الزيارة الملكية لواشنطن..المعنى والمغزى
التحول الكبير في سياسة الادارة الاميركية الجديدة حيال قضايا المنطقة وخاصة فيما يتعلق بالتمدد الاستيطاني السرطاني في الاراضي الفلسطينية المحتلة ونقل السفارة الاميركية من تل أبيب الى القدس، مرده بالدرجة الاولى الى اللقاء التاريخي الذي جمع جلالة الملك عبد الله الثاني والرئيس الاميركي دونالد ترمب.
ومن الواضح ان أسلوب الاثارة ولهجة الخطاب الشعبوي التي ميزت الحملة الانتخابية لترامب بدأت تتراجع وتخف حدتها بما في ذلك تعهده بنقل السفارة الى القدس وخاصة بعد زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني لواشنطن وتمكنه من إقناع أركان الادارة الاميركية بأن مثل هذه الخطوة سيكون لها ارتدادات عنيفة وعواقب جسيمة وستؤدي الى تصاعد وتيرة التطرف والعنف والمشاعر المعادية لاميركا ومصالحها في المنطقة..
صحيفة نيويورك تايمز الاميركية كانت قد نقلت تحذيرا وجهه ترامب لإسرائيل بعد الزيارة الملكية، من مغبة المضي في بناء المستوطنات.
كما لاحظنا ان المسؤولين في البيت الأبيض صرحوا لوسائل الاعلام والصحافة بعد لقاء الملك- ترامب ان بناء وحدات استيطانية جديدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو توسعة المستوطنات القائمة مؤكدين "إذا كنا لا نعتقد أن وجود المستوطنات يشكل عقبة في طريق السلام، فإن بناء مستوطنات جديدة أو توسيع تلك الموجودة خارج حدودها الحالية قد لا يساعد على تحقيق هذا الهدف ولن يكون عاملاً مساعداً" لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي مؤكدين في نفس الوقت.
وبالتأكيد فإن هذا التحول في السياسة الاميركية الخارجية سيشكل صدمة عنيفة لنتنياهو الذي كانت حكومته تراهن على أن فوز ترامب سيطلق لها العنان من أجل زيادة أنشطتها الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.. حيث اعلنت في أعقاب تنصيب الرئيس الأميركي ترامب ، عزمها بناء 2500 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، وأتبعت ذلك بخطط لبناء ثلاثة الاف وحدة إضافية.
وتشكل هذه التصريحات من جانب اقطاب الادارة الاميركية ، تراجعا كبيرا عن التصريحات السابقة التي أطلقها الرئيس الأميركي للدفاع عن بناء المستوطنات الإسرائيلية ، وذلك قبل أيام من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للولايات المتحدة للقاء الرئيس ترامب.
ومما لا شك فيه وبكل أمانة وصدق فإن هذا التحول يشكل انجازا كبيرا لجلالة الملك عبدالله الثاني، كيف لا وهو الزعيم العربي الوحيد الذي يحمل على الدوام، الهم الوطني والقومي وبخاصة القدس والمقدسات في لقاءاته مع المسؤولين في المحافل الدولية وعواصم صنع القرار العالمية وهو الذي يؤكد باستمرار ان المنطقة لن تنعم بالسلام والاستقرار المنشود ما لم يتم التوصل الى الحل العادل والدائم للقضية الفلسطينية وصولا الى اقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف..
نعم لقد استطاع جلالة الملك بحكمته وحنكته السياسية المعهودة أن يقنع أركان إلادارة الاميركية أن المنطقة ستشهد دوامة من الغليان والعنف والاحتقان والتطرف في حال تنفيذ تعهدات ترامب التي أطلقها خلال حملته الانتخابية...
لقد أدرك ترامب جيدا ان اطلاق الشعارات الشعبوية خلال الحملة الانتخابية يصطدم على ارض الواقع مع سياسة المصالح والتوازنات السياسية والاستراتيجية بما ينسجم مع المواقف الدولية المعلنة في هذا الشأن وخاصة موقف الاتحاد الاوروبي..
فلقد اطلق تلك الشعارات إبان الحملة الانتخابية لاستقطاب اصوات الجالية اليهود ذات التأثير والنفوذ في المشهد الانتخابي الاميركي ولكن وقد تحقق له ما كان يصبو اليه فإن الامر اصبح مختلفا الان فهو يستمع ويقيم ويقرر وفق مقتضيات المصلحة والتوازنات الاقليمية والدولية.
لقد جاءت الزيارة الملكية لواشنطن في الوقت المناسب لتجسد مكانة الاردن بوسطيته واعتداله وحكمة قيادته من جهة ولتأكيد دوره الاستراتيجي في المشهد السياسي العالمي وكذلك دوره المحوري للمساهمة في ايجاد الحلول المناسبة للكثير من القضايا والتجاذبات الاقليمية.