ماذا يقول الناس عني؟

مدار الساعة ـ نشر في 2018/07/30 الساعة 00:32
من الأسئلة التي يهتم بها الفرد العربي: ماذا يقول الناس عني؟ هل هو الرياء، بمعنى أننا نفعل الأشياء من أجل الناس، وننتظر رؤيتهم لنا ، أو الخوف، أي نخاف من الوقوع تحت مقصلة نقد الناس لتصرفاتنا، أو كلا الأمرين معًا؟ من غريب أمثالنا: (كل ما تشتهي، والبس ما يعجب الناس) لأنّ الطعامَ مخفي عن عيونهم فلك أن تأكل ما تشاء، أما اللباس فيطلعون عليه، فينبغي أن تراعي ذوقهم فيه. ولا يخفى ما في هذا المثل من تكريس للنفاق الاجتماعي، وخنق للحرية الفردية، فمادام الإنسان لم يخالف الدين أو العرف أو النظام العام، فلباسه من باب الحرية الشخصية، وعلى سبيل المثال: أرتدي لباس الرياضة مساءً و أمشي في الطريق، وقد سألني من يحمل شهادة الدكتوراه في أحد التخصصات: كيف تخرج حاسر الرأس بلباس الرياضة؟ فأجبت: هل ترغب أن أمارس الرياضة بالعمامة؟ لكل لباس وقته المناسب له، والحكمة وضع الشيء في مكانه. أخبرني أحد أصدقائي من علماء الدين في بلد شقيق أنه لا يملك الجرأة على لبس الملابس الرياضية والمشي بها خارج المنزل؛ لأنه سيكون محلّ انتقاد من أهل الحي. وهذا غريب لسببين: أما الأول، فلأنه تدخّل من الناس في الأمور الشخصية للإنسان دون مبرر مقبول أو معقول. والثاني، أنه وأْدٌ للحرية الشخصية، وهنا أسأل: أليس من حق هذا الإنسان أن يمشي كسائر الخلق ويمارس الرياضة التي يحفظ بها بدنه تقويا على طاعة الله؟ فهاتان مصيبتان: الأولى، التدخل في شؤون الآخرين ومضايقتهم، والثانية، الحد من حرية الفرد، ومحاولة تسيير حياته بما نريده نحن لا بما يريده هو. ومن الأمور الغريبة جدا في حياتنا المعاصرة السماح للآخرين بالاطلاع على خصوصيتنا، مما يتيح لهم التدخل بسهولة في حياتنا، مما يجعل منها مرمى لسهام نقدهم وتعليقاتهم. وكل ذلك يتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى سبيل المثال، صارت العائلة تنزل صور وجبات الطعام على (الفيس بوك) قبل أن تنزل على المائدة، منتظرين التعليقات من الآخرين، مع أن الطعام كان من الأمور المخفية التي نسترها عن أعين الناس فنأكل ما نشاء، ولا نبالي برأيهم. هذا العرض المجاني لشؤون الحياة، من لباس وطعام ونزهة ومرض وشهادة، صار بمثابة الإذن المسبق للآخرين أن يتدخلوا بحياتنا، وأن يقدموا نقدهم لنا، فعجيب أن نقدم حرِّيتنا وأمورنا الشخصية على طبق من فضة للآخرين، كي يقدموا لنا رأيهم الذي قد لا يناسبنا أو يعجبنا؛ ليقول لهم أحدنا بعد ذلك: هذه حريتي الشخصية، ولا أحب أن يتدخل بها أحد، ولكن هذا الكلام لا ينسجم مع تصرف هذا الشخص الذي انتهك خصوصية نفسه بعرضها على الملأ. وكم وكم نسمع عبارة: لا تفعل هذا، ماذا سيقول عنا الناس؟ أو افعل كذا وإلا سيتكلم عنا الناس، وكأنّ أحدنا يعيش للناس لا لنفسه. فما الحل إذن؟ الحل في غرس ثقافتين مهمتين: الأولى: عدم التدخل في حياة الآخرين؛ لأنه تدخل في حريتهم الشخصية، فمادام أن الإنسان لم يخالف الشرع أو العرف أو النظام العام، فليس من حقنا التدخل في حياته الشخصية؛ لأنه سيكون تدخلا من الإنسان فيما لا يعنيه، وهو أمر مستقبح جدا. والثقافة الثانية، ألا نهتمّ بالفضوليين (الحشريين) الذين يتدخلون فيما لا يعنيهم، ويقدمون آراءهم في كل شيء على أنها مسلمات ونصائح ذهبية. فينبغي على الإنسان أن يعيشَ كما يحبّ ليستمتع بالحياة، ما دام يراعي الشرع والعرف والنظام العام. الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2018/07/30 الساعة 00:32