العبادي يكتب: داعشية اسرائيل.. وعنصريتها

مدار الساعة ـ نشر في 2018/07/26 الساعة 19:34
د. منذر الحوارات العبادي منذ قليل كان العالم يتحالف لحرب فكرة اصطفائية اعتبرت نفسها جوهر الحقيقة وبالتالي الفرقة الناجية، ولأجل ذلك بعد صناعة المقولة وبلورة النصوص بما يتفق مع ذلك، جندت الشباب وسلحتهم بالعقيدة اولاً والسلاح ثانياً، مما مكنها من حيازة المكان الذي أوجد مساحة جيوسياسية سمت نفسها اختصاراً داعش، وهذه عبرت عن فكر انغلاقي يصور الاخر عدواً وبالتالي مشروع قتيل، هذا العالم الذي بذل في سبيل ذلك أعداداً ربما لا تُحصى من الصواريخ، والعتاد والجنود، وأرقاماً لن تكون ابداً دقيقة من الضحايا والمشردين، ووسائل إعلام جَمّلت الوجه البشع في كثير من الحالات لتلك الحرب التي امتدت سنوات، وتكاد تنتهي بدون حسم حقيقي للظاهرة ولكن بهزيمتها مؤقتاً، ربما لجولة اخرى لأن عناصر إنتاجها لا تزال كامنة في وجدان الكثيرين . هذا فيما يَخُص داعش ، فما بالنا وداعش قد اختفت منذ عقود من الزمن في حضن الحضارة العريقة، والتي إدّعت انها المُنتِج الفعلي للقيم الانسانية والأخلاقية التي تكرس الاخر، وتحترم مكانته وتعتبره رديفاً، حتى في أقصى لحظات ضعفه، وإن كان على الصعيد النظري فقط ، اعني اسرائيل والغرب. فإسرائيل منذ إنشائها اعتمدت على مبدأ الاصطفاء المستند الى فكرة دينية فحواها الشعب المختار والمميز ربانياً وبالتالي ارضياً، واستحضرت لأجل كل ذلك تاريخاً لا تاريخي عمره الآف السنين، لم ولن يثبت اركولوجياً في يوم من الأيام ومع ذلك استطاعت وفي ظرف تاريخي ان تتحصل على اعتراف العالم القوي على أحقيتها في تحقيق ما أدعا رواده انه حُلم الشعب المختار، وهذا ما حصل .  
ولتوائِم مشروعها مع مطامع الأقوياء، غلفته بغطاء هش من القيم التي يَدّعيها، فكان الشكل الديمقراطي والتعاوني والقيمي والانساني الذى سينهي معاناة شعب سَخَطت عليه الامم، وعانا بسبب ذلك آلاف من السنين، وها هي حضارة الغرب تعيده من جديد، ليطلق شعاعاً من التحضر في منطقة افتقدت (كما ادعى الآباء الأوائل للمشروع) من اي شكل للتحضر، فكانت (اسرائيل)، ولكي يتم ذلك، وبنفس الوقت الذي تم استحضار شعب ولغة وتاريخ من بُطُون كتب زورت بعناية بالغة، لتساهم في صناعة أمة اكثر هشاشتاً وزيفاً من التاريخ الذي صُنعت منه، كان يتم في نفس اللحظة محو أمة وشعب من ذاكرة الحاضر لتلقى في ذاكرة تاريخ اعني الشعب الفلسطيني . الى هنا لحظة التدشين، حيث ابتدأت بعد ذلك مظلمةً تاريخية تعددت جوانبها، فلم يُعرف لها أباً حقيقي، فالجميع اشتركوا في لقاح هذا الهجين المنبعث من اعماق تاريخ مزيف، ولكنهُ ولد وولد معه دولة تُصر ان تكون، ولكن بوجهين، الخارجي كما يرضى العالم، وفي الداخل كما تشتهي النوازع الحاقدة لأقلية نخبوية أدارت هذا الحلم وتبنته، وفي الطرف الثاني ولدت معاناة بلا حدود صورت في خارجها على انها نهاية شعب استغل ارض الغير وتبنى بعد استعادتهم لها طريق الاٍرهاب غير المقبول حضارياً، اما في الداخل فهي حركة انسانية مدافعة عن حق وتاريخ، تم إلقاءه عنوةً في غياهب تاريخ ستشاء الاقدار ان تكون أيقونته. الى هنا ربما لا يكفي الشكل وحده، لوضع اسرائيل في خانة الداعشية، فهي ظاهرياً واحة للديمقراطية وحقوق الانسان ونموذج مميز للحضارة الغربية في شرق قاحل إلا من القسوة والتخلف، ولكن في العمق هي المنتجة الحقيقية لفكرة لربما تعتبر ملهمة لكل الداعشيين. الاصطفاء والتميز، هذه هي الفكرة ابتدأت منذ النشوء وكانت عبارة عن ممارسات غير مشرعنه ولكنها مترسخة واقعياً، كُرست بقانون (اساس القومية) الذي سُنَّ اخيراً، والذي حدد مفاهيماً للدولة، قوامها العناصر والرموز المعتمدة على اصل واحد هو اليهودية، الامر الذي يكاد يجمع بشكل حصري مفهومي الابارتيد، والدولة الدينية، مما يؤدي الى مفاد واحد، هو هل هذه الدولة شرعية وفقاً للقانون الدولي؟   فهذا القانون الذي يُصر على الهوية اليهودية للدولة لغةً ورموزاً وتقريراً للمصير، وحقًّا للعودة وتاريخاً، مع امتداد يعطيها الحق في الولاية على اليهود في كل اصقاع العالم، اليس هذا منطق داعش بالضبط؟ كل ذلك يترافق مع إنكار بدون رحمة لحق مكون رئيسي موجود وهم سكان الارض الأصليين، والذين أُسقط عنهم كل حق إلا كونهم مكونات من الدرجة الثانية أوَليست هذه الابارتيدية الكولونيالية ؟ بل وأمد هذا القانون (الدولة) بإعطائها الحق باعتبار القدس والجولان وكل الاراضي المحتلة (ارض اسرائيل)، اذاً ماذا بقي لما يُسمى بالقانون الدولي والقيم الانسانية ؟ أوليس من العبث طرح هكذا سؤال؟ أولم تتم كل تلك الإجراءات بمباركة ورعاية القوة الأعظم والتي تعتبر بمثابة الراعية للعملية التي كان من المؤمل ان تقود الى حلّ بدولتين؟ والذي استهلك عشرات السنين وربما مئات الرحلات المكوكية، وساعات طويلة من المباحثات ومناورات هنا وتنازلات هناك وآمال عريضة بعودة حق وإن كان منقوصاً ومشوهاً، ولكنه شكل بوابة أمل للمستقبل، أيمكن قبول ان يتحول ذلك كله الى محض هراء، فقط لأن رئيساً أمريكياً قرر ان رؤية حقوق الشعوب تنطلق من مفاهيمه هو فقط لا كما يجب ان تكون . بموجب مُنتجات هذا القانون، تكون كل الإجراءات المتعلقة بعملية السلام السابقة، على يوم الإقرار قد سقطت بشكل نظري، ولا قيمة لها من وجهة نظر اليمين الإسرائيلي، وداعميه من الأمريكان، ولكن يبقى السؤال الأهم ماذا على الفلسطينيين ان يفعلوا ؟  
ولكن مهلاً قبل الإجابة ما هي الاثار التي يمكن ان تترتب على الكيان الاسرائيلي فيما لو طُبقت مفاعيل القانون على ارض الواقع ؟ اولاً: وبتطبيق هذا القانون سوف تُلغي اسرائيل قرار التقسيم الذي أُنشئت بموجبه، وبعده قرارات الامم المتحدة الصادرة بعد حرب العام سبعة وستين، وسوف تنسف كل المرجعيات الدولية لعميلة السلام، وسوف تلغي بذلك قرار حلّ الدولتين، ربما كل ذلك لا يشكل شيئاً بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل في الوقت الحاضر، ولكنه بالنسبة لباقي المجتمع الدولي سوف يضع اسرائيل كخارج عن القانون ويصنفها ضمن الدول الدينية وكذلك العنصرية. ثانياً: لو طُبق القانون باعتبار ارض اسرائيل من الماء الى الماء، اعني المتوسط ونهر الاْردن، فهذا يعني اضافة اربع ملايين وثمانمائة الف فلسطيني لهذا الكيان، مما يجعل العنصر اليهودي أقلية، وذلك يساوي سياسياً مخاطر وجودية على الكيان برمته، تجعله يغرق في مساحات واسعة من قومية اصحاب الارض المتجذرة وغير القابلة للذوبان، قد تحاول ان تفرغه الى المحيط ولكن ثبت ان ذلك محال فلسطينياً، لما للتجارب السابقة من قوة تأثير يَصْب في الرفض الكلي لمثل هكذا خيار انتحاري، ففلسطينياً اصبح خيار الموت في الارض شهادتاً تُرتجى، وبالتالي لم يعد بمستطاع اسرائيل الرهان على هذا الخيار . ثالثاً: إسرائيلياً ويهودياً فسوف تكون هذه طامّتهم الكبرى، فهنالك انقسام عامودي بدأ يتجذر فيما بين العلمانيين والمتدينين، وفيما بين المتدينين أنفسهم، يأخذ في جلُّه شكل النحن وهم، مما يعني ان هذا القانون سوف يشكل هزيمة احد الأطراف لحساب الاخر، خاصة ان الفئة العلمانية سواء الأيديولوجية او القومية، بداءات بالتراجع بسبب هجرتها المتزايدة، ويأسهم من صناعة فارق يُذكر، في واقع تتحكم به الأساطير المؤسسة، يبني فيه الطرف اليميني المتدين مقولاته على تعظيم المخاطر الوجودية، ليحقق مكاسب سياسية على الارض، وهذا مع الزمن سوف يعمق عناصر التفجير الداخلي، داخل مجتمع تختفي هشاشته، أمام تحديات يحاولوا في كل يوم جعلها ماثلة امام الجميع لتحافظ على شكل ولو ضئيل من التماسك. رابعاً: سوف يضع القانون الجديد اليمين الديني امام معضلة، وربما قنبلة موقوتة فحواها سؤال الهوية الرئيسي، من هو اليهودي الذي ستنطبق عليه شروط المواطنة؟ فكما هو معلوم فقد ألقت الهجرة السابقة من الاتحاد السوڤيتي والدول الاشتراكية سابقاً، بأعداد كبيرة من اليهود اللايهود، والذين زوروا وثائقهم وانتمائهم الديني، كي يغادروا تلك الدول، وبعد تكشف امرهم، اصبح الاعتراف بهم، رهن علمنة الدولة، ولكن بعد هذا القانون، سوف يصبح هؤلاء الناس على هامش المجتمع، وجزء أساسي من عناصر التأزيم المستقبلية، يضاف اليهم اليهود الفلاشا المهجرين من افريقيا والذين سوف يضيفون تميزاً حسب اللون لأول مرة.

خامساً: العرب والذين يشكلون ما نسبته عشرون في المائة من السكان، مُيزوا عنصرياً على اساس الدين واللغة والعرق، ووضعوا بشكل ساحق على هامش الهوامش، وهم جزء اصيل لا يمكن التخلص منه او إلغاء وجوده كواقع حيّ ومؤثر. كل هؤلاء المهمشون سوف يشكلون ما لا تقل نسبته عن خمسةً وثلاثون في المائة من السكان، وإذا ما أضفنا الى هذه النسبة جزء من العلمانيين الأيديولوجيين غير القوميين فإن ذلك يشكل حالة غير مسبوقة من عناصر التأزيم التي قد يكون لغضبها فيما لو تحالفت شأن كبير. اما بالنسبة لتعامل الفلسطينيين مع هذا القرار، ففي ظل هذا الواقع العربي والدولي المُختل، فخياراتهم تبدو محدودة، برفض القرار وتحديه سلمياً والتمسك بقرارات الشرعية الدولية، اما فلسطينياً فلا يمكن النجاح في اي مسعى طالما الانقسام حاصل بهذا الشكل. في نهاية المطاف، لا يمكن الاستمرار في التباكي، وشجب هذا القرار، والتذمر من المجتمع الدولي، ويأس وتخاذل القريب والبعيد، بل يمكن التعامل بحرفية عالية، وباعتقادي ان الفلسطينيين، لا تنقصهم الخبرة او الإرادة او الكفاءة، لخوض معركة قانونية داخل الكيان وخارجه تضع اسرائيل بشكل عملي امام محاكمة قانونية وشرعية، تشترك فيها ايضاً خبرات على مستوى العالم، والذي ازداد عدد المناصرين للفلسطينيين فيه، اما الجلوس وانتظار ان تأتي الحلول من مجتمع دولي منشغل في كل شيء، إلا بالحقوق العادلة للشعوب وحقها في تقرير المصير.
  • شباب
  • معان
  • لحظة
  • قانون
  • الدين
  • رحمة
  • رئيس
  • مال
  • تقبل
  • يعني
  • عرب
  • عالية
  • محاكم
مدار الساعة ـ نشر في 2018/07/26 الساعة 19:34