شبح التهجير.. مجدداً.. نقيب الصحفيين الأردنيين راكان السعايدة يكتب

راكان السعايدة
مدار الساعة ـ نشر في 2023/12/11 الساعة 17:59

تصريحان مهمان عن تهجير أبناء قطاع غزة إلى مصر صدرا عن شخصيتين أجنبيتين فاعلتين؛ المفوض العام للأونروا، ومسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي.

يقول المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني في مقال نشرته صحيفة (لوس أنجليس تايمز) "إسرائيل تمهد الطريق لطرد سكان قطاع غزة جماعيًا إلى مصر عبر الحدود".
كذلك قال مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في تصريحات صحفية: "القصف يستمر على غزة بكثافة غير عادية والآلاف يُدفعون إلى الحدود مع مصر"، ويدعو إلى "منع تهجير الناس من غزة".
هذان التصريحان أو التحذيران قيمتهما أنهما صدرا عن مسؤولَين على رأس المسؤولية، ومن هو في موقع المسؤولية لا يطلق تكهنات ولا يتحدث عن احتمالات.
أي؛ ما يقوله المسؤول ويصدر عنه، عادة، ليس مثل قول محلل أو مراقب، بمعنى أن تصريح المسؤول يبنى على معلومات وتقييمات تنتهي إلى استنتاجات وخلاصات تسندها معطيات الواقع.
لذلك، وكما قلنا وكتبنا من قبل، "إسرائيل" تعمل وفقاً لمخطط، لا تعلن عنه ولا تصرح به، مخطط يستهدف تهجير أبناء قطاع غزة إلى سيناء المصرية.
وهي تتصرف، عسكريًا، على أساس هذا المخطط؛ دفعُ الناس من شمال القطاع إلى جنوبه، ومن ثم ستَحشر الجميع على حدود مصر، وبما يضع القاهرة أمام مسؤولية أخلاقية وإنسانية يصعب تحديها وعدم الاستجابة لها.
فالإبادة الجماعية، والتدمير المنهجي لكل مقومات الحياة في قطاع غزة لا تشي بشيء غير مخطط التهجير، لتحقيق أمرين، الأول: عودة السلطة المحتلة الحاكمة إلى الإسرائيليين بصورة نصر، والآخر: إنفاذ مشروع ضم القطاع.
و"إسرائيل" في سياق هذا المشروع الصهيوني اليميني المتطرف تقاوم كل الضغوط، فهي لا تلقي بالاً للرأي العام العالمي، ولا لمتغيرات مواقف حكومات غربية، ولا لنصائح حليفتها أميركا.
من هنا؛ يمكن أن نفهم ترك "إسرائيل" أهداف عدوانها على قطاع غزة مبهمة وغير مفصلة ومحددة بدقة، أي تركت أهدافها مفتوحة وبخاصة القضاء على حماس، عسكريًا وحكمًا مدنيًا، للمراوغة والمماطلة.
ويراهن الاحتلال على تفاهمات تحتية مع أميركا التي أيضًا لا يمكنها أن توافق على وقف إطلاق النار في إطار الواقع الحالي، فهذا ضد مصالحها ومشاريعها في المنطقة.
وإذا ما أسسنا فهمنا وتقييمنا، وفقا للتصريحين الأخيرين للمسؤولَين الغربيين، فلا بد وأن يلعب الفأر في جنباتنا حيال ما يمكن أن تفعله "إسرائيل" في الضفة الغربية.
والأردن هو المعني تمامًا بمآلات الأوضاع في الضفة الغربية، وبما يمكن أن تحمله الذهنية الإسرائيلية التي قد تستثمر وتوظف حربها في قطاع غزة وعملياتها في الضفة لتهجير سكانها.
وتكون بذلك "إسرائيل" طوت حل الدولتين الذي ترفضه أصلًا، ولا تستجيب لكل المطالب والضغوط الدولية والأممية بشأنه، وهي كذلك ترفض بالمطلق فكرة حل الدولة الواحدة.
على الأردن أن يسأل نفسه سؤالًا واحدًا: إذا كانت إسرائيل ترفض حل الدولتين وترفض حل الدولة الواحدة، فما تصوُّرها لمصير الضفة الغربية وقطاع غزة؟
الجواب موجود في الأدبيات الصهيونية، وفي مقررات حزب الليكود، وفي تفاهمات الائتلاف الحكومي المحمول على تيار القوى المتطرفة دينيًا وسياسيًا.
الأمر لا يحتاج إلى كبير عناء لفهم تداعيات ما يجري وأبعاده والمخفي في ثناياه.. الأمور واضحة تمامًا وجلية، مجابهتها والتصدي لها يكون بخطة أردنية- مصرية منسقة ومحكمة لإفشال الخطة الإسرائيلية على أرض غزة.
خطة تقوم وتستند على أن المسألة أمن قومي للبلدين، وهي لا تقبل التراخي ولا التهاون ولا التعلق بوعود أميركا، الحليف الذي لا يمكن الوثوق به، ولا يجب الوثوق به؛ فلقد جُرِّب، وآخر ما جُربت به أميركا ما سمي الربيع العربي ونتائجه..

مدار الساعة ـ نشر في 2023/12/11 الساعة 17:59