منعطفاً خطيراً في العلاقات الأميركية السوفياتية, في ظل إحتدام الحرب الباردة ستينيات القرن الماضي, ولكن مع تجاهل مقصود من قِبل بيرنز للصفعة المدوية, التي وجهها الاتحاد السوفياتي لوكالة الإستخبارات المركزية الأميركية تحديداً. إذ قال/ بيرنز: على مرّ التاريخ، كان «تستّر الدول على معلومات سرية يحمِل الدول الأخرى على محاولة كشف المستور، وسبر الأسرار المخفية. وكان التجسس، ويبقى جزءاً لا يتجزأ من فن الحكم/إدارة الدولة، بالغاً ما بلغت تقنياته من التطور. وقضى جواسيس أميركا الأوائل الحرب الثورية الأميركية وهم يستخدمون الشيفرات، وشبكات البريد السرية، والحبر غير المرئي, لتراسلهم بعضهم مع بعض ومع حلفائهم الأجانب».وفي الحرب العالمية الثانية - يُضيف الكاتب - ساعدً مجالُ الإشارات الجديد (وهو عبارة عن أنشطة استخبارية لجمع المعلومات والتجسس عليها واعتراضها), في الكشف عن خطط الحرب اليابانية. وفي أوائل الحرب الباردة، إرتفعت القدرات الاستخباراتية الأميركية حرفياً إلى أعلى علّيّين، مع ظهور طائرات يو-2/ U-2 وغيرها, من طائرات التجسس التي تحلق على ارتفاعات عالية. وفي مقدورها تصوير المنشآت العسكرية السوفياتية بوضوح لافت. (يَلحظ قارئ مقالة مدير الـ«CIA», تجاهُله لليوم «الأسود» الذي عاشته وكالته قبل «64» عاماً, عندما أسقطتْ الدفاعات الجوية السوفياتية, طائرة التجسس الأميركية/ U- 2 في الأول من آيار/ 1960 وأَسرِ قائدها الطيار/ فرانسيس باورز).ثم لا يلبث أن يعود للتغني أيضاً بتضحيات وبسالة أفراد وضباط وكالته, عندما يتحدث عن «الجدار التذكاري في مقر وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) في لانغلي/فيرجينيا، الذي حُفِرت عليه نجوم بسيطة, تكرّم 140 ضابطاً في الوكالة ضحوا بحياتهم في خدمة بلدهم. ويُعدّ النصب التذكاري تذكيراً دائماً بالأعمال الشجاعة التي «لا تُعد ولا تُحصى». وعلى رغم ذلك - يلفت بيرنز - فإن الرأي العام الأميركي, أكثر دراية بـ«الأخطاء العرَضية التي شوّهت تاريخ وكالة الاستخبارات المركزية»، لكنه «يجهل أعمالها البطولية، ونجاحاتها الكثيرة الهادئة والصامتة في كثير من الأحيان». وغالباً - تابعَ - ما كان «الاختبار الحاسم للاستخبارات هو الاستباق»، و«مُساعدة صُناع القرار على التنبُّه إلى الانعطافات الحادة في المشهد الدولي»، أي «الأوقات المِفصلية التي تحصل مرات قليلة في كل قرن».وفي اعتراف نادر وغير مسبوق من مسؤول إستخباري رفيع في الإمبراطورية الأميركية, التي لم تتنازل يوماً عن نظرية «تفوّق» الرجل الأبيض و«استثنائية» الولايات المتحدة, والزعم بأن «لا غنى للعالم عن أميركا».. يقول بيرنز: «لم تعُد الولايات المتحدة مع صعود الصين، والنزعة الانتقامية الروسية»، بما هما عامِلا «تحدّياتٍ جيوسياسية مُضنية», تتمتّع في عالم يتسِم بالمنافسة الاستراتيجية الشديدة, بهيمنة واضحة، بينما تتعاظم التهديدات المناخية الوجودية». وما يزيد الأمور تعقيداً ـ يواصِل بيرنز ـ حصول ثورة في التكنولوجيا أوسع من الثورة الصناعية، أو بداية العصر النووي وأشد حِدة. فمن الرقائق الدقيقة والذكاء الاصطناعي إلى الحوسبة الكمومية، تعمل التقنيات الناشئة في تغيير العالم، بما في ذلك مهنة الاستخبارات. ومن نواحٍ كثيرة، «تجعل هذه التطورات مُهمةَ وكالة الاستخبارات المركزية, أصعب من أي وقت مضى. ويمنح هذا الخصومَ أدوات جديدة تُربكنا، وتُضلنا، وتُعظِّم تجسّسها علينا».في الخلاصة يقول الكاتب:(مَهما تغيّرت أحوال العالم، يظلّ «التجسس عبارة عن تفاعل بين البشر والتكنولوجيا». وستبقى «ثمة معلومات سرية لا يقدر على نبشها إلا الإنسان»، وتبقى «عمليات خفية لا يستطيع تنفيذها إلا البشر». وخلافاً لما توقّعه بعضهم «لم يجعل التقدم التكنولوجي، وعلى الخصوص في مجال استخبارات الإشارات، مثل هذه العمليات البشرية غير ذات أهمية، بل أحدثَ ثورة في طريقة تنفيذها». ختمَ بيرنز.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/03/07 الساعة 07:45