مسيحيو الأردن لم ينصفهم التاريخ
مدار الساعة ـ نشر في 2024/02/14 الساعة 20:44
يعتبر المسيحيون بالأردن من اقدم المجتمعات المسيحية بالعالم اجمع، حيث يرجع تاريخهم لبداية للقرن الاول الميلادي، ولقد تبع عيسى عليه السلام كثر من أبناء شمال الاردن، بل وبنيت دور عبادة سرية خلال حياة السيد المسيح بالأردن، فلقد اتبع كثر من سكان جادارا ( م قيس) وجراسيا (جرش) وبيلا (طبقة فحل) الديانة المسيحية.وتعتبر طبقة فحل من المدن الاولى اللتي انتشرت فيها الديانة المسيحية بشكل سري حوالي العام ١٠٠ ميلادي، ومن المدن الاولى التي آوت المسيحيين من اضطهاد اليهود والرومان وتعود أصول أغلبية مسيحيي الاردن لبني لخم وللغساسنة العرب الاقحاح ، ولا ننسى ان الملك النبطي الحارث الرابع كان احد الملوك الثلاثة الذين احضروا الهدايا للطفل عيسى عليه السلام حوالي العام ٤ قبل الميلاد، والسبب انها ٤ قبل الميلاد يعود لإكتشاف خطأ بالتقويم الميلادي حسب الباحث مسيو إميت .الشرق أردنيون يوماً ما كانوا بأغلبيتهم يعتنقون المسيحية، حيث كانت تلك الديانة الرسمية الشائعة بين عرب الأردن وخاصة بعد ٢١٣ ميلادي ومن ثم قام مسيحيو الاردن بالتبشير بها بين قبائل العرب حتى انتشرت الكنائس ووصلت الى كل ارجاء الجزيرة .كما ذكر المؤرخ أسابيوس وأرنوبيوس بالقرن الثالث الميلادي ان المسيحية كانت منتشرة بين العرب، ولاحقاً كتب الطبري، ابن خلدون، ابو الفداء، المقريزي والمسعودي حول انتشار المسيحية بين عرب شرق الاردن وسوريا والحجاز .تعرض المسيحيون بالأردن للكثير من الاضطهاد والتعذيب وحتى القتل والنفي اثناء الحكم الروماني وخاصة بعهد الإمبراطور الروماني ديوكليشيان (ديوكلتيان ) ٣٠٢- ٣٠٥ ميلادي حيث اصدر أربعة مراسيم تفضي الى هدم الكنائس ودور العبادة وقتل المسيحيين وبقيت تلك الفترة من الاضطهاد حتى جلوس الإمبراطور كونستانتين الأول على عرش روما وسميت الفترة بعصر الشهداء ، وكان اليهود كذلك يلاحقون كل من يتبع الديانة المسيحية ، ولذا فقد مارسوا طقوسهم الدينية بالخفاء وبعيداً عن أعين اليهود والرومان بالكهوف والجبال وبعتم الليل سراً ، وهاجر كثر منهم الى مناطق لا يصلها الرومان كجنوب العراق ومنطقة شمال ووسط الجزيرة العربية .عندما اعتلى عرش روما الإمبراطور قسطنطين الاول أبن السينت هيلانة عام ٣٠٦ ميلادي عرش الامبراطورية الرومانية، أعلن وقف اضطهاد المسيحيين، وتحوله للمسيحية وأعلن المسيحية كديانة رسمية لإمبراطورية الرومانية، واستبدالها بعبادة آلهة الرومان المتعددة ، تنفس مسيحيي الاردن الصعداء ، وجاهروا بديانتهم ومارسوا طقوسهم علناً بعد حوالي مئتين عام من ممارستها بالخفاء .كان لمسيحيي الاردن الدور الكبير بالتبشير بالمسيحية بين الوثنيين من العرب والآراميين بالأردن، وأصبحت الديانة المسيحية ديانة الغالبية العظمى من السكان المحليين.ببدايات القرن الثالث الميلادي، حدث تغير كبير بالمجتمع المسيحي شرق الاردن، فقد هاجرت قبائل الغساسنة العرب والتي تنحدر من قبيلة أزد، التي تنحدر من قبيلة كحلان والتي هي أحد فخذين من قحطان، هاجروا الى شمال ارض الاردن وجنوب سوريا قادمين من جنوب الاردن وقام أمير الغساسنة قسوس، بتوقيع تحالف مع البيزنطيين يكفل بموجبه الحكم الذاتي للغساسنة مقابل دفاع الغساسنة عن حدود الامبراطورية الجنوبية والشرقية.وبدا حكم الغساسنة لشرق الاردن وغربه وسهول حوران، بل وتوسع لمناطق شاسعة من سوريا والعراق، رغم الديانة المشتركة مع البيزنطيين، إلا ان الغساسنة كانوا دوماً ينظرون للبيزنطيين كمحتلين ، وكثيراً ما كان هنالك تنافر بالسياسات بين الطرفين ، بل تصل الأمور احيانا للتناحر.ولقد صعق البيزنطيون بمعركة مؤتة عام ٦٣٠ ميلادي ، حيث انظم كثر من الغساسنة المسيحيين للقتال مع جيش المسلمين لتعزيز موقفهم ضد البيزنطيين، ولذا سميوا بالعزيزات .وكذلك بمعركة طبقة فحل اثبت المسيحيون عروبتهم عندما انسحبت قبائل لخم وجذام وغسان من معسكر البيزنطيين وانضموا الى اخوتهم العرب المسلمين لقتال البيزنطيين ، ويرجع ذلك الى انهم فضلوا حكم ابناء جلدتهم من المسلمين على الغرباء ، ولقد سمح الأمويين لمسيحيي شرق الاردن بالاحتفاظ بكنائسهم وبناء كنائس جديدة .كما قاتلت قبائل نمر وتغلب المسيحيتين بقيادة أنس النميري الى جانب المسلمين ضد الفرس .بالعام ٦٣٦ ميلادي بدأت جيوش الفتح الاسلامي بدك معاقل البيزنطيين شمال الاردن بإتجاه سوريا، وأصبح الغساسنة تحت الحكم الاسلامي طوعاً وساندوا جيوش الفتح الاسلامي ورحبوا بهم، فكان دخول الاردن سهلاً مما حدى للبيزنطيين بالانسحاب وتجميع جيوشهم جنوب سوريا حيث حدثت معركة اليرموك ، كباقي سكان شرق الاردن فان الغساسنة انقسموا بين من بقي على الديانة المسيحية وبين من اعتنق الاسلام ، لم يأسف الغساسنة على رحيل البيزنطيين ، فقد كان هنالك الكثير من الاختلاف معهم وخاصة وان الغساسنة كانوا يتبعون الكنيسة السيريالية الارثوذكسية بأنطاكية ، بينما كان البيزنطيين أرثوذوكس ، وهنالك اختلاف كبير وخاصة حول ألوهية وبشرية المسيح ، وهذا أدى الى تشاحن كبير بين الطرفين وخاصة بعهد الملك الغساني المنذر ٥٦٩-٥٨٢ ميلادي .بعد اعتناق بعض الغساسنة والآراميين بالأردن للإسلام ، ظهر ما يسمى بالملكيين ، وهم عبارة عن تجمع مسيحي لمسيحيي سوريا ولبنان والأردن وفلسطين ، كأقدم مجتمع مسيحي بالشرق .وذهب التحالف بين الغساسنة المسيحيين والمسلمين الى ابعد من ذلك، فقد ساروا مع جيوش المسلمين لفتح شمال افريقيا وحتى الأندلس ، وتم تسليمهم الكثير من المناصب الإدارية والمالية بالإمبراطورية الاسلامية .إبان الحروب الصليبية حوالي العام ١١٠٠ ميلادي تعرض المسيحيون الشرقيون للاضطهاد مجددا، بل قام الصليبيون بالتنكيل بهم، ولقد قتل مئات الآلاف منهم، لم يحترم الصليبيون حرمة الكنائس ، فغرقت كنائس القسطنطينية و انطاكية ودمشق والقدس بدماء المسيحيين الشرقيين.قام مسيحيو الشرق بالعمل مع إخوتهم العرب المسلمين بالقتال ضد الصليبيين، فثورة مريم الدمشقية شاهدٌ على ذلك .لم يشفع للصليبيين مشاركتهم لمسيحيي الشرق بالدين، فقد كانت رابطة الدم والثقافة والأرض أقوى من ان يقوضها الغرب، كما شارك المسيحيون المسلمين القتال تحت راية القائد المسلم ، صلاح الدين الأيوبي ، وعيسى العوام مثل من كثير من الأمثلة على ذلك .المسيحيون بالأردن ليسوا بطائفة ولا دخلاء على هذه الارض، هم من طينها وعجينها وتاريخها، هم اخوة لنا وسيبقون ، سواء كانوا غساسنة ام آراميين ام انباط، هم شرق أردنيين وأخوة الى يوم الدين ، عشنا سوياً عبر آلاف السنين بكل محبة وأخوة وسيبقى هذا حالنا.ولنا بقصة بناء كنيسة أدر بالكرك عبرة عندما قال شيخ المعايطة بعد ان وهب الارض لبنائها (الأرض منا بس بشرط الخوري منا).
مدار الساعة ـ نشر في 2024/02/14 الساعة 20:44