واجب التذكير بالدولة الأردنية وبُناتها وشهدائها

حسين الرواشدة
مدار الساعة ـ نشر في 2024/02/06 الساعة 00:18
لا أجد مناسبة أوجب من هذه المناسبة، ولا ظروفاً اخطر من هذه الظروف التي يمر بها بلدنا، للتذكير بجيل الآباء والاجداد الذين بنوا الدولة، ورفعوا مداميكها حجرا حجرا، والشهداء الذين جبلوا ترابها بدمائهم الزكية، فنحن جميعا مدينون لهم بالتقدير والتكريم والاحترام، وللتذكير، أيضاً، بضرورة استدعاء التاريخ الأردني الحديث، تاريخ الدولة الحديثة، لا تاريخ الأردن الممتد لآلاف السنين، والدولة الوطنية في عصرنا بمثابة «الأب»، فهي الموكلة برعاية الناس وتدبير شؤونهم واستيعاب اختلافاتهم، وبدونها تتحول المجتمعات الى غابات، ويتوحش الناس كما كانوا في غابر الازمان.
في سياق هذا التذكير الواجب، أقول: ان «ثنائية الدولة والابوة» هي المعادلة المفترض ان نبحث عنها، ونحن نمر بمنعطف تاريخي، ربما لم يسبق أن واجهناه، لانها الوحيدة التي تجيبنا، بكل وضوح، على اسئلة الناس المعلقة، حول الهوية والوجدان الشعبي، والحرية والعدالة والأصلاح، وحول الصمود والهزيمة والانتصار، فالدولة التي تأسست في مطلع العشرينيات استطاعت ان تجمع «شمل» الأردنيين وتحفظ كرامتهم، كرامة المعركة والمشروع والإنسان، استنادا الى قيم ومبادئ لا مجرد مصالح فقط، والأردني الذي كان يعض على جرحه من الفقر كان يثق بالدولة، دولته، ويحبها، لانه كان يدرك انها لا تبخل عليه، حيث «الجود من الموجود «، وحيث الجميع على منصة الفقر او الاكتفاء والستر سواء.قلت : يثق الاردنيون بالدولة ( الوطن)، دولتهم، ويحبونها، ولا يترددون في التضحية من اجلها بأغلى ما يملكون، ‏وما فعله شهداؤنا على اسوار القدس يعرفه الجميع، ‏كما ان ما فعله الأردنيون الشجعان، على اسوار قلعة الكرك وفي الغور والسلط والركبان وعلى تراب الأردن كله، مشهود ايضا، هذه الثقة، وذلك الحب غير المشروط، كانا وقاما حين تمثلت الدولة بكل تفاصيلها وحركاتها بصورة « الاب «، ‏أرأيتم أحدا لا يثق بأبيه او لا يحبه؟ وكذلك كان الأردنيون تجاه دولتهم ونظامهم السياسي، وعرشهم الهاشمي الذي شكل، وما يزال، قاسما مشتركا بينهم، ومرتكزا لاستقرارهم وأمنهم.‏لا اريد ان أُقلّب المواجع، ‏لكن حان الوقت، الآن، أن نستعيد ذلك التاريخ الأردني الذي تجسد في آبائنا وأجدادنا، ‏وقتها كان في كل بيت معلم ومزارع وجندي، وكان في كل قرية ومخيم وبلدة وسيط اجتماعي برتبة «شيخ» حقيقي يمثل المجتمع امام الدولة، حيث لا فرق بين الدولة والمجتمع، كان ثمة وجدان شعبي تشكله الأغاني الوطنية الصادقة التي رددها عمالقة الغناء الأردني على أثير إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية، كان ثمة فنانون ومثقفون على المسرح وفي المسلسلات، يجتمع الأردنيون على فنونهم الراقية، كانت الوطنية دمغة يعتز بها الموظفون والمسؤولون والمواطنون حتى وان اختلفت اتجاهاتهم السياسية، حتى وان دخلوا السجن، كان ثمة مجتمع حي يتحرك ويتضامن، ويساعد بعضه ويثق بالدولة.. وتثق به أيضاً.‏قبل ان تداهمنا الوصفات المغشوشة للتحول إلى دولة الإنتاج التي طوت، فجأة، صفحة «رعاية الدولة»، وقبل ان يبدع الذين سقطوا بالبرشوت على بعض المواقع في العبث بنسيج العشيرة، ‏والتلويح بتجديد العقد الاجتماعي، والصراخ، مجرد الصراخ، من اجل استعادة ثقة الناس بحكوماتهم ومؤسساتهم، ‏كانت «أبوة « الدولة التي تأسست عليها وكذلك قيمها، سماحتها، واعتدالها، وتعاملها بمنطق الرحمة مع الناس بمثابة « السحر « الذي حافظ على الدولة، على الرغم مما واجهها من عاديات، والمركب الذي عبرت عليه – عباب البحر – رغم الأمواج العاتيات.تريدون أن يخرج الأردنيون من خزانات القهر والمظلومية، وانقسامات الهوية، ومراجل الانتقام، ومن وطأة « اللاثقة «والعزوف عن المشاركة والعمل العام؟ تريدون أن نتعافى ويلتئم الشمل الوطني ويبدع شبابنا ويتحرروا من الحداد العام؟ ارجوكم أعيدوا لهم « أبوة الدولة»، ابحثو عن رجالاتها الصادقين، وقدموهم إلى المواقع والصفوف الاولى، حرروا شبابنا من خوفهم على حاضرهم ومستقبلهم وأعيدوا لهم «الأردن الوطن» الذي يفتخرون به ويضحون من أجله بأرواحهم، فبلدنا مليء بالخيرات والموارد والطاقات، ولا ينقصه إلا انتصاب موازين العدالة، والتحرر من الغنيمة السياسية، وطوابق الفساد والنضال المغشوش، والنفاق والانتهازية والعطالة.هل وصلت الرسالة؟ قولوا : آمين.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/02/06 الساعة 00:18