بطَّاح يكتب: الرئيس 'بايدن' بين ضغوط الداخل وضغوط الخارج!

د. أحمد بطّاح
مدار الساعة ـ نشر في 2024/02/03 الساعة 16:12

ما إن بدأت معركة طوفان الأقصى في السابع من اكتوبر حتى أخذ الرئيس الأمريكي "بايدن" موقفاً مناصراً وبغير حدود لإسرائيل فقد فَتَح َلها أبواب مخازن الأسلحة الأمريكية من داخل الولايات المتحدة وخارجها، ودَعمَها مالياً بسخاء لتغطية نفقات الحرب المُكلفة، وحشد لها حاملات الطائرات (فورد وأيزنهاور و20 قطعة بحرية أُخرى مُساندة) لإشعارها بالحماية ولَجَمَ أية قوى إقليمية يمكن أن توسّع نطاق الحرب تاركاً لإسرائيل أن تستفرد بقطاع غزة وتشن عليه حرباً همجية تدميرية لا تُبقي ولا تذر وإلى درجة أن الرئيس الأمريكي نفسه وصف القصف الإسرائيلي "بالقصف العشوائي"، كما قال بأن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل يضر "بالصورة الأخلاقية" للولايات المتحدة داخلياً وخارجياً!

ولكن .... ألا يتعرض الرئيس الأمريكي نتيجة هذه السياسة المتحيّزة بتطرُف إلى جانب إسرائيل؟ بالتأكيد هناك ضغوط داخلية وخارجية ولعلّ أهم الضغوط الداخلية:
أولاً: الأجيال الشابّة من الأمريكيين (18-24) عاماً التي تظاهرت في مُدن أمريكية عديدة لأنها رأت أنّ إسرائيل تخوض حرباً غير عادلة وتُلحق بالمدنيين الفلسطينيين خسائر هائلة غير مقبولة، وقد أشار آخر استطلاع إلى أنّ أكثر من نصف الأمريكيين غير راضين عن السياسة الأمريكية إزاء ما يحدث في غزة.
ثانياً: الناشطون من الحزب الديمقراطي (حزب الرئيس) الذين عبّروا عن عدم رضاهم من سياسة بايدن وبأكثر من طريقة.
ثالثاً: الجاليات المُسلمة والعربية في الولايات المتحدة (تُقدّر بأكثر من عشرة ملايين) وفي بعض الولايات المهمّة (مثل ولاية ميتشغان)، والتي كانت تأمل في أن يكون "بايدن" أقل من ترامب مُناصرة لإسرائيل فكان أكثر!
رابعاً: المشرعون الأمريكيون وبالذات من الحزب الديمقراطي الذين لا يرون مبرراً لكل هذا الانحياز لإسرائيل الذي يبديه الرئيس بايدن، وقد قدم أكثر من (20) مشرعاً من الحزب الديمقراطي أخيراً سؤالين لإدارة بايدن مفادهما أنها تجاوزت الكونغرس في تسهيل عمليات تزويد إسرائيل بالأسلحة بدون أن تعود إلى مجلس النواب والشيوخ.
خامساً: العاملون في الإدارة الأمريكية (Biden Administration) وبالذات في وزارة الخارجية حيث عبّروا عن امتعاضهم من الانحياز السافر لإسرائيل والذي يمكن أن يكون له مردود سلبي على المصالح الأمريكية، وقد شاركَ كثيرون من العاملين في الخارجية الأمريكية بل وفي البيت الأبيض أكثر من (800) من الموظفين العموميين في الولايات المتحدة وأوروبا كتابة احتجاج جماعي وعلني لأول مرة على السياسة الأمريكية الأوروبية حيثُ أشاروا إلى أنّ قادتهم ربما ارتكبوا مخالفات جسيمة للقانون الدولي في دعمهم غير المحدود لإسرائيل طبقاً لما أوردته صحيفة نيويورك تايمز.
والواقع أنّ استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة دلت بوضوح على أن شعبية الرئيس بايدن متدنية وأنه سوف يخسر في الانتخابات الرئاسية القادمة أمام غريمه السابق "ترامب" (المتوقع فوزه في ترشيح الحزب الجمهوري) إذا لم يُعدّل بعض سياساته وبخاصة في الشرق الأوسط.
وأما فيما يتعلق بالضغوط الخارجية فهي كثيرة ولعلّ أهمها:
أولاً: الرأي العام العالمي الذي تعبِّر عنه المُظاهرات الكبيرة التي تشهدها مُعظم عواصم العالم (لندن، باريس، برلين، لاهاي، بغداد، عمان...) والتي تدين السياسات الإسرائيلية وتجاوزاتها في الحرب على غزة مثل "التهجير القسري"، والقصف الهمجي"، و"التجويع"، وغيرها.
ثانياً: الدول الصديقة العربية والإسلامية بشكل عام والتي ترى أن سياسة "بايدن" مُنحازة بشكل أعمى إلى جانب إسرائيل، ولذا فإنّ تحالُفات كثير منها مع الولايات المتحدة لا معنى له وبخاصة أن جماهير هذه الدول أصبحت لا تتفهم مصلحة لها في التحالف مع دولة كبرى (الولايات المتحدة) لا تكتفي بالتحالف مع إسرائيل بل تشاركها فعلاً لا قولاً في الحرب على قطاع محاصر وفقير يعيش أكثر من (70%) من أبنائه على مساعدات الأونروا.
ثالثاً: الأمم المتحدة التي أعلنت على لسان أمينها العام، على أنه وجميع رؤساء الوكالات الأُممية أنه (لا مكان آمن في غزة)، وأن الوضع الصحي والإنساني فيها "وضع كارثي"، الأمر الذي يعني إدانة غير مباشرة للولايات المتحدة التي تحول دون إصدار قرار بوقف إطلاق النار من قبل مجلس الأمن الدولي، وتستخف بإجماع (153) دولة من دول العالم صوتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة مع وقف إطلاق النار في غزة، ولا ننسى في هذا السياق موقف محكمة العدل الدولية التي رأت أن هناك مؤشرات معينة تبين احتمالية انخراط إسرائيل في جريمة الإبادة الجماعية، وأوصت باتخاذ عدد من الإجراءات الاحترازية التي تحول دون ذلك، الأمر الذي يعني حُكماً أنّ كل دولة (مثل الولايات المتحدة) تدعم إسرائيل قد تُعد مُنخرطة بشكل أو بآخر في أُم الجرائم وهي جريمة الإبادة الجماعية.
إن ممّا لا شكّ فيه أن الرئيس الأمريكي "بايدن" يتعرض لضغوط داخلية وخارجية كبيرة تفرض عليه عاجلاً أو أجلاً أن يعدّل من سياسته المُنحازة تماماً لإسرائيل، وقد تكون الضغوط الداخلية أكثر تأثيراً عليه من الضغوط الخارجية لأنها في النهاية قد تعني خسارته للانتخابات القادمة وكذلك خسارة حزبه الديمقراطي، وهو أمر لا يريده بالتأكيد، أمّا الضغوط الخارجية فهو -كرئيس دولة كُبرى متنفذة- يستطيع مواجهتها وإن كان لا يستطيع تجاهلها تماماً.

مدار الساعة ـ نشر في 2024/02/03 الساعة 16:12