إسرائيل أصبحت عبئاً ثقيلاً على أميركا

م. مهند عباس حدادين
مدار الساعة ـ نشر في 2024/01/08 الساعة 23:44
مع دخول حرب غزة شهرها الرابع, تلك الحرب الهمجية التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين في غزة بدون تحقيق أي أهداف عسكرية على الأرض, فالمقاومة الفلسطينية ما زالت تضرب وتهدد بصواريخها العمق الإسرائيلي, والأسرى المحتجزون ما زالوا في قبضة المقاومة, فالخسائر الإسرائيلية من الآليات المتنوعة قاربت على ألف آلية, هذه الآلة العسكرية الإسرائيلية التي حشدتها إسرائيل واقتحمت غزة فيها كان نتيجتها 100 ألف من الشهداء والجرحى والمفقودين الفلسطينيين.
دخول إسرائيل الحرب البرية في غزة كان خطأً ارتكبته إسرائيل في تاريخها, لأن الفشل الإستخباراتي قبل السابع من أكتوبر العام الماضي جر خلفه الفشل العسكري أثناء الهجوم, الذي لم يُخطط له بالشكل الصحيح, وشراسة المقاومة وتموضعها تحت الأرض في الأنفاق المحصنة وشجاعة المقاوم الفلسطيني الذي كان يصطاد الجنود والضباط والآليات العسكرية الإسرائيلية بدون كلف مادية تذكر, فالحرب استنزفت من إسرائيل قرابة 200 مليار دولار كخسائر إقتصادية وعسكرية, لا بل أنهكت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي مدت جسراً جوياً وبحرياً لمساعدتها في هذه الحرب, فقرابة 50 سفينة محملة بالذخائر والأسلحة زودت إسرائيل وأكثر من 250 طائرة شحن عملاقة حطت بمطارات إسرائيل, وتم إلقاء قرابة 100 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة.
لقد أدركت الولايات المتحدة وحلفاؤها بعد مرور شهرين من الحرب على قطاع غزة عدم الحسم الإسرائيلي في حربها البرية التي قالت بأنها ستكون سريعة وخاطفة تنتهي بالقضاء على المقاومة الفلسطينية وإرجاع الأسرى, فأوفدت تباعاً مستشار الأمن القومي جيك سوليفان وبعدها وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن, لإبلاغ إسرائيل بإنهاء الحرب مع نهاية العام الماضي، وذلك لعدم قدرة الولايات المتحدة مواصلة الدعم العسكري واللوجستي والاقتصادي لإسرائيل, وأن الضمير العالمي والشعوب الغربية قد استفاقت، وخصوصاً فئة الشباب منهم وأصبحوا يهددون كراسي الحكام الغربيين, لا بل قد ينهون رحلة الرئيس الأميركي الحالي في ترشحه للانتخابات, وليس هذا فحسب بل ناقش الموفدان آنذاك خطورة توسع الحرب لتصبح إقليمية.
لكن تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزرائه اليمينيين المتطرفين وكابينت الحرب الثلاثي, على مواصلة الحرب البرية دون أدنى إدراك لكل ما حذرت منه القيادة الأميركية, أوصل الوضع الحالي إلى الأسوأ منذ السابع من أوكتوبر من العام الماضي, فالإقتصاد الأميركي اهتز وهز معه الاقتصاد العالمي, فثُلث التجارة الغربية الآن معرضة للخطر من خلال اعتراض سفن الشحن الغربية في مضيق باب المندب في البحر الأحمر , ناهيك عن ارتفاع أسعار الشحن 173%, وارتفاع الكلفة الإضافية للشحن البحري للسفينة الواحدة المتجهة من الشرق لأوروبا ذهاباً وإياباً نتيجة مرورها برأس الرجاء الصالح بمبلغ مليون دولار.
إضافة إلى عدم تمكن الدول الغربية من تزويد إسرائيل بالذخيرة ذات الإستهلاك اليومي من منظومات دفاعية باتريوت وقنابل ومتفجرات وذخائر للدبابات لنفاد المخزونات, وخصوصاً أن الجبهة الشمالية بدأت تسخن, بعد مضي أقل من إسبوع من سحب الولايات المتحدة لحاملة الطائرات إيزنهاور نتيجة تفاهمات دولية, ارتكبت بعدها إسرائيل حماقة بالتعدي على السيادة اللبنانية باغتيال قادات المقاومة وكذلك التفجيرات داخل الأراضي الإيرانية المتزامنة مع تلك الأحداث, كل ذلك سيؤجج الصراع ليصبح إقليمياً ودولياً بعد أن حاولت الولايات المتحدة إنهاء حرب غزة بإمهال إسرائيل الفترة الزمنية السابقة.
إن ما تفكر فيه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة هو إطالة أمد الحرب لشهور قادمة بالهجوم المقنن من حيث الذخيرة والسلاح, وكذلك من حيث دعمها لاقتصادها بنفسها عن طريق تسريح معظم الإحتياط ليعودوا إلى مصانعهم ومزارعهم, وإغلاق لبعض المكاتب الحكومية وتحويل أموالها لتغطية تكاليف الحرب, لأن هذه الحكومة أدركت أن الغرب لن يزودها بالكم والنوع من الأسلحة والذخائر الذي قام بتزويدها في أول شهرين من الحرب, لذلك صرح طاقم كابينت الحرب بأنه سيستهدف قادة المقاومة, فالسؤال الذي يطرح نفسه, لم تستطع إسرائيل أسر أو قتل اي ضابط من ضباط المقاومة فكيف تستطيع الوصول إلى قادتهم في غزة؟, إن إطالة أمد الحرب والذي ترفضه الولايات المتحدة رفضاً شديداً له هدفين رئيسيين بنظر هذه الحكومة المتطرفة وعلى رأسها الرئيس نتنياهو, الهدف الأول محاولة إقناع الشارع الإسرائيلي بأنه ما زال في خضم حرب شرسة مع المقاومة الفلسطينية للقضاء عليها وإرجاع الأسرى, لكسب شعبية له بعد أن وصلت 25% ولمحاولة التملص من المحاكمة بإحراز أي نصر ولو معنوي, لكن هل يقتنع القادة العسكريون الإسرائيليون بهذه الإطالة؟ أو حتى مجلس الحرب؟ الذين يرون أن هذا الهدف هو سياسي لكسب تأييد أكثر للإنتخابات القادمة لهذا الرئيس, مما قد يعمق الخلافات داخل الكابينت الإسرائيلي وكذلك الخلافات بين نتنياهو والقادة العسكريين. أما الهدف الثاني من إطالة الحرب والذي إتفق عليه الوزراء الإسرائيليين المتطرفين بأنهم مع مرور الزمن واستهداف البُنية التحتية في غزة وهدم جميع المباني والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس, والدفع بالفلسطينيين إلى الخلاء حيث تم هدم جزئي أو كلي لأكثر من 85 % من منازل غزة وتم نزوح داخلي لقرابة 2 مليون فلسطيني, حيث يراهن هولاء الوزراء الإسرائيليون بأنه مع مرور الأسابيع والأشهر القادمة سيصل الفلسطينيون في غزة إلى وضع مأساوي وخصوصاً مع اشتداد برد الشتاء يسهل من خلاله تسهيل عملية تهجيرهم الطوعي لدول العالم للحصول على حياة أفضل وبامتيازات خاصة, لكن الإسرائيليين لا يعلمون أن الفلسطينيين الأبطال الصابرين المؤمنين بربهم بأن كل الصعوبات التي يتعرضون لها والإغراءات التي سُتقدم لهم لا تساوي ذرة تُراب من غزة.
لقد استوجب الوضع الآن دفع الرئيس الأميركي بايدن وزير خارجيته بلينكن لمنطقة الشرق الأوسط منعاً من انزلاقها الى اللامجهول, لإنقاذ ماء الوجه لكل من الولايات المتحدة ولإسرائيل لتهدئة الوضع المتوتر في الإقليم وللبحث عن مخرج لإقناع إسرائيل بإنهاء الحرب من خلال البحث عن مبادرات إقليمية, قد تُفضي الى أفق سياسي بدلاً من الأفق العسكري الذي خيم على المنطقة, فإسرائيل اليوم أصبحت عبئا ثقيلاً على الولايات المتحدة فلم يشتد عودها بعد, حيث اتضح من خلال حرب غزة بأنها لا تزال بحاجة إلى الرعاية والدعم الفني، وأنه لا يمكن الاعتماد عليها كحليف عسكري موثوق, إضافة إلى أن تقبلها في المنطقة أصبح أكثر تعقيدا فهي الآن محاصرة بحرياً, ولا تستطيع أن تزرع أو تصنع كما كانت سابقاً, وأصبح الاقتصاد الإسرائيلي أكثر هشاشة وبحاجة إلى دعم مستمر،ولا يمكن الاعتماد عليها كحليف اقتصادي موثوق أيضاً.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/01/08 الساعة 23:44