عن مقالة 'نتنياهو'.. في 'وول ستريت جورنال' الأميركية؟

محمد خروب
مدار الساعة ـ نشر في 2023/12/27 الساعة 01:59

في وقت تواصل فيه آلة الحرب الصهيواميركية حرب الإبادة الجماعية, التي تشنها على قطاع غزة بدعم أميركي مفتوح ومُساندة أوروبية مُعلنة، وفي الآن ذاته تصم إدارة بايدن وفريقه المُتصهّين في وزارة الخارجية وخصوصاً البنتاغون آذانهم عن الدعوات الدولية المُتصاعدة, بما فيها المنظمات الصحية والإغاثية, لوقف هذه الحرب الإجرامية على القطاع المنكوب، اختار رئيس الحكومة الفاشية/مُجرم الحرب نتنياهو, صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية, المعروفة بمواقفها المُتطرفة المُساندة بلا تحفظ للرواية الصهيونية كي يكتب فيها مقالة عنصرية وقِ?ة, أعاد فيها بغطرسة وصفاقة, اصراره على المضي قدماً في حربه الإبادية, واضعاً «ثلاثة» شروط أساسية (كما وصفَها) لوقف النار, أولها أنه لا بُد من تدمير حماس, وثانيها لا بد من نزع سلاح غزَّة, أما ثالثها فهو «جديد» في دفتر شروط هذا الفاشي المُتعالي إذ قال: لا بد من استئصال التطرّف في المجتمع الفلسطيني».

وإذ مضى نتنياهو إلى ترويج أكاذيبه وبخاصة الزعم بأنّ إسرائيل تبذل قصارى جهدها, لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين إلى الحد الأدنى. مُدعياً أن ذلك يتم عن طريق إسقاط المنشورات وارسال الرسائل النصِّية, لتحذير سكان غزة للابتعاد عن الخطر. فإنه لم يتردّد في الوقت ذاته عن دعوة ما أسماه «المجتمع الدولي إلى القاء اللوم بشكل مباشر على حماس عن الخسائر البشرية»، مُستعيراً الإسطوانة الصهيواميركية المشروخة ونظرية تفوّق الرجل الأبيض, التي تتحدّث عن النور والظلام والخير والشر, مُضيفاً بغطرسة: إن اسرائيل تخوض «المعركة الأكبر ف? الحرب الحضارية ضد البربرية». شلّال الأكاذيب الذي بثه نتنياهو في مقالته المسمومة لم يتوقف, إذ اختلق خبراً مفاده أنَّ قادة حماس تعهّدوا بتكرار معركة «فيضان الأقصى«, كي يقول: إن القضاء عليهم (أي قادة حماس) هو الرد «المتناسب الوحيد» لمنع تكرار ذلك، زد على ذلك ان نتنياهو لم يكتفِ بشروطه الثلاثة «الأساسية» كما وصفها، بل ذهبَ بعيداً في وضع المزيد من الاشتراطات والقيود مُكرِّراً ما كان تم الترويج له من «مبادرات», في الشهر الأول من حرب الإبادة الصهيواميركية. قائلاً: يجب أن تكون غزَّة «منزوعة السلاح»، ويجب على إسرا?يل أن «تضمن عدم استخدام المنطقة مرة أخرى كقاعدة لمهاجمتها»، كاشِفاً عن جوهر «نواياه» الأخرى لليوم التالي للحرب, إذ أضاف أن نزع السلاح من غزة «سيتطلب إنشاء منطقة أمنية مؤقتة على محيط غزة (يقصد منطقة عازلة), إضافة إلى إنشاء «آلية تفتيش» على الحدود بين غزّة ومصر تُلبي «إحتياجات إسرائيل الأمنية وتمنع تهريب الأسلحة».
لم تسلم سلطة الحكم الذاتي في رام الله (شريكة في اتفاق أوسلو/والتنسيق الأمني) من سهام هذا الفاشي الصهيوني, إذ تعهد – في مقالته – بـ«عدم السماح للسلطة الفلسطينية بلعب أي دور في مستقبل غزَّة»، مُعتبِراً بل مُستهتراً بها بقوله: قيام السلطة الفلسطينية بنزع سلاح غزة هو «مجرد حُلم»، وهي - أضافَ – تقوم حالياً بتمويل وتمجيد الإرهاب في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)».
في نهاية مقالته عاد ليُكرر الإسطوانة الصهيواميركية/الأوروبية عن المناهج الفلسطينية قائلاً: لا بُد من «إستئصال التطرّف» في غزة، ويتعيّن على المدارس أن تُعلّم الاطفال «كيف يَعتزّون بالحياة بدلاً من الموت»، ويجب على «الأئِمة أن يتوقّفوا عن الدعوة إلى قتل اليهود».
والحال هذه لم يبقَ على نتنياهو سوى أن يطلب من الفسلطينيين كافة «عَبرَنة أسمائهم»، والقبول بأن يكونوا مُجرد حطّابين وسقّائين في «الدولة اليهودية الديمقراطية» كما عرّفها قانون القومية الذي أقره الكنيست في تموز 2018, مانِحاً اليهود «وحدهم» حق تقرير المصير في أرض إسرائيل الكاملة من النهر إلى البحر.
ربما يكون من المُفيد العودة إلى نص كلمات نشيد هاتكفا/ الأمل بالعربيّة (الذي يُوصف بأنه النشيد الوطني لدولة العدو الصهيوني)، كي تتضح صورة هذا الكيان العنصري الاستعماري (ناهيك عمّا تحفل به مناهجهم الدراسية وكتبهم الدينية, من احتقار لكل ما هو غير يهودي), والتي يختصرها قول الارهابي/مناحيم بيغين: بان «الغوييم/اي الاغيار غير اليهود, انما خُلِقوا لخدمة اليهود»،. فتخيلوا ان ازيد من ثمانية مليار نسمة في العالم, انما خلقوا كي يخدموا أتباع ديانة (وليس شعباً) لا يزيد عددهم عن 20 مليون نسمة في أفضل الأحوال.
** استدراك:
في دراسة بحثية أجراها الباحث وأستاذ علم النفس في «جامعة تل أبيب» شاؤول كيمحي، لقراءة شخصية نتنياهو, عبر كتبه وخطاباته ومقابلاته الصحافية وأفكاره وتصرفاته وسلوكه، توصّل إلى أنّه ذو شخصية egocentric تلتف حول ذاتها وترى في ما تفعله صواباً مُطلقاً. يسعى نتنياهو إلى تحقيق النجاح الشخصي على حساب الأيديولوجيا ولا يتردّد في استغلال الآخرين من أجل تحقيق مبتغاه، فهو يسعى إلى السيطرة تحثّه رغبة عالية للبقاء في السلطة. يشرح الباحث أنّ نتنياهو يُعاني التوتر المفاجئ الذي يجعله يشعر بعدم الأمان والخوف من الفضيحة ووسم الآ?رين له بالفشل، وإنّ توتره وخوفه يجعلانه مُضطرباً ومُتسرّعاً في التعامل مع الأحداث غير المتوقعة، حتى أنّه قد يقدّم وعوداً كبيرة غير واقعية أو يوقّع اتفاقيات من دون تأنٍّ في دراستها. الخِداع والتضليل هما لعبة نتنياهو، فهو يجيد الخطابة والتحدث مع الصحافة باستخدام اللغة التي تتناسب مع مصالحه والسردية التي يريد تصديرها، فلا يتوانى عن فبركة الأخبار واختراع أحداث غير حقيقية, تسهم بنسبة معينة في دعم موقفه.

مدار الساعة ـ نشر في 2023/12/27 الساعة 01:59