تعليق تمويل الأونروا.. عقاب جماعي لملايين اللاجئين وانحياز لإسرائيل
مدار الساعة ـ نشر في 2024/02/05 الساعة 20:55
مدار الساعة - رانا النمرات - ضربت دول الاتحاد الاوروبي تسندها 18 دولة بعرض الحائط مصير 6 ملايين لاجئ فلسطيني، في خطوة غير مسبوقة بتعليق تمويل وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، استنادا لمزاعم إسرائيلية بأن 12 موظفا في الوكالة شاركوا في عملية طوفان الأقصى مطلع تشرين الأول الماضي.
ويعدّ هذا الموقف عقابا جماعيا لنحو 6 ملايين لاجئ فلسطيني، و30 ألف موظف يعملون في الوكالة، إذ قررت الدول المنحازة للمزاعم الإسرائيلية تعليق تمويل المنظمة بدءا من 26 الشهر الماضي، دون سند أو تحقيق قانوني يثبت التهمة.
وأكد قانونيون ومتخصصون لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن ما يقرب من مليوني شخص في مختلف أنحاء غزة غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال مسجلون على قوائم الأونروا من أجل بقائهم على قيد الحياة في الوقت الذي تدير فيه الوكالة الملاجئ المكتظة والمعونات الغذائية والرعاية الصحية الأولية، كما أن أوضاعهم الإنسانية تزداد سوءا مع استمرار العدوان، في وقت لا يزال وصول المساعدات الإنسانية مقيدا إلى حد كبير وتعد الأونروا أكثر جهة قادرة على تقديم المساعدة للاجئين.
وأشار المتخصص في القانون الدولي الدكتور أنيس القاسم، الى إمكانية استصدار قرار من الجمعية العامة للامم المتحدة بتحويل تبرعات الدول الداعمة التي تقدمها كل 3 سنوات للأونروا الى حق مكتسب للاجئين الفلسطينيين.
واوضح أن الدول العربية المضيفة للاجئين، لا سيما الدولة الفلسطينية يمكنها اللجوء الى الجمعية العامة للامم المتحدة، نظرا لاستمرارية الدعم على مدار 75 عاما على التوالي، كما ان قرار 194 وتحديدا الفقرة 11 تنص على التجديد سنويا مما يحول القرار الى جزء لا يتجزأ من القانون الدولي العرفي.
ولفت الى ان هناك اجتهادات قانونية تؤيد هذا المقترح، بالنظر الى التكرار المستمر والمتواتر الذي يحوله هذه العملية الى حق مكتسب وفق القانون الدولي العرفي، مطالبا الدول المستضيفة للاجئين المبادرة لاستصدار هذا القرار.
وقال إن الاردن وحده لا يتحمل مسؤولية اللاجئين الفلسطينيين، بل هي مسؤولية الأمم المتحدة الأولى والأخيرة.
واستنكر القاسم قيام بعض الدول بإلغاء المعونة التي تقدمها الى الأونروا بسبب إتهام 12 شخصا من العاملين فيها بالارهاب، خاصة أنه لم تصدر أي نتائج لتحقيقات رسمية تدين أيّاً منهم، وهو ما يعني عدم جواز إدانة أي شخص على جريمة لم يثبت ارتكابها.
وقال أستاذ علم الإجتماع السياسي في الجامعة الألمانية الاردنية بدر صيتان الماضي، إنه اذا استمر تعليق الدعم عن الأونروا فسيكون ذلك بمثابة حالة سياسية جديدة، لتصبح معاناة اللاجئين الفلسطينيين منذ 1948 في طي النسيان، ما سيشكل عبئاً ماليا وسياسيا كبيرين جدا على الدول المستضيفة، وكأن وقف الدعم يقول لهذه الدول، أن عليكم استيعاب اللجوء الفلسطيني ضمن الكينونات السياسية الموجودة داخل بلادكم، كما سيحمل الدول المضيفة تبعات مالية كبيرة، بالتالي سيساهم بتعزيز عدم الإستقرار المالي لبعض الدول مثل لبنان، مؤكدا على البعد السياسي في هذا الموقف .
وأضاف أن هذا القرار سيشكل حالة من الضغط الكبيرة على معيشة الشعب الفلسطيني في كل المناطق سواء في غزة او خارجها، كما سيشكل حالة من الضغط على الحقل الصحي والتعليمي، مؤكدا الدور الكبير الذي تلعبه الأونروا في تطوير المراكز الصحية والتعليمية للاجئين الفلسطينين في بلدان الشتات.
واستدرك الماضي قائلا: سيساهم قرار وقف الدعم في زيادة الضغط النفسي على أسر اللاجئين لعجزها عن توفير احتياجاتهم، مشيرا إلى الضغوطات التي سيتكبدها الأردن.
وبين أنه لن يكون في مقدور الأردن وحدها تحمل هذه الأعباء وذلك بسبب الظروف المالية الصعبة للمملكة، اذ يتحمل الأردن أصلا أعباء كبيرة للجوء، لافتا الى انه قد يكون للقرار هدف بممارسة الضغط على الأردن ليقبل التوطين وهو ما ترفضه المملكة بشدة.
الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الدكتور نضال الطعاني قال، إن الأونروا تشكلت بتوافق دولي عام 1949 بتمويل من تبرعات بعض الدول الغنية وليس من سكرتارية الأمم المتحدة على ان ينتهي عمل المنطمة بإنتهاء القضية الفلسطينية، وبما يضمن حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين البالغ عددهم حوالي 5.5 مليون لاجئ في الشتات، موزعين على مناطق اللجوء الخمس.
وتابع، أن جهود جلال الملك عبدالله الثاني دفعت بعض الدول الصديقة إلى دعم الأونروا وإبقائها على قيد الحياة لتقديم المساعدات الإنسانية، مؤكدا أهمية بقاء المنظمة لضمان حقوق اللاجئين الفلسطينيين، بما فيها حق العودة والتعويض، كما ان الأردن يعتبرها شريكا حقيقيا في حفظ حقوق الفلسطينيين .
وأضاف أن غالبية المنظمات الأممية تمول من سكرتارية الأمم المتحدة وليس من التبرعات ما عدا الأونروا، فقد أخذت بالتوافق الدولي أن يكون طريق التبرعات والدعم فقط، لذا تهدد الدول المانحة بين الحين والأخر بعدم تسديد أقساطها، ما يؤكد النية لعدم إبقائها على قيد الحياة.
بدورها، قالت المديرة التنفيذية لمؤسسة انقاذ الطفل الأردن ديالا الخمرة، إن قرار وقف التمويل الذي اتخذته بعض الجهات المانحة سيكون له أثر كارثي خصوصا وان الأونروا كانت وما تزال شريان حياة للملايين من اللاجئين الفلسطينيين في غزة والمنطقة عموما.
وبينت ان منظمة إنقاذ الطفل العالمية إلى جانب 20 منظمة إغاثية أصدرت بيانا أعربت به عن عميق قلقها واستيائها من هذا القرار، لافتة الى ان القرار يعرض حياة أكثر من مليوني مدني في غزة للخطر، بما في ذلك نصف مليون طفل، الذين يواجهون خطر المجاعة والمرض وسط القصف المستمر والحرمان المتعمد من المساعدات.
وطالبت الدول المانحة إلى التراجع عن تعليق التمويل، والوفاء بمسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني، مشيرة الى الانعكاسات السلبية المتوقعة من القرار على الخدمات التي تقدمها الأونروا للاجئين الفلسطينيين في مناطق الشتات.
خبير الأمن الاستراتيجي عمر الرداد، اعتبر أن تعليق تمويل الوكالة الدولية في هذا التوقيت يرتبط بعاملين الأول لحظي فرضته تطورات الحرب على قطاع غزة، والثاني استراتيجي يأتي في سياق مشاريع وتوجهات خاصة بتفكيك قضية اللاجئين التي كانت مطروحة قبل السابع من تشرين الأول، فعلى صعيد العامل الأول فان تعليق تمويل الوكالة يتزامن مع صدور قرار من محكمة العدل الدولية "بقبول" وقوع إبادة جماعية في غزة، ودعوتها لضمان تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين العالقين في قطاع غزة، موضحا أن إسرائيل قدمت مبررات في مطالبتها بوقف تمويل الوكالة مستندة لجملة من المزاعم من بينها "تدريس الأونروا مناهج محلية تشدد على حق العودة وتندد بالمشروع الصهيوني في فلسطين، وتزعم أن ذلك يناقض نشر مفاهيم السلام، بالإضافة إلى ان الخدمات التي تقدمها الوكالة لصالح نحو 1.2 مليون لاجئ مسجل في غزة، تتيح لحركة حماس توجيه مواردها المالية للأنشطة العسكرية بدلا من توجيهها للخدمات الاجتماعية والاقتصادية".
وأضاف، "كما تتذرع إسرائيل بوجود 1 بالمئة فقط من الأجانب بين موظفي الأونروا، وهو ما يساهم في الحفاظ على الهوية الفلسطينية بواسطة الموظفين الفلسطينيين، فيما استندت إسرائيل لعضوية بعض موظفي الأونروا في جماعات المقاومة الفلسطينية أو استخدام منشآتها في عمليات المقاومة، بوصفه سببا متكررا لكل دعاويها لوقف تمويل الوكالة.
وتابع، أما العامل الثاني فهو العامل السكاني الذي يشكل احدى العقبات التي تواجه إسرائيل استنادا للزيادة السكانية للفلسطينيين مقارنة بالإسرائيليين، لافتا الى أن الاحصائيات تشير الى انه يعيش على ارض فلسطين التاريخية أكثر من 14 مليون نسمة، اكثر من نصفهم من الفلسطينيين، كما ترى إسرائيل أن الأونروا تساهم في إدامة قضية اللاجئين وتضخيمها مع زيادة عدد اللاجئين المسجلين بها من 700 ألف شخص في عام 1948 إلى 5.5 مليون شخص حاليا، نظرا لمنح أبناء وأحفاد اللاجئين في عام 1948 صفة اللاجئ، وترى إسرائيل انه لا حل الا بدمج اللاجئين في أماكن إقامتهم خاصة في دول الجوار.
وقال الرداد إن هذه المقاربة الإسرائيلية هي تضييق على الأونروا في سياق جهود تفكيك قضية اللاجئين وهو ما تؤكده مقاربات إسرائيلية ومشاريع قديمة متجددة حول تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.
وأكد أن هذه المقاربات التي تستهدف الفلسطينيين في قطاع غزة وفي مقدمتها اجبار السكان على النزوح عبر عمليات قصف غير مسبوقة ومحاصرة المشافي ومدارس ومراكز الاونروا تهدف لوضع الفلسطينيين امام خيارين، اما القتل والتهجير أو القبول بمشاريع مطروحة متعددة لا تستجيب لطموحاتهم بالحد الأدنى.
ونشر المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني تعليقا على الموقع الإلكتروني الرسمي للمنظمة، قائلا: "في الوقت الذي تستمر فيه الحرب في غزة بلا هوادة، وفي الوقت الذي تدعو فيه محكمة العدل الدولية إلى تقديم المزيد من المساعدات الإنسانية، فإن هذا هو الوقت لتعزيز الأونروا وليس إضعافها، ولا تزال الوكالة أكبر منظمة إغاثة في واحدة من أشد الأزمات الإنسانية تعقيدا في العالم"، مضيفا "انني أكرر دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لاستئناف التمويل للأونروا. وإذا ظل التمويل معلقا، فمن المرجح أن نضطر إلى إنهاء عملياتنا بحلول نهاية شباط، ليس فقط في غزة، بل وأيضا في جميع أنحاء المنطقة".
مدار الساعة ـ نشر في 2024/02/05 الساعة 20:55