أبكيتنّا يا 'دحدّوح'

فايز الفايز
مدار الساعة ـ نشر في 2024/01/08 الساعة 07:20

يا ويلنا: ها قد رأينا أصحاب الأخدود، رأيناهم رأي العين، ورأينا يوسف بن شراحيل اليهودي كيف أحرق نصارى نجران، وها هو التاريخ يجسد ذات الجريمة، فكيف لهذا الولد الأخير لأشهر مراسل في العالم العربي وهو ينقل أحداث الجرائم التي ترتكبها دولة خارجة عن كل قوانين البشر، أو شبه دولة عاثت خراباً ودماراً بشعب أعزل، لتكرر «الهولوكوست» في أبشع ما تخجل منه الوحوش، وها هي تسجل تاريخ الصهاينة لاستنساخ عقدّة الساديّة الحقيرة التي عانتها عائلات اليهود عبر الزمن وفي كل بلد وصلوه أو تم طردهم منه نتيجة خبث ومكرّ.

لطالما رأينا الزميل وائل الدحدوح وهو هادىء متماسك حتى نحسبه بلا إحساس، وهو من أغير المراسلين وأبدعهم، فهو بطل من أبطال التاريخ العربي، حيث فقد عائلته واحدًا تلو الآخر، ولم يظن بالله إلا الخير، فقام كطائر الفينيق يخرج من تحت رماد ونيران العدو الصهيوني، ليلاحق جرائمهم ويكون شاهداً على ما يفعلونه بالفلسطنيين، ولكن المصاب كبير وحمله ثقيل جداً
الدحدوح هو البطل، وزملائه في كل مناطق قطاع غزه هم أبطال يقاتلون بالكاميرات والمايكروفونات من أرض الحدث و تحت القصف البربرّي، بعيداً عن الأضواء، فهو في حالة استعداد تامّ لرصد الأحداث المتواصلة على مدار الساعة، غير آبه بما يشرحونه من معلقيّن على شاشات التلفزة العربيّة والأجنبية والصهيونية، فهو ابن الإرضّ وابن الشعب وابن الحصّار وابن الظلم الذي يقع عليهم من أعداء الله، ثم تراه صابراً محتسباً، يبكي فلذات كبده بصدرّ مخنوق وألمّ غير محسوس للغيرّ.
كيف لهذا الليث الهصّور من قوة إيمان وعزيمة لم يعهدها لابسو البزات ممن يستجدّون رحمة عدوهم وهو لا يقيم لهم قيمة، ذلك الرجل يترك أغلى ما عنده، ابنه الوعد لخلافته، ليعود بعد يوم الفاجعة كي يشرح للعالم ويغطّيّ ما يجري على أرضه وشعبه وبلده مما يفعله الصهاينة الذين جاؤوا إلى فلسطين مشردين مطاردين ليشتغلوا بالزراعة، فأصبحوا مستعمرّين لتلك الأرض التي وعد الله فيها الصابرين لتكون لهم الغلبّة.
اليوم ليس لنا سوى الدعاء لله أن يربط على قلب وائل، وأن يحفظه من غدر تلك الطغمّة التي حولت أرض السلامّ إلى جحّيم لا يطاق، أكان للشعب الفلسطيني أصحاب الأرض التاريخية أو لمن استقدموهم من شتى بقاع العالم طمعاً ببناء دولة لهم على عظام وجماجم العرب في فلسطين، ولا ننسى أيضاً الزمّلاء الآخرين في جميع الجبهات، لقد رافقت الزميل هشام زقوت في رحلة، ولم أظن يوماً أن ذلك الشاب سيكون ذا شأن تتناقل تقاريره وتغطيته الكرة الأرضية بأجمعها، وبقية أخرى من الزميلات اللاتي تصديّن للتغطية تحت حصار العدو الغاشم، ولن ننسى ما فعل الصهيانة بشيرين أبو عاقلة، هؤلاء خارج نص الكذب الذي تقوم عليه بعض القنوات التافهة.
منّ قتل عائلة الدحدوح وبقيةً من شعب غزة الصابر المرابط على أرضه هو من قرر أن يعيد تمثيل المحرقة التي يدعونها، فتلك الفئة من اللقطاء نبتت لحومهم بالحرّام، وهم يعلمون أنهم جبناء لا يستطيعون المواجهة وجهاً لوجه، فهم يقصفون ويدمرون المربعات السكنية على رؤوس ساكنيها، ويستهدفون الكنائس والمساجد والمستشفيات، ويقتلون الأطفال بالآلاف، وللأسف نرى حالنا في أسوأ ما يمكن للبشر أن يقوم به غير الحوقلة، فهل ماتت النخوة العربية؟ نعم ماتت، عندما تتصافح الأيدي مع الأعداء من أي ملّة على وقع جرائم بشعة، فإننا ندرك أن هناك من يتشفون بذلك الشعب العظيم ليفرحوا بذلك المصير الذي اختاروه دفاعاً عن وطنهم وأمتهم العربية والإسلامية.
إن كواكب الشهداء في فلسطين ستطاردنا رؤاهم من أعلى طولكرم حتى خان يونس، حيث تعمد دولة الاحتلال لتدمير البشر والشجر والحجر، وهذا هو انتقام الأحقاد الدفينة في قلوب قيادات دولتهم المهزومة بإذن الله وعلى أيدي المقاومين فلا يضرهم من خذلهم.

مدار الساعة ـ نشر في 2024/01/08 الساعة 07:20