الدلاهمة يكتب: الوهم الإسرائيلي

الدكتور جمال الدلاهمة
مدار الساعة ـ نشر في 2023/11/21 الساعة 18:50

النخبة الحاكمة الحالية في إسرائيل ما زالت على نفس القناعة الراسخة منذ تأسيس هذا الكيان وهي أن التفوق والقدرة العسكرية وسياسة العقاب الجماعي هي الضمانة الأساسية ليس لأمن إسرائيل القومي بل لاستمرارية وجودها.

منذ بداية عملية طوفان الأقصى ما زالت مستمرة على نفس النهج من قتل وتفجير ومنع إمدادات الغذاء والدواء وقصف المستشفيات والبيوت على رؤوس أصحابها، وفي مخيلتها حلم تنفيذ التهجير القسري لأهل قطاع غزة باتجاه صحراء سيناء وهو ما اقترحه الكثير من أصحاب القرار في الكيان الإسرائيلي كأن يتم إنشاء مدن جديدة للفلسطينيين بدلاً من قيام الدول العربية والمجتمع الدولي بإعادة بناء ما دمرته ألة الحرب الإسرائيلية, وللأسف فأن أبواق هذا الكيان تروج لهذه الاستراتيجية الفاشلة إعلامياً وسياسياً.
إن واحداً من أهم الدروس عبر التاريخ أن المحتل إذا أراد أن ينعم بالأمن والإستقرار الى مالانهاية فعليه أن يبيد شعباً كاملاً منذ البداية, فهي لم تستفد من تاريخ الهنود الأمريكان ولا من تجربة حكم بريتوريا في جنوب افريقيا, لأنه لو بقي من هذا الشعب فرد واحد فإنه لن يجعلك تعيش بسلام حتى لو بنيت بينك وبينه سوراً مرتفعاً ، فكل سور ومهما طال إرتفاعه لا بد ان ينهار وسور الصين العظيم وجدار برلين خير مثال. لذلك فان السور المرتفع الذي بنته اسرائيل بينها وبين فلسطين يخفي خلفه شعبا يعاني من الجوع والفقر والتهميش والاضطهاد والعنصرية وفوق كل هذا وذاك وصل الى مرحلة انه لا يوجد عنده ما يخسره فالموت والحياة سيان، وبل بالعكس تترسخ في وجدان هذا الشعب ان الموت هو طريق الشهادة وجنات النعيم وطريق الخلاص من العذاب والمعاناة, فكلما زاد الضغط الاسرائيلي على هذا الشعب زادت مقاومته وشراسة الانقضاض .
الكيان الاسرائيلي مبني بالفطرة على الغرور والفوقية وهي ايدلوجية شعب الله المختار الذي يحق له مالا يحق لغيره وانها قادرة دائما على فرض قراراتها بكل الوسائل فعندما تريد فرض السلام فتقوم باستعادة ذكريات تجربتها مع الرئيس الراحل انور السادات وان أرادت فرض نظام حاكم حسب رؤيتها فهي قادرة على ذلك ولو باستخدام القوة العسكرية كما حاولت ذلك سابقا في لبنان وتحالفاتها المشبوهة مع الأحزاب اللبنانية .
الوهم الاسرائيلي بأن العدوان على قطاع غزة ومنع دخول الغذاء والدواء والوقود واغلاق المعابر وتوجيه الضربات العسكرية وتوفير البنية التحتية سيمكنها من خلق حالة نزاع بين شعب غزة والمقاومة المسلحة للوصول الى حالة العصيان المدني وتحطيم الإرادة الفلسطينية بمتابعة مقاومة قوات الاحتلال, وانهاك المقاومة التي تسميها اسرائيل وحلفائها بالإرهاب الفلسطيني ، وهذا كله عكس للواقع ، فكل مواطن في غزة تعرض للقصف او خسر واحدا من أهله أو أقاربه في هذه الحرب او تدمر منزله لن يغفر ولن ينسى حقه في الانتقام والعمل على أن تشرب اسرائيل من نفس الكأس الذي تجرعه.
وللتاريخ ذكر الجنرال الفرنسي اندريه بوفر الذي قاد القوات الفرنسية في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 بانه قام بزيارة اسحق رابين في منتصف شهر يونيو عام 1967 بعد انتهاء الحرب العربية الاسرائيلية بعدة ايام ، وبينما كانا يحلقان في سماء سيناء والقوات الإسرائيلية المنتشيه بالنصر في طريق عودتها لإسرائيل، قام الجنرال بومر بتهنئة رابين على نصره العسكري, لكنه تفاجاْ برد رابين وقوله (ولكن ماذا سيبقى من كل هذا) السور العالي الذي يمكن أن يحمي هذا الكيان هو سور السلام الشامل والعادل وإعطاء الشعب الفلسطيني حقه في دولة مستقلة وعاصمتها القدس ، هذا ما يطالب به العقلاء في إسرائيل ويهود العالم فهناك فرضية (حتمية النهاية) والتي تؤمن بها الغالبية الساحقة من أتباع الديانة اليهودية في العالم, فلا حضارة تدوم ولا قوة ستبقى هي المسيطرة لمن يستوعب دروس التاريخ.
لقد ارتكبت اسرائيل خطأ كبيرا بهذا العدوان بأنها أنشئت جيلا كاملا من المقاومين وبركانا خامدا مهما طال الزمن او قصر لا بد وان يثور يوما ما.

مدار الساعة ـ نشر في 2023/11/21 الساعة 18:50