المقاومة إذ تزرع بذرة فناء الاحتلال.. نقيب الصحفيين الأردنيين السعايدة يكتب
مدار الساعة ـ نشر في 2023/12/31 الساعة 14:37
على الأنظمة العربية أن تدرك أن المقاومة في قطاع غزة زرعت في قلب "إسرائيل" بذرة فنائها، وأسست لتشظٍّ عميق، وزوال صورة الردع والهيمنة، ولتداعي الشعور الجمعي بالأمن.
وما الإجرام الذي يمارسه الكيان في قطاع غزة إلّا محاولة يائسة لشطب صورة الهزيمة في 7 تشرين أول من الذاكرة داخل "إسرائيل" وخارجها، واستعادة صورة القوة القاهرة الرادعة والمهيمنة.
وتظن "إسرائيل" أن الإجرام الانتقامي العقابي سيؤدي إلى: أولاً: منع أي مبادرة شبيهة بـ"طوفان الأقصى" مستقبلا، وثانياً: استعادة شعور الإسرائيليين بالأمن والثقة بقدرة كيانهم على مواصلة التفوق والهيمنة.
هذا ما تظنه "إسرائيل"، لكن الواقع يقول إن "طوفان الأقصى" لن يُمحى من ذاكرة الكيان مهما بلغ إجرامه، فقد أحدث فيه جرحاً غائراً، وحطم الصورة الموهومة للقوة المتفردة إلى الأبد.
وعندما نقول إن المقاومة زرعت في داخل الكيان بذرة فناء، لا يعني زواله بنهاية الحرب، وإنما مفاعيل الهزيمة وتفاعلاتها ستأخذ وقتاً حتى تكتمل عناصر الفناء وتتكامل بما يشبه "أثر الفراشة".
ما الذي نريد قوله..؟
ما نريد قوله أن على الأنظمة العربية التي ما تزال تراهن على "إسرائيل" في كل شؤونها أن تدرك أنها تراهن على حصان خاسر متهالك، غير قادر على حماية نفسه وترميم ذاته، وسيتعمق تداعيه مع خروجه مهزوماً من غزة.
وعلى هذه الأنظمة أن تدقق جيداً في التفاصيل (ألا يكمن الشيطان في التفاصيل..؟) وأن ترى حجم الأثر الذي خلّفه "طوفان الأقصى"، وكيف تشظّى المجتمع الإسرائيلي وبات يعاني انقسامات حادة على مستوياته كافة.
خلافات داخل المستويات السياسية الرسمية، وخلافات في مجلس الحرب، وخلافات بينهما، ومع الشعب وبين الرسميين ومجلس الحرب والقيادات العسكرية، وانقسامات داخل المجتمع ونخبه.
وهي خلافات تتعمق مع كل يوم تغرق فيه "إسرائيل" في رمال غزة، وتزداد خسائرها البشرية، وتدمر آلياتها العسكرية، وتقصف مدنها، وينزح سكانها، ويتدهور اقتصادها، وتخسر حلفاءَ في العالم، رسميين ورأياً عامّاً.
وكذلك انحسار في معدلات هجرة اليهود إلى "الكيان" وارتفاع ملحوظ في الهجرة المعاكسة منه.
كل هذا يُنبِئُنا صراحة بأن الكيان يتداعى من الداخل ويتشظى، ويتقهقر بلا توقف، وأن إجرامه سيزول وتبقى صورة هزيمة 7 تشرين أول عالقة في ذاكرته وماثلة في كل تفاصيل حياته وشؤونه.
إن كياناً لم يستطع حماية نفسه لن يقوى على حماية غيره، هذه حقيقة لا تقبل التجاهل أو التعامي، بل هو آخذ في التحول إلى كيان فائض عن حاجة الغرب، وأميركا تحديداً، بعدما كان، بتقديرهم، قلعتهم للهيمنة على المنطقة وتأمين مصالحهم فيها.
ولا شك أن "ضربة القرن" التي تلقتها "إسرائيل" أصابت أميركا ذاتها، وردة فعلها منذ بداية العدوان بمنح الكيان الغطاء العسكري والسياسي ما هو إلاّ تأكيد لإدراكها حجم الانعكاسات السلبية عليها وعلى مصالحها وطبيعة وجودها وتأثيرها في المنطقة.
لهذا واشنطن مشغولة اليوم، وعلى نحو فج، بمحاول إنقاذ الكيان المتهالك من ورطته، وتسعى لتمكينه من استرداد صورة الردع التي طالما وظفتها أميركا في خدمة مصالحها على مستوى الإقليم والعالم.
وفي إطار فهمها أن الفصل بين "إسرائيل" ورئيس ائتلافها الحكومي بنيامين نتانياهو، أساسي في عملية الإنقاذ، على أمل إزاحة نتانياهو وحلفائه المتطرفين من الواجهة السياسية، كي تتمكن من إعادة ترتيب النخبة السياسية الحاكمة في الكيان والاتفاق معها على مقاربة عسكرية وسياسية موحدة في التعامل مع قطاع غزة.
ذلك لن يكون سهلاً على أميركا، ولن تنجح في إيجاد مقاربة إنقاذ حاسمة، فمهما عدلت وبدلت وقاربت فلن تنزع بذرة فناء الكيان لأسباب كثيرة، ليس أقلها أن المقاومة التي تفوقت على نفسها باتت طرفاً له كلمة ورأي في الصراع ومعادلاته، وحتما نتائجه.
نعم، وجه المنطقة يتغير ويجري ترسيمه من جديد، ولم تعد الريشة الأميركية "الإسرائيلية" وحدها ترسم ملامحه وتحددها، فاليوم هناك شركاء مناقضون يرسمون أيضاً؛ يشطبون مشاريع، ويؤثرون في أخرى.
وهذا حال يستدعي سؤالاً: أليس هذا الواقع جدير بدفع الدول العربية لتصميم مقاربة مختلفة حيال "إسرائيل" المتداعية المتشظية، وحتى أميركا ذاتها؟.. مقاربات متفهمة أن الاتفاقيات السلمية فقدت قيمتها، وأن الاتفاقيات التطبيعية فقدت مبرراتها ومعناها، وأن التبعية للوهم والخضوع له لا جدوى منها..
مدار الساعة ـ نشر في 2023/12/31 الساعة 14:37