ابو زيد يكتب: الشهادة من نقطة الصفر

زيد ابوزيد
مدار الساعة ـ نشر في 2023/12/14 الساعة 14:48

الشهادة في فلسطين لها طعم آخر لدى كل أردني، فمنذ إستشهاد المناضل الأردني كايد مفلح العبيدات عام 1920 على ثرى فلسطين توالت قوافل الشهداء الأردنيين حتى أنك لا تجد منطقة في فلسطين لا تحتضن قبورًا لشهداء الأردن المناضلين المنافحين عن الحرية والعدالة والدفاع عن ثرى الأردن وفلسطين من المدنيين المقاومين ، أو جنود وضباط الجيش العربي المصطفوي الذي قاتل في اللطرون وباب الواد والكرامة وفي حواري القدس دفاعًا عن المدينة المقدسة التي تسكن قلوبنا جميعًا، ومن الجميل انَ كل قبيلة أردنية أو عائلة تكتشف قبرًا لشهيد عسكري أردني في فلسطين تشعر بالفخر، فالشهادة على ثرى فلسطين المباركة لها طعم آخر فأرض الحشد والرباط هي في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، فليس غريبًا ان تسمع في وسائل الإعلام كافة حديثًا لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، ومن قبله المغفور له بإذن الله الملك الباني الحسين بن طلال طيب الله ثراه، ومن قبله الملك الشهيد على باب القدس الشريف عبدالله الأول أن فلسطين قضية الأردن، وهي خط أحمر ودرتها القدس الشريف، وكيف لا يكون ذلك ووصاية هاشمية كريمة تشمل مقدسات فلسطين.

واليوم وفي ظل الحملة الصهيونية العسكرية الهمجية على غزة والضفة الغربية منذ مطلع أكتوبر لعام 2023، فالشهادة أيضا لها طعم ورائحة المسك للفلسطينيين، فالشهادة للمقاتل والمدني من نقطة الصفر دائمًا، فالمقاتل يخرج للعدو الصهيوني المحتل من فوق الأرض وتحت الأرض ومن كل شارع وبيت، والمدني يستقبل القصف بالصواريخ والقنابل الموجهة والمدفعية بصبر وصمود وكلها من مسافة الصفر، وهكذا أصبحت أرض فلسطين مجبولة بدماء الشهداء في غزة وجنين وطولكرم ونابلس والخليل والقدس وكل فلسطين، كما كانت دومًا ، فهذا قدرها عبر التاريخ.
في فلسطين يرحبون بالشهادة وكأنها ضيف عزيز قادم للزيارة بعد طول إنقطاع، وكأنها تعيدنا إلى زمن كانت فيها الشمس لا تغيب عن أمتنا، وتذكرنا بالشهيد الأردني المقاتل في الجيش العربي المصطفوي عندما أبلغ سلاح المدفعية إقصف موقعي لأن جنود الإحتلال الصهيوني كانوا يحيطون بموقعه فاشترى الشهادة باعتداد وفخر ومجد، واليوم في ظل هلوكوست غزة الذي تنفذه منظمة الجيش الصهيوني في غزة يخرج طفل من تحت الركام الذي أحدثته موجات القصف الصهيوني للأبرياء المدنيين من نساء وأطفال أبرياء بتحدي عجيب أسطوري ليقول رغم جراحه واستشهاد أبويه لن نستسلم ولن نغادر أرضنا ونتركها للمحتل.
وعبر تاريخ الشعب الفلسطيني المقاوم والصامد لتحرير أرضه فعندما يستشهد أي مناضل فسطيني تجد في كل بيت حنينًا للشهادة في سبيل الله والوطن، فهذا شعب لن يستسلم للقتل والتهجير، والامثلة كثيرة على الشهادة للفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها، ولا زالت ذكرى إستشهاد رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وأحد قيادات النضال الفلسطيني التاريخيين زياد أبوعين ماثلة كغيرها للعيان ، فبعد موقف بطولي سجله في وجه عتاة الظلم الصهاينة في تظاهرة سلمية كان يشارك فيها في بلدة ترمسعيا برام الله قبل سنوات تم قتله من قبل جنود الإحتلال الصهيوني بدم بارد، ويبدو أن هذه الشهادة كغيرها من مآس ماضية، وأخرى ماثلة، وربما أخرى قادمة، ستستمر في ظل موقف عالمي عاجز، وهنا يحضرني بيت للشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود في فلسطين وهو يقول:
وسابقت النسيم ولا افتخار أليس عليَ أنْ أفدي بلادي
فالشاعر و وابوعين وكل شهيد على أرض فلسطين ضحية وشهيد، فالأول سَطَر بدمائه انشودة المجد، والثاني قدَم نفسه قرباناً لأمته دفاعاً عن الاقصى والزيتون والأرض التي بارك الله حولها وفيها، فصدق فيهما قول القائل:"والجود بالنفس أقصى غاية الجود".
وإذا كان كمال عدوان و ابوجهاد واباعمار وابوعلي مصطفى الذي تم اغتياله في مكتبه برام الله، وسامي ابوغوش والاديب ماجد ابا شرار ، وفنان الكاريكتير ناجي العلي صاحب رسم حنضلة الشهير، وغيرهم الكثير قد سبقوا زياد ابوعين وشهداء حروب إسرائيل الغاشمه على غزة والضفة كل سنتين او ثلاث إلى الشهادة من أجل أنْ تعيش فلسطين ، فقد اختار شهداء فلسطين قبل الشهادة ظلام السجون الصهيونية ، وقهر الأيام حتى لا يتخذ ظالم غشوم ، مُسلَح بكل أدوات القتل و التخريب ، استكانة أهل فلسطين سبيلاً الى تهويد ما تبقى من الأرض والشجر والهواء والماء والبشر وحتى الحجر.
لقد قتل جيش الإحتلال الصهيوني في حربه الاجرامية الحالية بدم بارد آلاف الأطفال والنساء والشيوخ ودمر المساجد والكنائس والمستشفيات والمدارس وهذا عهدنا بهذا المحتل الصهيوني الغاشم، ولكن الشهادة دائمآ ما تكون من نقطة الصفر تحديًا أو في المواجهات المباشرة، فليس في فلسطين من يهرب من المواجهة رغم كل التحديات التي واجهت هذا الشعب المظلوم.
شعب فلسطين يحب الحياة ويريد الحرية والعدالة ،وكان يزرع الحياة في كل مكان بينما جيش الإحتلال الصهيوني يزرع الموت والخوف والدمار في كل مكان، ولنا في قتل أهل غزة وحصارها وتجويع أبنائها خير مثال على وحشية نظام الفصل العنصري الصهيوني.
لقد كانت قضية مصادرة الأراضي وتهويد البلاد والعباد و إقامة جدار الفصل العنصري الذي أقامته سلطات الاحتلال واقتحام المسجد الأقصى المبارك محرك المقاومة الفلسطينية لطوفان الأقصى والسبب الرئيس لكل العنف والتصعيد وتأجيج الصراع كما حدث دومًا ، فشعب فلسطين طلب السلام مقابل دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس ، ولكن سياسة الكيان الصهيوني شكلت تمثيلًا لسياسة التسلط والظلم، وسقوطا لميزان العدالة في كيان قام على القهر والظلم والاستبداد، والعالم يقف متفرجًا على انتهاكات تجاوزت العقد السابع بسنوات لتكون الشهادة لكل فلسطيني عنواناً آخر على شدة القمع والتجبر حتى على سلمية التظاهر.
لقد أثبتت القوانين الدولية في أصولها ، والدساتير الحكومية في نصوصها وملحقاتها ، أن ما يحدث في فلسطين انتهاك وتجاوز ، ولكن عندما يتعلق الامر بالعربي أو المسلم يقولون فيه " لكم دينكم ولنا دين " خاصة إذا كانت إسرائيل الغاشمه هي الطرف الآخر.
إنَ الذين يرسمون السياسة في عصرنا قد غرتهم القوة ، واستمرأوا الظلم ، وما عاد يهمهم إلا مصالحهم على حساب الشعوب الصغيرة والضعيفة ، وأما الشعب الفلسطيني ، فإن روحه قوية قوة جبال الجليل وجبل الشيخ ،وصدره واسع اتساع صحراء النقب وامتداد سواحلها ، وما من أمَة فيها مثل هؤلاء الشهداء ستموت ،فهي الأرض قلبها صخر ، ولكنه معطاء يتصبب منه الماء بقوة النهر العظيم، وستستمر الشهادة الجديدة من نقطة الصفر حتى تحرير الأرض كما ستستمر المواجهات من نقطة الصفر ليعلم كل معتدٍ أثيم ان شعب فلسطين لن يستسلم.

مدار الساعة ـ نشر في 2023/12/14 الساعة 14:48