فيض 'قراءات' أميركية متبايِنة ومفخخة.. عن 'حل الدولتين'؟
مدار الساعة ـ نشر في 2024/02/28 الساعة 07:34
تطفح وسائل الإعلام الأميركية المختلفة, مرئية ومقروءة وخصوصاً مواقع التواصل الإجتماعي المهمة والمؤثرة, التي تحظى "تسريباتها" باهتمام الدوائر السياسية والدبلوماسية بل والإستخبارية في معظم دول العالم, وبخاصة في منطقتنا, منذ السابع من أكتوبر (عملية طوفان الأقصى), تطفح بتركيز لافت ومثير للدهشة والشكوك على "حل الدولتين", الذي أعادته إدارة بايدن تحديداً وتبِعها الأوروبيون, إلى جدول الأعمال الدولي, بعد أن أهمله ثلاثي البيت الأبيض.. بايدن, بلينكن وسوليفان, بمنحهم الأولوية لـ"مسار التطبيع", الرامي إلى دمج كيان العدو الصهيوني في المنطقة.
يبرز على نحو لافت في هذا "الإستعراض" الأميركي, مارتن إنديك أحد اللاعبين القدامى في ما كان يعرف "عملية السلام", الذي شارك وسعى أن يكون بديلاً أو نِداً لـ"وسيط أميركي" آخر, منحاز بلا تحفظ للرواية الصهيونية وهو دينيس روس. إذ أطل/إنديك (الدبلوماسي المتقاعد ونائب وزير الخارجية سابقاً والسفير السابق في تل أبيب, والباحث في معهد بروكينغز ومجلس العلاقات الخارجية), عبر مقالة مطولة نشرت مؤخراً في مجلة Foreign Affairs الأميركية تحت عنوان: "البعث الغريب لحل الدولتين... كيف يمكن لحرب لا يمكن تصورها أن تحقق السلام الوحيد الذي يمكن تصوره؟".
لسنوات عديدة ـ إستهل إنديك مقالته وفق ترجمة الكتور زياد الزبيدي ـ كانت رؤية دولة إسرائيلية ودولة فلسطينية, تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمن, موضع سخرية باعتبارها ساذجة إلى حد ميؤوس منه, أو ما هو أسوأ من ذلك، باعتبارها وهماً خطيراً.. وبعد عقود من فشل الدبلوماسية ـ أضاف إنديك ـ التي قادتها الولايات المتحدة في تحقيق هذه النتيجة، بدا للعديد من المراقبين أن الحلم قد مات وكل ما بقي فِعله هو دفنه. لكن ـ إستدرك الكاتب ـ تبين أن التقارير التي تتحدث عن وفاة حل الدولتين, كانت مبالغ فيها إلى حد كبير.
لم يلبث الدبلوماسي السابق أن إنتقل فجأة إلى "طوفان الأقصى" قائلاً: في أعقاب الهجوم الوحشي الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، والحرب الكارثية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة منذ ذلك الحين، تم "إحياء" حل الدولتين الميت. وقد أكد الرئيس بايدن وكبار مسؤولي الأمن القومي ـ تابع ـ مِراراً وتكراراً علناً, إيمانهم بأن ذلك يمثل الطريقة الوحيدة لتحقيق سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين والدول العربية في الشرق الأوسط. والولايات المتحدة ـ واصل ـ ليست وحدها: فقد تردد صدى الدعوة للعودة إلى نموذج الدولتين من قِبل القادة في جميع أنحاء العالم العربي، ودول الاتحاد الأوروبي، والقوى المتوسطة مثل أستراليا وكندا، وحتى الصين، المنافس الرئيسي لواشنطن.
ثم يعيدنا/إنديك إلى "التفسيرات" إياها, التي دأب الأميركيون على ترويجها, للإبقاء على غموض مقصود لمفهوم "حل الدولتين", بمعنى انهم لا يأتون بذكرعلى مرجعيات هذا الحل ومرتكزاته, إذ يفسر الكاتب تجدد الحديث عن حل الدولتين, على النحو التالي: سبب هذا الإحياء ليس معقداً. ففي نهاية المطاف، لا يوجد سوى "عدد قليل" من البدائل الممكنة لحل الدولتين. هناك حل "حماس"، وهو "تدمير إسرائيل". وهناك حل "اليمين الإسرائيلي" المتطرف وهو "ضم الضفة الغربية" لإسرائيل، وتفكيك السلطة الفلسطينية، وترحيل الفلسطينيين إلى دول أخرى. وهناك نهج "إدارة الصراع" الذي اتبعه رئيس الوزراء نتنياهو, على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك، والذي ـ يردِف إنديك ـ كان يهدف إلى الحفاظ على الوضع الراهن إلى أجل غير مسمى - وقد شهد العالم كيف نجح ذلك. وهناك ـ يضيف الكاتب ـ فكرة الدولة "ثنائية القومية" التي يصبح فيها اليهود أقلية، وبالتالي إنهاء وضع إسرائيل كدولة يهودية. ولن يتمكن أي من هذه البدائل من حل الصراع، على الأقل ليس من دون التسبب في كوارث أكبر. وبالتالي، إذا كان للصراع أن يحل سلمياً، فإن حل الدولتين, هو "الفكرة الوحيدة" المتبقية.
وإذ يمضي إنديك في شرح مطول لفترة ما قبل السابع من أكتوبر, في عرض لمسار ترجع الإهتمام بحل الدولتين, فإنه يضيء على موقف بايدن من هذا الحل قائلاً: تحدث بايدن عن حل الدولتين، لكن يبدو أنه "لم يؤمن به". لقد أبقى على السياسات المحابية للمستوطنين التي قدمها سلفِه ترمب، مثل وضع علامات على منتجات مستوطنات الضفة الغربية, على أنها "صنع في إسرائيل". كما فشِل/بايدن في الوفاء بوعده خلال حملته الانتخابية إعادة فتح القنصلية الأميركية للفلسطينيين في القدس.
في الخلاصة رغم صعوبة تغطية كل ما ورد في مقالته الطويلة, فإن إنديك يقترح من جملة ما عرضه ما يلي: "هناك انفصال تام بين الدعوات الدولية المتجددة لحل الدولتين, والمخاوف والرغبات التي تشكل المجتمع الإسرائيلي والفلسطيني حالياً. لقد جادل الكثيرون بأن أفضل ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة في هذه الظروف, هو محاولة إنهاء القتال في أقرب وقت ممكن, ثم التركيز على إعادة بناء الحياة المحطمة للإسرائيليين والفلسطينيين. داعياً/إنديك إلى..(طرح مسألة التوصل إلى حل نهائي للصراع في الوقت الحاضر "جانباً", حتى تهدأ المشاعر، وتظهر قيادة جديدة، وتصبح الظروف أكثر ملاءمة للتأمل في ما يبدو الآن, وكأنه أفكار بعيدة المنال للسلام والمصالحة).
أين من هنا؟
غداً... نضيء على مقالة أميركية "أخرى", تتساءل: حل الدولتين... هل أصبح سرابا؟.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/02/28 الساعة 07:34