مقابر

عبدالهادي راجي المجالي
مدار الساعة ـ نشر في 2024/01/25 الساعة 00:45

في الكيان الصهيوني لديهم مقابر مختلفة, القبر يبنى من الحجر... والمقبرة مليئة بالورد والأشجار, وهنالك مراسم تجرى للدفن.. وعناق ينطلق وكاميرات تصور دمعهم, ونساء بكامل الحلي وبكامل الأناقة.. وأظن أن العطور الفرنسية تنتشر في المكان..

أنا أتابع مراسم الدفن لدى الكيان, أتابع تسريحات النساء اللواتي حضرن.. أتابع كلمة والدة الفقيد, والموسيقى... وحجم (لأبهة) في المكان.
بالمقابل في غزة حين يسقط الشهيد, يتم حمله على عربة قديمة.. يغطى (بشرشف) صيني قديم, والجنازة تكون بسيطة جدا.. ويتم أخذه للمقبرة, بصمت وهدوء.. ومن ثم يدفن في قبر بسيط جدا حفر على عجل, ويتم وضع التراب مباشرة فوقه... هو لا يغسل ولا يكفن لأن الشهداء, يدفنون بدمائهم حتى تكون شاهدة أمام الله عليهم.. المشكلة أنهم حتى في الموت لا يحظون بالراحة, تأتي إسرائيل وتنبش قبورهم.. وتدوس جنازير جرافاتها أجسادهم الطاهرة.. المقابر في غزة تشبه حزني تماما, وهي تشبه قلبي أيضا..
تخيلوا حتى الموت يحاصر في غزة ويعاقب, حتى المقابر صارت هدفا للكيان الصهيوني والشهداء... حتى الشهداء, صاروا في أوراق (الشاباك والموساد) أهدافا.. أي كيان وأي دولة تلك التي تقاتل المقابر؟
على الأقل الفلسطيني حين يستشهد, ليس بحاجة لمتاع الدنيا كلها..يكفيه عربة قديمة.. يكفيه أن يوضع في قبر جماعي مع أهله, يكفيه أن يدفن ولو على قارعة الطريق.. كل ذلك لا يهمه, لأن التراب الفلسطيني يعرف أهله.. هو على الأقل دفن في الأرض التي ينتمي لها.. هو دفن في الأرض التي حملت جسد والده وجده وكل أسرته... بالمقابل هل سيكون التراب حنونا على جثة الذي مارس القتل في غزة؟ من جاء من بولندا أو فرنسا..هل سيكون التراب حنونا على مرتزقة أحضروهم من إسبانيا؟..هل سيكون التراب حنونا على الغرباء الذين اغتصبوا الزيتون فيه, ودمروا الحياة.. وأشبعوا أهله قتلا وتنكيلا...
سؤالي للكيان الصهيوني... حين تحرر فلسطيني ندرك أن كل واحد منكم يملك جنسية أخرى وحتما سيغادر, وأميركا قادرة على استيعاب كل يهود العالم..لكن مقابركم التي تركتوها على أرض فلسطين... هل تعتقدون أن التراب سيقبل بهذه الجثث؟.. خذوا أمواتكم معكم.. أعيدوهم من حيث أتوا.
الفلسطيني حتى وإن نبشوا قبره, حتى وإن تحللت جثته واختلطت بالتراب.. سيقى هو ابن الأرض ومالكها والسيد الحر الذي مشى عليها...لكن اليهودي يزين في المقابر, ويحيط الجنازات بالحزن الكاذب وبالهالة.. وبالكاميرات, وهو يدرك في قرارة نفسه.. أنه الغريب الدخيل على هذه الأرض.
أنصح دولة الكيان, باستئجار مقابر لجنودها وشعبها في أوروبا... لأن التراب ذات يوم سيضج بمقابرهم.. هو نفسه سيلفظ كل القتلة وكل الغرباء وكل الطارئين على هذه الأرض.
المقابر في غزة تشبه حزني.. تشبه قلبي تماما.

مدار الساعة ـ نشر في 2024/01/25 الساعة 00:45