معنى الأنوثة
مدار الساعة ـ نشر في 2023/12/06 الساعة 01:34
استغرب من مدونة أردنية -وأنا لا أعرف من أين جاءوا بهذا المصطلح- تلمح على المقاومة الباسلة, يا الله كم يجرح قلبي حين يرجم أحدهم المبادئ... وكم أندم على مهنة احترفتها وصار كل من لا مهنة له ينتسب لها..
على كل حال, لو تدري هذه المدونة أن زمنا سيمر على الأمة, وتتوضأ فيه العروبة بدمع النساء في غزة, دمعهن على الأقل أطهر ما أنتج الزمن العربي.. وأنقى ما عرفت الدنيا..
لو تدري هذه المدونة.. أن هنالك فارقا كبيرا, بين التي تسكن في حي الشجاعية, وحين ينهمر السقف على رأسها جراء القصف, ترمي بجسدها فوق الأولاد من أجل نجاتهم.. وتسقط هي شهيدة, ومن ينجو طفلها الأصغر بينما يستشهد كل من في المنزل... وحتما سيكبر هذا الطفل وسيكون منذورا للقضية والتراب الحر.. حتما سيكبر, وسيكون في الدنيا نجما لا عبئا, سيكون حرا لا مقيدا.. وسيكون الفلسطيني الخضيب دما, والأهم أنه سيقتص من الكف التي وجهت القذيفة لسطح منزلهم وقتلت أمه, حتما سيقطع تلك الكف.
لو تدري هذه المدونة.. أن الذين يدفعون دمهم الان على شاطئ غزة, ليسوا مثل الذين يمضون ليلهم في المطاعم الفاخرة, ويتباهون بمهنة الزوج ومهنة الشقيق.. لو تدري أن دم الشهيدات المطهرات في غزة سينطق ذات يوم, ولن يكون النطق صرخة أو عويلا.. بل سيكون نداء محكمة لكل ضمير جمد, ولكل يد تخاذلت ولكل بندقية صمتت, ولكل نفس مارست الشماتة... حتما دم الطاهرات النقيات في غزة سينطق, وستنهار الشوارب.. والجدران وستنهار كل القيم الملوثة وكل الادعاءات الزائفة.
لو تدري هذه المدونة.. أن التي رفعوها من حي الشيخ رضوان وهي تصلي, رفعوها على الحمالة, وربما لم تكن قد أكملت الركعة الثانية من صلاة العصر, ستكمل صلاتها في الجنة حتما.. ومن قصفوها سيكملون العمر في جهنم, لو تدري.. أن خصلات شعرها المخبأة تحت (اليانس) أثمن من كل أمواج المتوسط, وأن سبابتها التي كانت ترتفع للتشهد أعلى من قمة (ايفرست) ومن كبرياء أمريكا وغرورها.. وأعلى من أنف الثورة الفرنسية, وأعلى من كل الكتب.. لو تدري أن إغفاءة عينها وهي تقرأ: (والضحى والليل إذا سجى) قادرة حتما على هدم المحيط المتجمد الشمالي, وهدم?كل الدنيا على رؤوس من خذلوها, ومن تركوها للنزف والشهادة والمصير المؤلم.
لو تدري هذه المدونة.. أن نساء غزة حين غادرن الشمال باتجاه خان يونس, كان الرمل يذوب من الخطى النبيلة, وكان الموج يريد أن يرحل إليهن كي يخفف من تعب المسير.. كاد النخل أن يحني سعفه قليلا إليهن كي يرد عن الوجوه الصابرة المحتسبة بعض حرارة الشمس.. لو تدري هذه المدونة.. أن الحناء مستقبلا سيخجل من شعرهن, ولا أظن أن الخصل الطاهرة تحتاج للحناء.. ولا أظن أن سيدات غزة بعد اليوم يحتجن للتزيين بالذهب أو الحلي, إن الأرحام التي تنتج الشهداء والمقاومة والبطولة.. عند الله أثمن من كل متاع الدنيا, وأطهر من كل دم, وأشرف من الش?ف ذاته.. وأكبر من زحل.
يقتلني أن يخرج من بيننا من يدين الشرف من يدين البطولة من يدين الفداء, يقتلني أن يخرج من بيننا.. من يمتهن الحياد, إن الحياد في هذه الحالة خيانة مطلقة.
ذات يوم وبعد الانتصار المؤزر, سنمر على قبور النساء في غزة... على القبور الطاهرة, وحتما سنشم رائحة العنبر تفوح من التراب, وحتما سنقرأ الفاتحة... وسنخبر العالم أن البطولة ولدت من هنا, وأن معنى الأنوثة لا يكتمل إلا هنا, وأن الشهداء لهم أضرحة.. تكتحل بها عيون الأولياء والنجباء وعيون الصالحين...
مدار الساعة ـ نشر في 2023/12/06 الساعة 01:34