اعترافات في طيّ التصريحات

د. صلاح جرار
مدار الساعة ـ نشر في 2024/01/10 الساعة 01:28
في غمرة انهماك الجيش الصهيوني في تفريغ أحقاده الكامنة وارتكاب أبشع الجرائم والمجازر ضدّ الفلسطينيين في قطاع غزة والضفّة الغربيّة وفي ظلّ تواطؤ دولي رسمي مكشوف انطلقت ألسنة القادة والزعماء الصهاينة في التعبير عن تناقضهم التامّ مع المحيط العربي الذي زرعوا فيه كيانهم البغيض، ويستطيع من يتابع هذه التصريحات أن يقف على عدد كبير من التصريحات العنصرية الصادرة عن نتنياهو ووزير دفاعه غالانت وعن وزير الأمن القومي بن غفير ووزير المالية سموتريش ووزير التراث القومي عميحاي إلياهو وغيرهم وهي تصريحات تنضح عنصرية وكراهية وحقداً وتعبّر عن شعورهم العميق بعدم ملاءمة هذا المكان الذين فرضوا أنفسهم عليه لهم واستحالة التعايش مع أهله لاختلافهم عنه ثقافياً ولغويّاً واعتقاديّاً شكلاً ومضموناً.
ومن آخر هذه التصريحات الموغلة في الحقد والكراهية والمعبّرة بشكل صريح عن كونهم عنصراً آخر مختلفاً عن العنصر العربي الذي يتطفلون على مجاورته بالقوة والإكراه، تصريح رئيس الموساد الصهيوني دافيد برنياع ألمانيّ الأصل، حيث يقول في التعليق على اغتيال الطيران الإسرائيلي لصالح العاروري نائب رئيس حركة حماس في الضاحية الجنوبية لبيروت "إن على كلّ أمّ عربيّة أن تعرف أنّه لو كان ابنها مشاركاً في مجزرة 7 أكتوبر فإنه قد وقّع على مذكرة إعدامه".
وهذا التصريح يعيد إلى الذاكرة تصريح ديفيد بن غوريون في خطاب له سنة 1963 قال فيه "لتعلم كلّ أم عبريّة أنّها عهدت بمصير أبنائها (الجنود) إلى قادة يستحقّون ذلك".
ويظهر من تصريح رئيس الموساد الذي يعبّر عن رأي القادة الإسرائيليين جميعاً أنه يقرّ بأنّ الأمّهات في فلسطين نوعان: عربيّة وعبرية وأنّ كلّاً منهما يمثّل عالماً مختلفاً اختلافاً كليّاً عن الآخر، ولو كان هذا المسؤول الصهيوني يرى في المرأة العربيّة والمرأة العبريّة عنصرين بشريين متساويين في الإنسانية وحقّ العيش الكريم لما ميّز بينهما في قوله، ولما خصّ المرأة العربيّة بالاستعداد لتلقي خبر اغتيال ابنها على يد أبناء المرأة العبرية، ولما عبّر عن شماتته وفرحه بتجرّع المرأة العربيّة مرارة الحزن على أبنائها.
وممّا يلفت النظر في هذا التصريح أيضاً أن رئيس الموساد استخدم عبارة (المرأة العربيّة) ولم يخصّ (المرأة الفلسطينية) التي نفّذ أبناؤها عملية السابع من تشرين الأول الماضي، ولهذا التعميم دلالات مهمّة، أوّلها تأكيده على أنّ العروبة نقيض (العبرنة) وأنّ العرب نقيض اليهود الصهاينة، وأنه يستحيل التقاء نقيضين في حيّز مكانيّ واحد، وأنّ هؤلاء المحتلّين يدركون في قرارة أنفسهم أنّهم يقيمون في مكان لا يتقبّلهم أبداً ولا يمكنه أن يصفو لهم ولا أن يستقرّوا فيه.
وأمّا الدلالة الثانية فهي أنّ هذا المسؤول الصهيوني الذي يمثّل في رأيه آراء جميع المسؤولين الصهاينة بل جميع الصهاينة المقيمين على أرض فلسطين، يرى في العرب أمّة واحدة وأنّه ينظر إلى العرب جميعاً نظرته لأهل غزّة وأهل فلسطين كافّة، فإذا كان أهل فلسطين يستحقّون القتل والإبادة والحرمان من سبل العيش ومقوّماته فإنّ العرب كلّهم يستحقّون ذلك أيضاً، فالحديث عن الأمّ العربيّة عموماً وعدم تخصيص الأمّ الفلسطينية هو تعبير عن وضع الأمّ العربيّة في مساواة الفلسطينية في استحقاقها القتل والألم والتفجّع بقتل أولادها وتقطيع أشلائهم واستئصال عائلاتهم.
إنّها نظرة تكشف عن الحقد الصهيوني على كلّ عربيّ وعلى كلّ شيء عربي مهما كان، كما تكشف عن ازدرائهم للعرب واستخفافهم بدماء العرب وأرواحهم وممتلكاتهم وتراثهم، ولذلك يستهدفون كلّ من في غزّة بالصواريخ والطائرات والدبابات والمتفجرات وكلّ وسائل الإبادة البشرية، ويشعرون وهم يفعلون ذلك بأنهم يستهدفون العرب عامة دون أن يخامرهم أيّ إحساس بأنّهم بشر، بل على العكس من ذلك يرتكبون كلّ هذه الجرائم وسط نشوة عارمة وابتهاج معلن وفرح عظيم.
وما داموا على هذه الصورة من كراهيتهم للعرب وحقدهم عليهم وازدرائهم لهم، فإنّ على العرب جميعاً أن يعيدوا النظر في مواقفهم من هذا العدوّ الحاقد وقواعد تعاملهم معه بما يتناسب ومواجهة الأخطار التي تهدّد البلدان العربيّة من وجود هذا الكيان العنصري البغيض.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/01/10 الساعة 01:28