جيل (z) – حجة اقوى، وتأثير اعمق

جهاد يونس القديمات
مدار الساعة ـ نشر في 2023/12/05 الساعة 14:58

يستمر جيل (z) في ابهارنا بحججه القوية، وتأثيره العميق، في العالم الافتراضي ليمتد للعالم الواقعي بجدارة، مما يجعل من هذا الجيل قوة ناعمة يصعب تجاهلها في تشكيل مستقبل امتنا الاجتماعي والثقافي والسياسي.

يشير مصطلح جيل (Z) الى المواليد عام 2000، الذين ولدوا في ظل تكنولوجيا الإنترنت، والهواتف الذكية، ولديهم حضور قوي في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، ويصنعون محتوى يستحق المتابعة والنشر، لما فيه من قضايا مهمة، تتناول مجتمعاتنا بحرفية منقطعة النظير، إضافة انهم يتمتعون بروح ريادية من نوع خاص في مجالات عدة، الا ان هناك من يضيف خلفاء لجيل (Z) بدأ يتشكل بعد 2013 يسمى جيل (Alph)، حيث نشأ هذا الجيل وتأثر بشدة بالتكنولوجيا والوسائط الرقمية والاتصال العالمي، والذكاء الاصطناعي والاتمتة المتقدمة.
وقد جرت العادة تصنيف الأجيال الى عدة فترات، فالفترة ما قبل عام 1960 تسمى بجيل (Boomers)، والتي خلفت الحرب العالمية الثانية، اهتم هذا الجيل بالاسرة، وركز على زيادة المواليد، ولديه قدرة على متابعة القضايا الساخنة من القراءة الورقية، او من الاستماع الى اذاعات الراديو التي كانت منتشرة في ذلك الوقت، لذلك يعتبر جيلا مثقفا ومجتهدا، ومعتمدا على الذات في شق طريق النجاح والتفوق، وهناك من يضيف يصنف جيلين سبقه، هما جيل (Greatest) من عام 1901 الى عام 1927، وجيل (Silent) من عام 1928 الى عام 1945.
فترة الجيل الثاني امتدت من بداية عام 1960 الى نهاية عام 1970، ويسمى جيل (X)، حيث عاصر تجربة اقتصاد ما بعد الحرب الباردة، وشهد انطلاقة تكنولوجيا الحواسيب في مهدها، ويتشارك مع جيل (Boomers) في روح الاستقلالية والاعتماد على الذات، لكنه يختلف معها بمرونته لقبول المستجدات، ولديه استعداد للتكيف معها نسبيا.
فترة الجيل الثالث تبدأ من عام 1980 الى عام 1999، وتسمى جيل (Y)، شهد هذا الجيل زيادة نسبية في استخدام التكنولوجيا الرقمية، وتفاعل اجتماعيا عبر الانترنت، ولديه رغبة ملحة في التوازن بين العمل والحياة الشخصية، ويتشارك هذا الجيل مع الجيل (X) في قدرته الكيفية ومروتنته العالية في تبني ما جديد، لكنه يختلف كليا مع الجيل (Boomers) في فهمه للاستقلالية والاعتماد على الذات، ويعادي الروتين، ويميل للتجديد.
اختلفت تصنيفات الأجيال، لكن ما يهمنا هنا هو التركيز على جيل (Z) ودوره في التأثير على الرأي العام العالمي فيما يتعلق بقضايا الامة العربية سواء في الوسط الشرقي المخطوف، او البيئة الغربية المعادية، لكل ما هو عربي واسلامي، عبر الاستخدام المكثف للوسائل الرقمية (Snap Chat, Instagram, and TikTok) في تقديم صورة مغايرة عما يقدمه الاعلام الغربي لرأيه العام في مجتمعاته التي تم غسل ادمغتها لعقود طويلة في رواية واحدة منقوصة، غير عادلة.
يجدر الإشارة هنا ان جيل واقعي مثل جيل (Z) ولد وترعرع وعاش في البيئة الغربية، ويفهم جيدا الثقافة الغربية ويجيد بطلاقة اللغة المحلية، ويستطيع بكل ذكاء مخاطبة الجمهور الغربي بكلامات منطقية قصيرة يرافقها لقطات فيديو حقيقية، لنقل صورة واحدة ومجموعة حقائق لم تكن لتصل لهم عبر ماكينة اعلامهم الغربية المتحيزة، وهنا تكمن المفاجأة الحقيقية لاعداد كبيرة من الجمهور الغربي ازاء قضايانا العادلة كقضية فلسطين، والحرب الوحشية القائمة على غزة، وتقديم صورة مختلفة عما اعتاد ان يشاهدوه ويسمعوه في اعلامهم غير الموضوعي لسنوات طويلة جدا.
احداث غزة الدامية، كانت فرصة سانحة لكشف وحشية الاحتلال وازدواجية معايير السياسة للقيادات الغربية اتجاه حقوق الانسان، وحرية التعبير، والدور الخبيث لبعض الأجهزة الاعلامية.
ففي لقطات فيديو لا تتجاوز الدقيقية يظهر المتحدث الامن القومي الامريكي السيد جون كيربي يتباكي على القتلى الأبرياء من الاوكرانيين بسبب الهجوم الروسي ، مستنكرا اية مصلحة روسية في حربها على اوكروانيا، ومتغاضي تماما عن أي مبررات دفاعية لشن هذه الحرب مقابل سقوط الابرياء، وفي صورة مشابهة، يتحدث عن تبرير الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة، واصفا إياها بحق إسرائيل الكامل عن النفس وباي ثمن، ولا تدمع عيناه، ولا يتبلع (ريقه) حزنا على الابرياء من النساء والأطفال والرجال، ولا عن حجم الدمار الهائل الذي لحق بغزة. السؤال هنا: كيف سيقرأ الجمهور الغربي هذه اللقطات، وكيف سيفهم معانيها ومبرراتها المزدوجة، اذا كانت المشاعر الإنسانية واحدة، والدماء البريئة واحدة، وآلة الدمار الوحشية واحدة؟.
والجواب يكمن في استخدام معايير مزدوجة متناغمة والرؤية الغربية للاحداث، تحكمها المصالح فقط، وليست قيم العدالة والرحمة وحقوق الانسان، فلا معنى لذلك امام المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية للدول العظمي على الاطلاق، حتي ان الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية عجزت عن تقديم رؤيتها العالمية على الاعلام الغربي لمعرفتها المسبقة بقوة التاثير الغربية على السياسة والاقتصاد والاعلام العالمي. لكن جيل (Z) تمكن بحرفية عالية وبدون فبركة من مخاطبة المشاعر الانسانية لملايين البشر في انحاء العالم، وكشف حالة التنافض الغربية في ثوان معدودة وبطريقة بسيطة، وموضوعية، ومؤثرة، وترك للضمير الإنساني الحكم على واقع مؤلم يعيشه الضعفاء والفقراء والمضطهدين في الأرض، في فلسطين حصرا، وانحاء أخرى متفرقة في العالم الشرق اوسطي واسيا وافريقيا.
ان جيل (Z) وجيل (Alph) يساهمان بطريقة فعالة لتوعية الجمهور الغربي من خلال انشاء المحتويات الموضوعية لنقل المعلومات، لتصل الى عقول وضمائر البشرية، وتجميد الرواية الغربية الرسمية المنحازة، كذلك تساهم مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة في اقامة حملات تضامن رقمية واسعة من خلال تحفيز التفاعل الإنساني مع القضايا العربية، إضافة الى نقل معاناة الانسانية الموجعة للافراد والامهات والاطفال والعائلات في غزة جراء القصف العشوائي والدموي، واهميته في إيجاد تاثيرا إنسانيا عالمي، يمكن ان يمثل ضغوط شعبيا قوية لوقف الحرب وإعادة النظر في الدعم الاعميى للمحتل. كما ان استخدام البودكاست (المحتوى الصوتي) بلغات عدة يساعد في نشر الوعي بشكل دقيق ومسؤول لفهم شعبي عالمي أوسع واعمق واشمل لحقيقة الاحتلال الإسرائيلي فسلطين وتداعياته هلى المنطقة والاقليم، والدعم الغربي اللامحدود للمحتل الإسرائيلي، وكشف الحقائق، وقلب المفاهيم المغلوطة.

مدار الساعة ـ نشر في 2023/12/05 الساعة 14:58