أين الرجال.. بل أين الأُمّة؟

فايز الفايز
مدار الساعة ـ نشر في 2023/11/08 الساعة 05:48

عندما جاء الخبر للخليفة المعتصم، في الرواية المشهورة، أن جنوداً من الرومان تحرشوا بامرأة مسلمة في زقاق المدينة وسحلوها، فصاحت بأعلى صوتها «وامعتصماه»، وحينما وصل الخبر للمعتصم لم ينم ليلته، وأرسل لملكهم رسالة مقتضبة فحواها، لآتينك بجيش أوله عندك وآخره عندي، ولأضربن أعناقكم كما تنُحر الإبل، وجهز جيشاً عرمراً لملاقاة الفرنجة في عمورية، ووصلها حتى دكّت سنابك خليه رؤوس المستعمرين البيزنط، ودخل أنقره واحتلها وقتل ملكها.

تلك الصرخة الأنثوية جابت سماء الأرض لتصل دون ماء ولا كهرباء ولا طائرات ولا مركبات ولا أي صاروخ فتاك، بل كانت العزّة والتوكل على قاهر العباد والإيمان بأن الحياة لا تنتظر لنعيشها مرتين، فإما النصر وإما الشهادة، لقد وصلت صرخة امرأة فزُلزلت الأرض تحت أقدام الروم، ولم يهنأ المعتصم حتى أخرجها من سجنها وطهر الأرض من المغتصبين.
فيا أمّة العرب ويا من صمتم على ما جرى للفلسطينيين من قبل ومن بعد، وأنتم الأخوة في الدمّ والتراب والتاريخ، كيف تركتموهم لتتخطفهم أسلحة الدمار الشامل، بيولوجية وفسفوريةً أو قنابل محرّمة تدك المباني على ساكنيها، حيث الأطفال والنساء تدفنهم الصواريخ والقذائف تحت أنقاضها، أو على الأرض يتصيدهم طيار لقيط لا أباً له، فيقتل أطفالا لا ذنب لهم، سوى أنهم عرب، وأي عرب، فلم يعد في هذا الزمن المُخجل أي قيمة للعرب، فبعد معركة «الكرامة الخالدة» لم تستطع أي دولة أن ترفع رأسها أمام العدو الصهيوني، إلا بما تختاره الدولة الماكر?، ولا حيلة لنا سوى المظاهرات.
في الأردن وحده وقف منذ خمسة وسبعين عاماً، بدم جيشه وبكل ما أوتي من عزم يدافع عن حق الفلسطينيين، وكم من أبطال ضحوّا بأرواحهم تاركين أطفالهم وأهاليهم ليدفنوا في ثرى الأرض المقدسة، وها هي البطولة تستمر لتدعم ما استطاع من حيلة لإيصال كافة المستلزمات طبية كانت أو مواد إغاثة، حيث اخترقت طائرات سلاح الجو الأردني سماء غزة لتوصل المستلزمات إلى المستشفى الأردني قبل أن تنفد المواد الطبية والمعونات فيه، عبر عملية إنزال جوّي، قررها الملك عبد الله الثاني كي لا ينتظر فتح الحدود من أي جانب، تلك هي المهمة المستحيلة على أرض?الواقع لا في الأفلام الأمريكية.
وحده الأردن الذي وقف الملك فيه الندّ بالندّ، و بكل صلافة يفضح انحياز دولٍ استسلمت للحرب الصهيونية، وهو يقارع بالحُجة حق أهلنا في غزة بالعيش وبوقف المجازر التي فاقت أي تصور ممكن أن يصل لها وحوش الغاب، ويأمر بإدخال أشقاء لنا من غزة بعد إجلائهم من هناك، ويقوم بفكفكة الدعم الذي تقدمه دول أوروبية للكيان الصهيوني، ويشرح لهم أن حياة الفلسطينيين وأطفالهم وعائلاتهم ليست أقل شأنناً من أي إنسان على وجه الأرض.
في المقابل يقوم رئيس الوزراء د. بشر الخصاونة بتعرية الموقف الإسرائيلي حينما قررت حكومته استدعاء السفير الأردني في تل أبيب وعدم إعادة سفير الكيان إلى عمان، ويؤكد أن كل الخيارات مطروحة على الطَّاولة بالنِّسبة للأردن في إطار الموقف مع العدوان الإسرائيلي على غزَّة وتداعياته، وهذا ما أغضب حكومة نتنياهو وتصف تصريحات الرئيس الخصاونة بالتحريضية، الله وأكبر، وكأن ما يقومون به هو مباراة كرة قدم في ملاعب غزة.
ندرك اليوم أن الزمن ليس زمن المعتصم، ولكن بقدر ما نستطيع كشعب انتفض نصرة لأشقائه في غزة التي تخلى عنها الأقربون، ولكن الحراك السياسي والدبلوماسي الذي لعبه الأردن، ما كان ليفضح أمرّ المتآمرين على إخوتنا العُزل والمقاومين الأبطال، ولما أصبحت عمان محجاً لوزراء الخارجية عرباً كانوا أم الغربيين الذين بدأت الرؤية تتضح لهم، ولكنهم صعدوا فوق الشجرة، ولم يعلموا أن ربيبتهم إسرائيل دخلت الغابة الموحشة ولن تخرج منها حتى يمرغ الأبطال هناك أنوف أعدائهم برمال غزة.
سلام على أرواح الشهداء الذين ارتقوا في غزة وفي الضفة الغربية، لقد فارقوا الحياة لحياة يقام حينها العدل والميزان عند رب رحيم، وسيعلم الذين انقلبوا أي منقلب ينقلبون.

مدار الساعة ـ نشر في 2023/11/08 الساعة 05:48