القس عازر يكتب: لماذا ينتفضُ العربُ المسيحييونَ الأردنيون؟

القس سامر عازر
مدار الساعة ـ نشر في 2023/12/17 الساعة 22:44
ليس غريباً مصطلح انتفاضة عن الفكر المسيحي، فالمسيحية أصلاً هي انتفاضة في وجه كلِّ أشكالِ الظلمِ والقهرِ والتمييزِ والعنصريةِ والفسادِ والتسلُّطِ والكبرياءِ واستغلالِ الضعفاءِ واستعبادِ الشعوب.
فالمسيحية هي أصلاً دعوة للحرية والعدالة والكرامة، وهذا ما أكد عليه أصحاب المبادرة العربية المسيحية الوطنية التي تم إشهارها يوم الأربعاء بتاريخ 13/12/2023 في الجمعية الأرثوذكسية في جبل الويبدة وسط تغطية إعلامية واسعة، لتؤكد على الثوابت الوطنية والعروبية الثابتة التي يتمسك بها أصحابُها ويتمسك بها الأردنيون المسيحييون مع إخوتِهم الأردنيين المسلمين في حق الشعب الفلسطيني أن يحيا بحرية وعدالة وكرامة على أرض آبائه وأجداده، وضرورة إنهاء الإحتلال الذي يُمارِسُ أبشع الممارسات الوحشية ضد أبناء شعبنا العربي الفلسطيني في غزة والضفة، والعمل على تهجيرهم قسراً بالترويع والترهيب والتنكيل والإبادة الجماعية للدفع بإتجاه تصفية القضية الفلسطينية على حساب الشعبين الشقيقين والتوأمين الفلسطيني والأردني، الأمر الذي تنبهت له القيادة الهاشمية والدولة الأردنية مبكراً وأعلنها صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم من البداية بلاءاته الثلاثة: لا للتنازل على القدس، لا للتوطين ولا للوطن البديل، وحديثاً أعلن لاءاته الجديدة: لا للتهجير، لا للإبادة الجماعية، لا لتصفية القضية الفلسطينية، وبأن أي تهجير هو بمثابة إعلان حرب.
وتأتي هذه المبادرة العربية المسيحية الوطنية لتقف صفاً واحدا مع الإخوة المسلمين في خندق العروبة، وخلف القيادة الهاشمية المظفرة ومواقف الحكومة الأردنية الثابتة في مساعيها، ليس فقط من أجل وقف العدوان السافر على أهلنا في غزة وفي الضفة، وفتح المعابر وإيصال المساعدات والإغاثة الطبية والإنسانية العاجلة ، بل لتؤيِّدَ جهود الدولة الأردنية الموصولة وعلى رأسها جهود صاحب الجلالة الهاشمية في السعي للحل السياسي الذي يُفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتِها القدس الشريف، بحسب المبادرة العربية وقرارات الأمم المتحدة وإتفاقيات السلام، مما ينهي الإحتلال غير الشرعي وغير القانوني، ويهيئ لعودة الإستقرار والسلام والأمن في المنطقة والعالم.
إن إبرز ما تم الإفصاح عنه في هذا المؤتمر الصحفي هو ضرورة تنقية الفكر المسيحي واللاهوت المسيحي المستقيم من الفكر المنحرف الذي يشّرع إحتلال فلسطين بفكر ديني ونصوص دينية خارجة عن سياقها التاريخي والإنساني والأخلاقي، ومحاولة بث هذا الفكر في شرقنا العربي لخلقِ هوةٍ وشرخٍ بين أبناء العروبة الواحدة، ومحاولة تغريبِ العربي المسيحي عن بلاده وعن مقدساته وعن أرض المسيح وأرض الأنبياء والرسل، وبالتالي دفع العربي المسيحي للهجرة إلى الغرب، وكذلك يسعى هذا الفكر المنحرف في إيجاد الدعم والتعاطف الغربي المسيحي في شرعنة الإحتلال وضرورته، والذي بحد ذاته يعتبر جريمة ضد الله وضد الإنسانية كما جاء في أهم وثيقة لاهوتية فلسطينية تدعى وقفة حق " وثيقة كايروس" . ومهما كانت التسيمية والتي أصبح تدوال مصطلح" المسيحية المتصهينة" الأكثر شيوعاً بينها، إلا أن هناك رفضاً قاطعاً لهذا الفكر المنحرف الذي يُجيّر النصوصَ الدينيةَ ويفسِّرُهَا ويؤَّوِلها لتخدم مشاريعه السياسية. لذلك تقف هذه المبادرة العربية المسيحية الوطنية لتقول، إن هذا الفكر ومن يحمل هذا الفكر لا يمثلنا ولا يمثل المسيحية المشرقية ولا حتى المسيحية النقية شرقاً وغرباً، فالمسيحية بريئة ممن يحاول تجييرها وتسخيرها لمصادرة حرية الفلسطينيين وحقهم في الحياة الكريمة والعيش بكرامة إنسانية وحقهم في تقرير مصيرهم.
إنطلاقة المبادرة شكَّلِ حدثاً إعلامياً قوياً، فماذا بَعْدْ من أدوات واستراتيجيات تحقيقاً لأهداف هذه المبادرة الوطنية؟
مدار الساعة ـ نشر في 2023/12/17 الساعة 22:44