بطَّاح يكتب: إسرائيل تخسر 'صورتها' أمام العالم
مدار الساعة ـ نشر في 2024/02/19 الساعة 14:02
عندما قامت دولة إسرائيل في عام 1948 بقرار من الأمم المتحدة كان العالم كله تقريباً (ما عدا العالم العربي وإلى حدٍ ما الإسلامي) متعاطفاً مع فكرة قيام هذه الدولة بحكم ما تعرّض له اليهود على أيدي النازيين في ألمانيا فيما عُرف لاحقاً "بالهولوكوست" (Holocaust) أو "المحرقة"، وبغض النظر عن الأعداد الحقيقية من اليهود الذين ذهبوا ضحية لما يُسمى "بالمحرقة" فإنّ العالم وبالذات الغربي منه بدا متألماً لما أصاب اليهود ومتفهماً لإقامة كيان لهم يحفظ حقوقهم وكرامتهم.
وحتى بعد ذلك فإنّنا لا نبالغ إذا قلنا بأن العالم بشكل عام كان متفهماً للحروب التي خاضتها إسرائيل ضد أعدائها العرب (1948، 1956، 1967، 1973) على أساس أنها تدافع عن نفسها ضد الأعداء المحيطين بها والذين يرغبون في "إبادتها"، وحتى بدايات حرب إسرائيل على غزة التي نشبت بعد السابع من أكتوبر فقد تقبل كثيرون أن إسرائيل تدافع بالفعل عن نفسها وأنها تزيح عن نفسها الخطر الذي ادّعت أنه "وجودي". ولكن مع توالي الحرب الهمجية المُدمِّرة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة وما انطوت عليها من تهجير قسري (أكثر من نصف أبناء القطاع البالغ عددهم 2,300,000 تم تهجيرهم قسراً إلى رفح جنوباً)، وقتل (أكثر من 29,000 ثلثاهم من النساء والأطفال)، وتدمير بيوت (أكثر من 60% من منازل السكان)، واعتداء سافر على مقومات الحياة كالمستشفيات والمدارس والجامعات، وتجويع وغيرها من جرائم موصوفة مع توالي كل ذلك بدأ العالم يستفيق ويرى صورة أخرى لإسرائيل وهي صورة دولة تمارس نوعاً من "الإبادة الجماعية" (Genocide) للفلسطينيين، ولعلّ قبول محكمة العدل الدولية للنظر في تهمة قيام إسرائيل بإبادة جماعية أمر لهُ دلالة والواقع أن المحكمة لم تكتفِ بقبول الدعوى فقط بل أرفقتها بجملة من "الإجراءات الاحترازية" التي تحُول دون قيام أو استمرار إسرائيل بهذه الإبادة.ولعلّ من مظاهر تغيّر الصورة في ظل ما يجري في غزة ما اضطر الرئيس الأمريكي "بايدن" (وهو الذي قدّم دعماً غير محدود وغير مسبوق لإسرائيل) إلى القول بأن إسرائيل تقوم (بقصف عشوائي)، وأن ردها على السابع من أكتوبر كان (مبالغاً فيه)، وأن الولايات المتحدة وإسرائيل تخسران من (صورتهما الأخلاقية) أمام العالم.ومما يعزّز تغيّر صورة إسرائيل من الدولة الضحية التي تدافع عن نفسها ضد أعدائها الذين يريدون القضاء عليها إلى الدولة المارقة التي تقترف جرائم رهيبة في قطاع غزة (وبما لا يقل عنه كثيراً في الضفة الغربية) تغيّر مشاعر الملايين حول العالم إزاء إسرائيل فقد دلت الاستطلاعات في الولايات المتحدة مثلاً على أنّ الشباب من سن (18-24) لا يؤيدون سياسة بايدن التي تتماهى مع السياسة الإسرائيلية، وكذلك معظم التقدميين في الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس، بل دلت هذه الاستطلاعات على أنّ أكثر من 60% من الأمريكيين لا يؤيدون هذه السياسة، وقل مثل ذلك في معظم دول العالم وحتى الغربي منه حيث خرجت مظاهرات ضخمة (بعضها أسبوعي) في لندن، وباريس، وبرلين وغيرها فضلاً عن عواصم الدول العربية والإسلامية، الأمر الذي يدل بوضوح على أن شعوب العالم بدأت تستغرب وتشمئز وهي ترى إسرائيل التي كانت تظن أنها "ضحية" "وضعيفة" تمارس أشرس أنواع الهجمات وبغير رحمة على سكان عُزل أبرياء بحجة الدفاع عن النفس.ولعلّ من الملفت للانتباه في هذا السياق أن قارات بأكملها وقفت ضد إسرائيل في هذه الحرب اللاإنسانية كقارة أمريكا اللاتينية التي توزعت دولها: بين دول قطعت علاقاتها مع إسرائيل (بوليفيا) ودول أخرى استدعت سفراءَها من تل أبيب (كولومبيا، تشيلي) ودول ثالثة أدانتها بصورة قاطعة لا لبس فيها كالبرازيل التي وصف رئيسها "دي سيلفا" ما تقوم به إسرائيل بأنه (إبادة) لم يسبقها إليها سوى هتلر، وكقارة أفريقيا التي رفعت إحدى دولها وهي "جنوب أفريقيا" دعوى ضد إسرائيل متهمةً إياها بالإبادة الجماعية حيث أيدتها كثير من الدول الأفريقية، وقد رفضت هذه الدول أخيراً محاولة إسرائيل التسلل إلى الاتحاد الإفريقي ولو بصفة "مراقب"، كما أن المفوضية الأفريقية أدانتها ووصفت العملية الإسرائيلية في غزة بأنها (لا شبيه لها في تاريخ الإنسانية) كما وصفت القمة الإفريقية قبل أيام في أديس أبابا وبالإجماع العملية الإسرائيلية بأنها (وحشية). لقد انكشفت صورة إسرائيل أمام العالم وبعد أن كان يُنظر إليها كدولة تُكافح من أجل بقائها أصبح يُنظر إليها الآن وبالذات من قبل الشعوب والأفراد العاديين على أنها دولة معتدية، مدجّجة بالسلاح، تمارس آخر احتلال في العصر الحديث (تحتل أراضي عربية منذ عام 1967)، ولا تتورع عن ارتكاب أفظع الجرائم غير آبهة بالقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، والأمم المتحدة ما دام أنها تحظى بدعم القوة الأعظم في العالم وهي الولايات المتحدة وكذلك الدول الغربية الأكثر غنى ونفوذاً.هل هذا التغيّر في صورة إسرائيل مهم فعلاً؟ بالتأكيد؛ فالدول لا تقوم فقط على القوة المادية الصرفة بل تقوم أيضاً على الأساس الأخلاقي بما يتضمنه من معاني العدالة وحقوق الإنسان، والاعتراف بالآخر.إنّ القوة المادية زائلة ولو بعد حين (سنين أو عقود أو قرون)، ولكن الأساس الأخلاقي مهم ودائم وهو الذي يوفر المشروعية (Legitimacy)، ولذا فإنّ إسرائيل وهي تمارس حربها المسعورة يجب أن تتلمس نفسها وتتساءَل: هل أنا أسعى إلى البقاء أم إلى الزوال؟!
وحتى بعد ذلك فإنّنا لا نبالغ إذا قلنا بأن العالم بشكل عام كان متفهماً للحروب التي خاضتها إسرائيل ضد أعدائها العرب (1948، 1956، 1967، 1973) على أساس أنها تدافع عن نفسها ضد الأعداء المحيطين بها والذين يرغبون في "إبادتها"، وحتى بدايات حرب إسرائيل على غزة التي نشبت بعد السابع من أكتوبر فقد تقبل كثيرون أن إسرائيل تدافع بالفعل عن نفسها وأنها تزيح عن نفسها الخطر الذي ادّعت أنه "وجودي". ولكن مع توالي الحرب الهمجية المُدمِّرة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة وما انطوت عليها من تهجير قسري (أكثر من نصف أبناء القطاع البالغ عددهم 2,300,000 تم تهجيرهم قسراً إلى رفح جنوباً)، وقتل (أكثر من 29,000 ثلثاهم من النساء والأطفال)، وتدمير بيوت (أكثر من 60% من منازل السكان)، واعتداء سافر على مقومات الحياة كالمستشفيات والمدارس والجامعات، وتجويع وغيرها من جرائم موصوفة مع توالي كل ذلك بدأ العالم يستفيق ويرى صورة أخرى لإسرائيل وهي صورة دولة تمارس نوعاً من "الإبادة الجماعية" (Genocide) للفلسطينيين، ولعلّ قبول محكمة العدل الدولية للنظر في تهمة قيام إسرائيل بإبادة جماعية أمر لهُ دلالة والواقع أن المحكمة لم تكتفِ بقبول الدعوى فقط بل أرفقتها بجملة من "الإجراءات الاحترازية" التي تحُول دون قيام أو استمرار إسرائيل بهذه الإبادة.ولعلّ من مظاهر تغيّر الصورة في ظل ما يجري في غزة ما اضطر الرئيس الأمريكي "بايدن" (وهو الذي قدّم دعماً غير محدود وغير مسبوق لإسرائيل) إلى القول بأن إسرائيل تقوم (بقصف عشوائي)، وأن ردها على السابع من أكتوبر كان (مبالغاً فيه)، وأن الولايات المتحدة وإسرائيل تخسران من (صورتهما الأخلاقية) أمام العالم.ومما يعزّز تغيّر صورة إسرائيل من الدولة الضحية التي تدافع عن نفسها ضد أعدائها الذين يريدون القضاء عليها إلى الدولة المارقة التي تقترف جرائم رهيبة في قطاع غزة (وبما لا يقل عنه كثيراً في الضفة الغربية) تغيّر مشاعر الملايين حول العالم إزاء إسرائيل فقد دلت الاستطلاعات في الولايات المتحدة مثلاً على أنّ الشباب من سن (18-24) لا يؤيدون سياسة بايدن التي تتماهى مع السياسة الإسرائيلية، وكذلك معظم التقدميين في الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس، بل دلت هذه الاستطلاعات على أنّ أكثر من 60% من الأمريكيين لا يؤيدون هذه السياسة، وقل مثل ذلك في معظم دول العالم وحتى الغربي منه حيث خرجت مظاهرات ضخمة (بعضها أسبوعي) في لندن، وباريس، وبرلين وغيرها فضلاً عن عواصم الدول العربية والإسلامية، الأمر الذي يدل بوضوح على أن شعوب العالم بدأت تستغرب وتشمئز وهي ترى إسرائيل التي كانت تظن أنها "ضحية" "وضعيفة" تمارس أشرس أنواع الهجمات وبغير رحمة على سكان عُزل أبرياء بحجة الدفاع عن النفس.ولعلّ من الملفت للانتباه في هذا السياق أن قارات بأكملها وقفت ضد إسرائيل في هذه الحرب اللاإنسانية كقارة أمريكا اللاتينية التي توزعت دولها: بين دول قطعت علاقاتها مع إسرائيل (بوليفيا) ودول أخرى استدعت سفراءَها من تل أبيب (كولومبيا، تشيلي) ودول ثالثة أدانتها بصورة قاطعة لا لبس فيها كالبرازيل التي وصف رئيسها "دي سيلفا" ما تقوم به إسرائيل بأنه (إبادة) لم يسبقها إليها سوى هتلر، وكقارة أفريقيا التي رفعت إحدى دولها وهي "جنوب أفريقيا" دعوى ضد إسرائيل متهمةً إياها بالإبادة الجماعية حيث أيدتها كثير من الدول الأفريقية، وقد رفضت هذه الدول أخيراً محاولة إسرائيل التسلل إلى الاتحاد الإفريقي ولو بصفة "مراقب"، كما أن المفوضية الأفريقية أدانتها ووصفت العملية الإسرائيلية في غزة بأنها (لا شبيه لها في تاريخ الإنسانية) كما وصفت القمة الإفريقية قبل أيام في أديس أبابا وبالإجماع العملية الإسرائيلية بأنها (وحشية). لقد انكشفت صورة إسرائيل أمام العالم وبعد أن كان يُنظر إليها كدولة تُكافح من أجل بقائها أصبح يُنظر إليها الآن وبالذات من قبل الشعوب والأفراد العاديين على أنها دولة معتدية، مدجّجة بالسلاح، تمارس آخر احتلال في العصر الحديث (تحتل أراضي عربية منذ عام 1967)، ولا تتورع عن ارتكاب أفظع الجرائم غير آبهة بالقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، والأمم المتحدة ما دام أنها تحظى بدعم القوة الأعظم في العالم وهي الولايات المتحدة وكذلك الدول الغربية الأكثر غنى ونفوذاً.هل هذا التغيّر في صورة إسرائيل مهم فعلاً؟ بالتأكيد؛ فالدول لا تقوم فقط على القوة المادية الصرفة بل تقوم أيضاً على الأساس الأخلاقي بما يتضمنه من معاني العدالة وحقوق الإنسان، والاعتراف بالآخر.إنّ القوة المادية زائلة ولو بعد حين (سنين أو عقود أو قرون)، ولكن الأساس الأخلاقي مهم ودائم وهو الذي يوفر المشروعية (Legitimacy)، ولذا فإنّ إسرائيل وهي تمارس حربها المسعورة يجب أن تتلمس نفسها وتتساءَل: هل أنا أسعى إلى البقاء أم إلى الزوال؟!
مدار الساعة ـ نشر في 2024/02/19 الساعة 14:02