د. محمد المومني
وصل الأردن حد الإشباع باللاجئين. هذه حقيقة لا يستطيع أن ينكرها أي منصف أو موضوعي، مدعومة بالأرقام أن الأردن فيه ما يزيد على ثلث السكان البالغ 11 مليون نسمة من اللاجئين المسجلين سواء كان ذلك في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أو وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى الأونروا. من هؤلاء اللاجئين من هم مواطنون أردنيون كاملون، وحملهم لصفة اللجوء وتسجيلهم بمنظمة الأونروا لا ينتقص من مواطنتهم شيئا، بل يدفع الأردن للدفاع عن حقوقهم أكثر كونهم لاجئين ولأنهم مواطنون أردنيون. هذا العدد الكبير من اللاجئين في الأردن جعل الملك يكرر دوما الحديث عن اللاجئين كأزمة عالمية وشرق أوسطية وتحد يتعامل معه الأردن يوميا، ويشدد على إنسانية اللاجئ وخطورة تركه بلا إسناد لأن ذلك سيفتح الباب لقوى التشدد والتطرف كي تستغل عوزهم وصعوباتهم الحياتية لتجندهم، ليكونوا جزءا من التشدد والتطرف مع انهم ضحايا للعنف والحروب التي تستعر في المنطقة والعالم.
هذا فحوى ما قاله جلالة الملك في خطابه في جنيف المخصص للاجئين السوريين مستثمرا الفرصة للحديث عن غزة واللاجئين والنازحين فيها، فهذا أيضا يرتب أعباء وواجبات على العالم القيام بها. الملك قال هذا أيضا في خطابه في سبتمبر الماضي وأكد أن الأردن يقوم وسيقوم بواجبه تجاه اللاجئين لان الأردن بتاريخه العروبي والإنساني والهاشمي المعروف في السقاية والرفادة منذ فجر التاريخ، لكن الملك أكد أن الأردن لا يجب ولا يمكن أن يترك وحيدا في مواجهة أزمات اللجوء، فهو يقوم بهذه المهمة النبيلة والكبيرة بالنيابة عن المجتمع الدولي وليس لانها مسؤوليته وحده. ما يحدث عمليا ان المجتمع الدولي أصيب بالانهاك من تمويل خطط تمويل اللجوء السوري ناهيك عن أزمة اللجوء الأوكراني التي قفزت كأولوية لأوروبا. كانت نسب تمويل خطط التمويل تصل لما يزيد على التسعينيات بالمائة، بقيت بالتناقص لتصل هذا العام إلى 13 % فقط، أي ان الباقي يتحمله الاقتصاد الأردني من تمويل من الخزينة وضغط على البنية التحتية والمدارس والمياه وكل ما يحتاجه اللاجئون الذين يعيشون في الأردن. ذات النقص في التمويل ينطبق على وكالة الأونروا التي تواجه نقصا حادا سنويا في التمويل، يجهد الأردن وهو يستحث الأمم على سده مثل السويد التي وقفت مع الأردن في هذا الشأن وقفة تاريخية.
نقاش اللاجئين مهم وحساس لا سيما ونحن نرى خطابا إسرائيليا يمينيا متطرفا يدعو للتهجير، وكان هذا جزء من الخطاب السياسي الإسرائيلي الرسمي في بدايات الازمة، ولولا موقف الأردن ومصر الصلبين لما توقف ذلك. مهم أن لا نخلط ما بين استقبال الأردن للاجئين وهو ما يعتبره واجبا أخلاقيا وإنسانيا وعروبيا، وما بين تعبيره عن القناعة أن العالم أدار ظهره لدعم اللاجئين، وفي ذات الوقت أن الأردن لن يقبل دعوات التهجير وسوف يتصدى لها بكل ما أوتي من قوة. هذه المواقف والرسائل تتكامل ولا تتناقض، ويجب أن تقرأ كوحدة واحدة.