هل ينقذ العرب الدور الوظيفي لـ'إسرائيل'..؟.. نقيب الصحفيين الأردنيين السعايدة يكتب

راكان السعايدة
مدار الساعة ـ نشر في 2024/01/19 الساعة 15:00
باستثناء الأردن المشتبك والمتصادم سياسيًا وبحدة مع "إسرائيل"، لا يبدو أن دولًا عربية معنية بأي هزيمة استراتيجية لـ"إسرائيل".
والسبب أن هذه الدول، أولًا: تعادي الإخوان المسلمين ولا تريد نصراً لحماس يكون رافعة لها. والآخر: ترى في "إسرائيل" حليفًا يقرّبها من أميركا، وحليفًا في مواجهة إيران.أميركا و"إسرائيل" تدركان أسباب هذه الدول وبواعثها، ووقفتا على هذه الأسباب في لقاءات مغلقة واتصالات بينية، فما يقال في العلن لا يشبه كثيرًا ما يقال خفية.هذه المقدمة المكثفة تمهد لإجابة السؤال العنوان، وتضع أساسًا موضوعيًا لفهمه ومقاربته مع الواقع، وأيّ إجابة لأي دورٍ عربي في إنقاذ الدور الوظيفي لـ"إسرائيل" لا بد وأن تضع أميركا في قلب هذه الإجابة.فواشنطن أكثر إدراكًا ووعيًا بأن هزيمة "إسرائيل" في 7 أكتوبر شكلت ضربة عميقة للدور الوظيفي للكيان وبنيته، وأنه من الصعب، إن لم يكن مستحيلًا، ترميم صورته، واستعادة هيبته، وإعادة إنتاجه قوةً متفردةً ومهيمنةً في الإقليم.في البدايات منحت واشنطن الكيان غطاء كاملًا لحربه؛ سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، وكانت آنذاك تظن بإمكانية القضاء على حماس، ونزع سلاحها، واستعادة الأسرى، وتنسيق حكم جديد وبديل لقطاع غزة على مقاسها.لكن، مع مرور الوقت أدركت الإدارة الأميركية أن الكيان تشظّى وتداعى بصورة تحول دون تحقيقه أي نصر من أي نوع، وأن رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو يخوض حربًا شخصية ومستعد لفتح جبهات جديدة ليحمي منصبه، ونفسَه من المحاسبة على فساده ومن ثم فشله في الحرب.هذا الإدراك دفع أميركا إلى اتخاذ سلسلة إجراءات ومواقف للفصل بين نتانياهو وحلفائه من جهة و"إسرائيل" من جهة أخرى، فهي معنية بالكيان لا بحكومة أصبحت عبئًا عليها، وهو ما أدركته نخب إسرائيلية مناوئة للائتلاف الحكومي وأدركه الشارع الذي بدأ يطالب باستقالة نتانياهو وإجراء انتخابات مبكرة.الائتلاف الحكومي اليميني المتطرف يجابه هذا الواقع، ويعاند أميركا ومطالبها بما فيها تغيير طريقة إدارة الحرب ومستقبل القطاع وعدم إشعال المنطقة وبخاصة جبهة لبنان والضفة الغربية.نتانياهو يعي معنى رفع الغطاء الأميركي عنه، وهو احتمال قوي جدًا، لذا هو الآن يحاول أن يستقطب المعارضة لدخول حكومته حتى لو اضطره الأمر أن يقصي شريكيه المتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، كما يتحسب لاستقالة بيني غانتس وأيزنكوت من مجلس الحرب.رغم ذلك، المؤشرات إلى الآن لا تشي بأن نتانياهو يستطيع أن يمضي في طريقته الراهنة إلى وقت طويل، رغم مكره ودهائه، فعزلتُه تتعمق يوميًا داخليًا وخارجيًا، ومأزقه جراء الإخفاق في تحقيق أهداف حربه يتعاظم، ولا يُستبعد أن تأتي اللحظة التي يُشاهَد فيها نتانياهو خارج المعادلة السياسية في الكيان.ما الذي يعنيه هذا أميركيًا..؟إجابة السؤال ترتبط عضويًا بما تدركه أميركا من وقائع ومتغيرات على النحو التالي:أولًا: أن"إسرائيل" لا يمكنها أن تحسم الحرب لصالحها في قطاع غزة، ومهما أطالت في مدتها وعمقت من عملياتها العسكرية لن تعود من القطاع بصورة نصر.ثانيًا: أن "إسرائيل" تتداعى من الداخل وتُراكم الفشل تلو الآخر، وقد تجد نفسها أمام حرب أهلية بين المتطرفين الذين سلّحهم بن غفير وقوى مناوئة لتوجهاتهم بمواصلة الحرب وتوسيعها.ثالثًا: أن "إسرائيل" تواجه عزلة عالمية، دولًا وشعوبًا، وهي لأول مرة تقف في قفص الاتهام لتحاكَم على جرائمها أمام محكمة العدل الدولية، ولاحقا أمام "الجنائية الدولية".رابعًا: أن "إسرائيل" التي تفشل في القطاع وتغرق في رماله لا يمكنها أن تخوض بالتزامن حربًا في أي مكان آخر لا في جنوب لبنان ولا في الضفة الغربية، ولا مع غيرها.خامسًا: استمرار اليمن المتطرف بالهيمنة على الحكومة سيكون خطرًا لا على "إسرائيل" وحسب بل وعلى أميركا ومصالحها ونفوذها العالمي، ما يستدعي جراحة سياسية تعيد تصميم نخبة الكيان الحاكمة.هذه الوقائع والمتغيرات، وغيرها، تشكل الدفاع الأميركي الأساسي ليس لمواصلة دعم "إسرائيل" بمستويات مختلفة فقط، بل وفي تحركاتها السياسية والدبلوماسية في المنطقة التي هدفها الإبقاء على موقف أنظمةٍ عربية من "إسرائيل" كما كان قبل 7 أكتوبر.أي إبقاء هذه الأنظمة مؤمنة بتحالفها مع "إسرائيل" وبدورها في المنطقة، وتأكيد أنها حليف موثوق لها في مواجهة إيران وأذرعها، ويشمل ذلك تخويفَها من أن أيّ صورة نصر للمقاومة الإسلامية في غزة سيمد جماعات الإخوان المسلمين بأسباب القوة المزعجة لهذه الأنظمة.معنى هذا، أو بنتيجته، أن التطبيع العربي مع "إسرائيل" بالنسبة لأميركا يجب أن يستمر ويتضاعف في المستقبل، وأنّ لا تسمح بتراجعه، بل تتحرك الآن لضمان إدامته مع من طبعّ ومع من ينتظر دوره.أميركا ومع فهمها أن القضية الفلسطينية أصبحت تتصدر الأجندة العالمية، وأنّ طوفان الأقصى شكّل هزيمة استراتيجية لـ"إسرائيل"، تريد شركاء عربًا أكثر من حاجتها إلى الغرب لترميم صورة الكيان والإبقاء عليه وعلى دوره الوظيفي حتى لو بفعل قوة الرافعة الأميركية.ولا يبدو أن العرب، أو بعض العرب، سيبخلون على أميركا بما تريد، والوقائع تؤكد ذلك ومؤشراتها عديدة، رغم أن اللحظة الراهنة تشكل فرصة تاريخية، إن لم يكن لإنهاء "إسرائيل"، فعلى الأقل أن تبقى كيانًا ضعيفًا هشًّا لا مهيمنًا متفردًا.لذلك؛ تبدو الحاجة ماسة لـ"هزة قوية" توقظ هؤلاء، ليستشعروا حقيقة الخطر الوجودي الإسرائيلي عليهم، وأن يتراجعوا ولا يسهموا في إعادة إنتاج دور الكيان الوظيفي الذي هو ضدهم بالأساس، ومهمته إبقاءهم تحت الهيمنة الأميركية.والأهم من ذلك، وقبله، أن يدركوا أن هذا الكيان يتشظى ويتداعى من داخله وأميركا فقط تحاول إنقاذه وإنقاذ نفوذها الذي أخذ يتآكل ومصالحها وبالأساس مشاريعها الإقليمية التي خططتها لتناوئ بها الصين وروسيا وعطلتها المقاومة."إسرائيل" تترنح وتنزف، وصورتها الموهومة تحطمت، ومهما فعلت أميركا فلن تمحوا آثار هزيمة 7 أكتوبر عن الكيان الذي بدأ يتلمس حقيقة أنه دخل مرحلة التحول إلى كيان فائض عن الحاجة..
مدار الساعة ـ نشر في 2024/01/19 الساعة 15:00