حسابات الأردن.. وما نطاق المواجهة المؤجلة..؟.. نقيب الصحفيين الأردنيين السعايدة يكتب
مدار الساعة ـ نشر في 2023/11/14 الساعة 19:59
بحساب المنطق، والتقييم الموضوعي، تقدّم الأردن في موقفه من العدوان الإجرامي على قطاع غزة على كل المواقف العربية والإسلامية، وتصدّرها بلا منازع، ضمن سلسلة تكتيكات سياسية ودبلوماسية تستهدف وقف العدوان.
بدأت بموقف سياسي علني شديد الوضوح، شديد القوة، مرورا باستدعاء السفير الأردني من الكيان والطلب من سفير الاحتلال عدم العودة إلى عمان، والآن تجري، من بوابة البرلمان، مراجعة اتفاقية وادي عربة وكل الاتفاقيات الجانبية.
قد لا تكون هذه الخطوات كافية بنظر الشارع الغاضب والمشحون حتى آخره، لكن، علينا أن ندرك أن الدولة تتصرف بمنطق استراتيجي متدرج.. وأيضا علينا أن نعي أن ظهرها مكشوف عربيا وإسلاميا.
لهذا، يتصرف الأردن وفقا لحسابات دقيقة وتقييمات عميقة، لا تقوم على الانفعال، بل على فهم موضوعي لمشروع "إسرائيل" الذي إما يقتنص اللحظة لتصفية القضية الفلسطينية، أو يؤسس لهذه التصفية في مرحلة تالية.
وفي أيِّ الحالين، فالأردن لا يساوره شك بأنه سيدفع ثمن ذلك أكثر من غيره، لذا، هو يدقق جيدا في ما تفعله "إسرائيل" في قطاع غزة، وبالتوازي ما تفعله بالضفة الغربية، ويقلّب خياراته حيالها.
ما أريد قوله في الثنايا، إنه لا يجب القفز فوق سياق الدولة الأردنية، أو التقليل من حراكها، ومن أهمية وقيمة خطواتها المتسلسلة، ولا يجب أن نسمح بإحداث أي ثغرة في الجدار الوطني، فهناك من يريد إشغالنا عما يفعله الاحتلال في فلسطين.
أيضا، علينا أن نعلم ونتفهم أن حسابات الأردن معقدة للغاية، في السياقات الداخلية والإقليمية والدولية، ورغم ذلك هو في لحظة مفصلية سينتج قراره الوطني الخالص بدون أي اعتبار للمؤثرات والمقاربات الإقليمية والدولية ولظهره المكشوف، لأن المسألة في لحظة ما قد تتحول لتصبح تهديدا وجوديا لا مجال فيه لمجاملة أحد، وسيواجهه بكل قوة.
ولا ننسى أن الأردن لطالما تحسّب وحذّر من المخططات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، وهو في كل مناسبة يؤكد رفضه المطلق لمفاهيم الوطن البديل والخيار الأردني، ويعتبرها من الخطوط الحمر، ويصر بثبات على إقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة والقابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية.
السؤال الجوهري في ظل التداعيات الراهنة: ما الحد الذي يمكن أن يبلغه مستوى تصادم الأردن مع "إسرائيل" راهناً؟ وما نطاق المواجهة المؤجلة..؟
الإجابة، من حيث المبدأ، التصادم السياسي والدبلوماسي على أشده، لكن المواجهة المؤجلة بمعناها الشامل، تعتمد اعتمادا كليا على تطورات الأحداث في قطاع غزة. وبالعنوان العريض: تعتمد على صمود المقاومة وقدرتها على كسر المسار الإسرائيلي وتحطيم مشروعه. وتصبح المواجهة أقربَ حالَ انكسرت المقاومة وصُفيت لا قدّر الله، أو أُضعِفت لدرجة لا يكون بمقدورها إيقاف المشروع الصهيوني في غزة والضفة الغربية وعرب الداخل.
صحيح أن المقاومة لن تُكسر ولن تُهزم، لأن منطق التاريخ يقول هذا، لكنّ الأردن يتحسب، ويجب أن يتحسب، لكل الاحتمالات والسيناريوهات المتصلة بالضفة الغربية، ويعدَّ نفسه للتعامل مع الأسوأ، ويضع كل خياراته على الطاولة، وينظر في إمكانية وظروف استخدامها بقدر المخاطر وحجمها.
والأصل ألا ننتظر المخاطر حتى نجدها عند الباب، وتصبح أكثر تعقيدا وأشد سوءاً، وإنما الانتقال للتصدي والاشتباك معها في قطاع غزة، بمعنى العمل بكل الطرق لوقف العدوان على القطاع، وإعادة من نزحوا وهُجِّروا من شماله، وتحميل العالم مسؤولية إعماره وتحسين معيشة الناس فيه.
وهذا ما يجعل الضفة بمنأى عن الأخطار التصفوية، لكن، لجعل هذه الأخطار من الماضي، لابد من الانتقال لتسوية القضية الفلسطينية تسوية سياسية عادلة على أساس إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ومترابطة وذات سيادة بما يتطلبه ذلك من تفكيك المستعمرات وإزالة الحواجز.
هذا كله، نقول مرة ثانية، يرتبط بمآلات ما يجري في قطاع غزة، وما يجب توفيره للمقاومة ولأهل القطاع من أسباب الصمود والمجابهة، وبما يؤدي إلى إجبار "إسرائيل" على الخروج مثقلة بالخسائر وفقدان الأمل بتحقيق أهدافها ومشاريعها، وتاليا ببناء موقف دولي يُخضعها ويلزِمها بما قررته الشرعية الدولية.
عدا ذلك؛ فإن "إسرائيل" المحمولة على أجندة ومشاريع الصهيونية اليمينية المتطرفة، ستعمل بكل طاقتها للاستثمار في ما يمكن أن تحققه في القطاع للمباشرة، ورغم أنف العالم الذي بعض دوله الرئيسة متواطئة معها، على إنفاذ خطتها لتصفية القضية الفلسطينية، مرة وإلى الأبد.
وإنفاذ ذلك يعني تهجير سكان القطاع ووضع اليد على حقول غاز بحر غزة، وتأمين مناطق حماية جغرافية لقناة بن غوريون.. وكذلك تهجير سكان الضفة الغربية إلى الأردن، بما ينهي مبدأ حل الدولتين المنتهي أصلا بالنسبة إليها، كما هو منته وغير قابل للنقاش مبدأ حل الدولة الواحدة، فيهودية الدولة عندها هو الأساس.
والحال، طالما حل الدولتين غير قابل للتطبيق، وحل الدولة الواحدة غير قابل للنقاش، فما الحل إذن؟
إسرائيليا، الحل ساحات أخرى على رأسها الأردن لجهة حل مسألة الضفة الغربية، ومصر لجهة حل مسألة قطاع غزة، ويمكن أن تكون بعض دول العالم جزءا من الساحات الثانوية لإعادة التوطين.
في المقابل، فالحل أردنياً ومصرياً هو المواجهة الكاملة مع "إسرائيل"، بكل أبعادها وأشكالها ومستوياتها، لمنعها من إنفاذ مخططاتها ما دام خيار السياسة لم يأت بالحل.. لأنك، ببساطة، لن تقاوم التهديدات الوجودية بالأمنيات والمناشدات بل باعتبارها مسألة حياة أو موت.
مدار الساعة ـ نشر في 2023/11/14 الساعة 19:59