بطَّاح يكتب: الصراع العربي الإسرائيلي: من الدول إلى الفصائل والجماعات
مدار الساعة ـ نشر في 2024/01/04 الساعة 11:26
إنّ من يستعرض الصراع العربي الإسرائيلي تاريخياً يُلاحظ بوضوح أنّ هذا الصراع كان بين إسرائيل و "الدول" العربية أو "الأنظمة" الرسمية العربية، فعندما أُعلن قيام إسرائيل في عام 1948 دخلت جيوش "الدول" العربية إلى فلسطين بقصد تحريرها والقضاء على "الكيان الطارئ" لما يُمثله من أخطار ليس على الفلسطينيين الذين اُغتصب وطنهم فحسب ولكن على الدول العربية وبالذات المجاورة منها.
وفي عام 1956 وفي سياق "العدوان الثلاثي" على مصر بسبب تأميمها قناة السويس شاركت إسرائيل كلاً من بريطانيا وفرنسا -وهما إمبراطوريتان استعماريتان- في الاعتداء على مصر بقصد إفشال تأميم القناة وإبقاءَها تحت السيطرة الاستعمارية الغربية، وبمعنى آخر فإنّ الصراع دار بين إسرائيل كشريكة لبريطانيا وفرنسا و"دولة" مصر. وفي عام 1967 قامت إسرائيل بالاعتداء على مصر وسوريا والأردن متعللةً بإغلاق مضائق "تيران" أمام الملاحة الإسرائيلية، وانتهت الحرب باحتلال سيناء المصرية، والجولان السوري، والضفة الغربية من الأردن؛ أيّ أنّ الحرب كانت بين إسرائيل "والدول العربية" أو "الأنظمة" الرسمية العربية.وفي عام 1973 بادرت مصر وسوريا إلى مهاجمة إسرائيل لتحرير أراضيها التي احتلتها إسرائيل في عام 1967، وبغضّ النظر عن نتائج الحرب فإنها كانت بين إسرائيل مدعومةً بالغرب، ومصر وسوريا "كدول" إلى جانب دول عربية أخرى شاركت (كالأردن) بمستوى أو بآخر في هذه الحرب.أمّا ما تلا ذلك فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي فقد تمّ عقد اتفاقيات بين بعض الدول العربية أو أنظمتها الرسمية وبين إسرائيل، حيث تم عقد اتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل في عام 1978، واتفاقية "أوسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في عام 1993، واتفاقية "وادي عربة" بين الأردن وإسرائيل في عام 1994، أما المرحلة الأخيرة في تطور الصراع العربي الإسرائيلي فقد كان عقد اتفاقيات تطبيعية بين بعض الدول العربية وإسرائيل حيث كان آخرها ما سُمي "بالاتفاقيات الإبراهيمية".ولكن التطور الأبرز في سياق الصراع العربي الإسرائيلي كان انتقال هذا الصراع من صراع بين "الدول" العربية وإسرائيل إلى صراع بين "فصائل" أو "أحزاب" أو "جماعات" مع إسرائيل فعلى المستوى الفلسطيني برزت حركة "حماس" كمقاوم شديد المِراس حقّق نصراً غير مسبوق على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، والواقع أن حركة "حماس" ومن معها من فصائل "كالجهاد الإسلامي" وغيرها تظهر مقاومة شرسة لإسرائيل في حين أن النظام الرسمي الفلسطيني المتمثل في "السلطة الوطنية الفلسطينية" يتبنى منهجاً سياسياً ودبلوماسياً في التعامل مع تبعات هذا الصراع.وفي حين خرجت سوريا ولبنان الرسميتان من الصراع لأسباب مختلفة نجد أن "حزب الله" وهو منظمة لبنانية دينية مدعومة من إيران تتصدى لإسرائيل وتقاتلها كنِد وبالذات عندما اضطرتها للانسحاب غير المشروط من لبنان في عام 2000، كما خاضت معها معركة كبيرة في عام 2006، وها هي الآن تخوض معها "معركة مساندة" للفصائل الفلسطينية في غزة قد يختلف المحللون في قيمتها ولكن المؤكد أن "حزب الله" يُشاغل الآن ما لا يقل عن (25%) من القوة العسكرية الإسرائيلية، كما اضطرها إلى تهجير سكان المستعمرات المقابلة للحدود اللبنانية وهم يزيدون عن (70) ألفاً.وبعيداً عن إسرائيل تخوض جماعة " الحوثي" التي استولت على السلطة في صنعاء معركة "اقتصادية" مع إسرائيل حيث تُلحق بها خسائر غير هيّنة بفعل توقف الصادرات والواردات جزئياً من وإلى ميناء "إيلات" الإسرائيلي، كما تُحمّلها وتُحمّل غيرها ارتفاع كُلف الشحن والتأمين وغير ذلك، الأمر الذي اضطر الولايات المتحدة إلى تكوين تحالف دولي لحماية الملاحة في البحر الأحمر.إنّ الخُلاصة من هذا الاستعراض هي أنه في حين أنّ الدول العربية لم تعد -لأسباب كثيرة لا يتسع المجال لذكرها- هي التي تتكفّل بالصراع مع إسرائيل قامت فصائل أو أحزاب أو جماعات بالتصدي لهذه المهمة، وإذا قيّمنا عملها بموضوعية حتى الآن فإنّ مما لا شكّ فيه أنها استطاعت أن تكون حائط صد قوياً في وجه إسرائيل ومخططاتها للهيمنة على المنطقة، وفرض نفسها كأمر واقع وعلى حساب الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره على ترابه الوطني.إنّ هذه المنظمات والأحزاب والجماعات قد لا تستطيع هزيمة إسرائيل "هزيمة كاملة"، ولكنّها بالتأكيد لن تمكّنها من إحراز "نصر كامل"، وذلك بانتظار متغيرات جديدة تُسعف في إنهاء حالة "الاختلال" في موازين القوى بين العرب وإسرائيل بفعل الدعم الغربي المشهود لإسرائيل، حيث يصبح عندها لكل حادث حديث.
وفي عام 1956 وفي سياق "العدوان الثلاثي" على مصر بسبب تأميمها قناة السويس شاركت إسرائيل كلاً من بريطانيا وفرنسا -وهما إمبراطوريتان استعماريتان- في الاعتداء على مصر بقصد إفشال تأميم القناة وإبقاءَها تحت السيطرة الاستعمارية الغربية، وبمعنى آخر فإنّ الصراع دار بين إسرائيل كشريكة لبريطانيا وفرنسا و"دولة" مصر. وفي عام 1967 قامت إسرائيل بالاعتداء على مصر وسوريا والأردن متعللةً بإغلاق مضائق "تيران" أمام الملاحة الإسرائيلية، وانتهت الحرب باحتلال سيناء المصرية، والجولان السوري، والضفة الغربية من الأردن؛ أيّ أنّ الحرب كانت بين إسرائيل "والدول العربية" أو "الأنظمة" الرسمية العربية.وفي عام 1973 بادرت مصر وسوريا إلى مهاجمة إسرائيل لتحرير أراضيها التي احتلتها إسرائيل في عام 1967، وبغضّ النظر عن نتائج الحرب فإنها كانت بين إسرائيل مدعومةً بالغرب، ومصر وسوريا "كدول" إلى جانب دول عربية أخرى شاركت (كالأردن) بمستوى أو بآخر في هذه الحرب.أمّا ما تلا ذلك فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي فقد تمّ عقد اتفاقيات بين بعض الدول العربية أو أنظمتها الرسمية وبين إسرائيل، حيث تم عقد اتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل في عام 1978، واتفاقية "أوسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في عام 1993، واتفاقية "وادي عربة" بين الأردن وإسرائيل في عام 1994، أما المرحلة الأخيرة في تطور الصراع العربي الإسرائيلي فقد كان عقد اتفاقيات تطبيعية بين بعض الدول العربية وإسرائيل حيث كان آخرها ما سُمي "بالاتفاقيات الإبراهيمية".ولكن التطور الأبرز في سياق الصراع العربي الإسرائيلي كان انتقال هذا الصراع من صراع بين "الدول" العربية وإسرائيل إلى صراع بين "فصائل" أو "أحزاب" أو "جماعات" مع إسرائيل فعلى المستوى الفلسطيني برزت حركة "حماس" كمقاوم شديد المِراس حقّق نصراً غير مسبوق على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، والواقع أن حركة "حماس" ومن معها من فصائل "كالجهاد الإسلامي" وغيرها تظهر مقاومة شرسة لإسرائيل في حين أن النظام الرسمي الفلسطيني المتمثل في "السلطة الوطنية الفلسطينية" يتبنى منهجاً سياسياً ودبلوماسياً في التعامل مع تبعات هذا الصراع.وفي حين خرجت سوريا ولبنان الرسميتان من الصراع لأسباب مختلفة نجد أن "حزب الله" وهو منظمة لبنانية دينية مدعومة من إيران تتصدى لإسرائيل وتقاتلها كنِد وبالذات عندما اضطرتها للانسحاب غير المشروط من لبنان في عام 2000، كما خاضت معها معركة كبيرة في عام 2006، وها هي الآن تخوض معها "معركة مساندة" للفصائل الفلسطينية في غزة قد يختلف المحللون في قيمتها ولكن المؤكد أن "حزب الله" يُشاغل الآن ما لا يقل عن (25%) من القوة العسكرية الإسرائيلية، كما اضطرها إلى تهجير سكان المستعمرات المقابلة للحدود اللبنانية وهم يزيدون عن (70) ألفاً.وبعيداً عن إسرائيل تخوض جماعة " الحوثي" التي استولت على السلطة في صنعاء معركة "اقتصادية" مع إسرائيل حيث تُلحق بها خسائر غير هيّنة بفعل توقف الصادرات والواردات جزئياً من وإلى ميناء "إيلات" الإسرائيلي، كما تُحمّلها وتُحمّل غيرها ارتفاع كُلف الشحن والتأمين وغير ذلك، الأمر الذي اضطر الولايات المتحدة إلى تكوين تحالف دولي لحماية الملاحة في البحر الأحمر.إنّ الخُلاصة من هذا الاستعراض هي أنه في حين أنّ الدول العربية لم تعد -لأسباب كثيرة لا يتسع المجال لذكرها- هي التي تتكفّل بالصراع مع إسرائيل قامت فصائل أو أحزاب أو جماعات بالتصدي لهذه المهمة، وإذا قيّمنا عملها بموضوعية حتى الآن فإنّ مما لا شكّ فيه أنها استطاعت أن تكون حائط صد قوياً في وجه إسرائيل ومخططاتها للهيمنة على المنطقة، وفرض نفسها كأمر واقع وعلى حساب الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره على ترابه الوطني.إنّ هذه المنظمات والأحزاب والجماعات قد لا تستطيع هزيمة إسرائيل "هزيمة كاملة"، ولكنّها بالتأكيد لن تمكّنها من إحراز "نصر كامل"، وذلك بانتظار متغيرات جديدة تُسعف في إنهاء حالة "الاختلال" في موازين القوى بين العرب وإسرائيل بفعل الدعم الغربي المشهود لإسرائيل، حيث يصبح عندها لكل حادث حديث.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/01/04 الساعة 11:26