علي القضاة يكتب: شذرات عجلونية (52)
مدار الساعة ـ نشر في 2024/01/13 الساعة 17:28
نظرة موضوعية في الحزبية
لست حزبياً، ولن أكون؛ لأنني غير مقتنع حتى الآن بما يجري على الساحة الحزبية، رغم محاولة العديد من قيادات الأحزاب في كل الاتجاهات دعوتي، وأنا أحترم عروضهم وأقدرها ولكنني لن أكون.
قرأت مقال الزميل العزيز حسين الرواشدة، وهو بعنوان: "هكذا يفكر الإخوان؛ أمين عام حزب جبهة العمل يؤكد ذلك".
وأنا هنا لا أدافع عنهم ولن أدافع عن أحد، فلكل حزبٍ رجالاته وهم أولى بذلك مني، ولكنني أظن أنه مقال في غير موقعه، ولا هو توقيته على الإطلاق، وإنّ تاريخ الإخوان المسلمين مع الأردن لم يثبت يوماً أنهم كانوا ضد الدولة الأردنية، ولم يقفوا يوماً في صف أعداء الأردن، كما كانت الأحزاب اليسارية ومنها "البعث والشيوعية" الذين حاولوا الانقلاب على الأردن منتصف خمسينيات القرن الماضي، ولا أظن حتى اللحظة أنهم ابتعدوا كثيرا عن تفكيرهم السابق، رغم أن التسميات أردنية صرفة.
بل كان الإخوان في الأردن مع الأردن بكل الظروف العصيبة التي مرت بالأردن منذ قيام واستقلال المملكة الأردنية الهاشمية، كما أنهم كانوا على علاقة ودية كبيرة جداً أحياناً، وإن كانت علاقة تتسم بين مد وجزر في معظم الأحيان، فموقفهم لم يكن موقف العداء حتى وقت انفصال أعضاء الجماعة وتشكيل جماعات جزئية لهم، لم يظهر عداء أي مجموعة منهم للأردن، ولم يكونوا ضد دولتهم ولا مملكتهم، كما أنهم موجودون في كل المؤسسات والدوائر الرسمية والشعبية بما فيها مجلس النواب والأعيان والنقابات والوزارات في مرحلةٍ زمنية سابقة، وهم شريحة من شرائح المجتمع الأردني لهم ما له وعليهم ما عليه.
وعندما وضعت الحكومة الأردنية يدها على جمعيتهم "جمعية المركز الإسلامي الخيرية" لم تجد عندهم أية اختلاسات، ولا اختلالات مالية، أي إنهم ليسوا مفسدين ولا فاسدين، كما أنهم ليسوا ملائكة ولا معصومين، أكرر القول إنهم شريحة من هذا المجتمع بكل تفصيلاته.
شتان بين الموقفين
كل الأحزاب الأردنية لها علاقات خارجية، سواء أكانت علاقات فكرية، أم أنها أُسست مسبقاً بارتباطات خارجية، وكانت تمول من دول خارجية، فلطالما درس عشرات الآلاف من أبنائنا في سوريا والعراق وروسيا، وغيرها من الدول الاشتراكية، بتوصية شخصية من أحزاب داخل الأردن، هذا معروف للعيان، ولا يحتاج الناظر أيَّ دليل على ذلك.
لا، بل إنّ بعضهم ما زال يدافع عن أنظمة عربية مجرمة تقتل شعبها، وتدمر البُنى التحتية تماماً كما تفعل إسرائيل الآن في غزة، ومنها أحزاب وحركات قومية موجودة الآن على الساحة الأردنية بالمسميات نفسها خارج الأردن، وبترخيص أردني، مع اتحاد الفكر ذاته.
ولذلك فإنني أرى ويرى معي كثيرون في الأردن أن التشابه في الفكر والمبادئ العامة لا يعني بحال أن أكون منقاداً تنظيمياً لما يجري في تلك الدول، ولا موافقاً عليها، وخصوصاً ما يفعله نظام البعث في سوريا والنظام الشيوعي الروسي بحق الشعب السوري، وتدمير المدارس والمساجد والمشافي، ولا يمكن أن يقبل أردني بذلك، حتى لو تشابهت أفكاره الحزبية مع تلك الدول المجرمة.
إخوان الأردن وفلسطين
لذا أستطيع أن أقول بأن علاقة فكرية بين تنظيمٍ في الأردن وشبيهه في فلسطين سيكون مختلفا بكل المقاييس والمعايير، فطبيعة العلاقة بين الأردن وفلسطين لا يمكن أن يشبهها علاقة بين أي شعبين في العالم أجمع، وإن اجتزاء كلمات وتصريحات لهذا، أو ذاك ليس لها أي دلالة عدائية تجاه الأردن، وليست تنظيمية بكل تأكيد، ولم أكن لأقول هذا لولا أن الكاتب عاد بالتاريخ إلى سنوات ماضية، علماً بأن جميع الأحزاب الأردنية قد صوبت أوضاعها واستقرت، فلماذا ننكأ جراح الماضي، ولماذا لا ندع المركب يسير فينا نحو برِّ الأمان، فلا السلطات الأمنية ولا وزارة التنمية السياسية تقبل أن يكون هناك أي حزب غير أردني، أو غير مرخص من قِبلها ويحقق الشروط الأردنية. ولذلك فإنّ هناك فارقاً كبيراً بين ما قيل وبين الحقيقة على أرض الواقع.
ولذلك؛ فإنني أعتقد أن أبناء الإخوان في الأردن يفتخرون بانتمائهم لبلدهم وأمتهم، ويدافعون عن الأردن وفلسطين وكل بلاد المسلمين، ويقدمون لذلك ما يملكون من أنفسهم وأهليهم وأموالهم دون أن يمنّوا على أحد ولا يزايدوا على أحد، بل يقدمون ذلك عبادة خالصة لله تعالى. وإن كل محاولات زجهم في صراعات جانبية داخلية لن تفلح أبداً، حتى لمّا عصفت بالأردن عواصف كثيرة لم ينخرطوا فيها كما فعل الآخرون، وبقوا في صف وطنهم ولم يحيدوا عن طريقه.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/01/13 الساعة 17:28