نقيب الصحفيين السعايدة يكتب: ماذا تفعل 'إسرائيل' في غزة؟ وما نحن فاعلون؟

راكان السعايدة
مدار الساعة ـ نشر في 2023/11/07 الساعة 10:52
هدفان تسعى "إسرائيل" لتحقيقهما من عدوانها على قطاع غزة، والهدفان لهما حد أقصى وآخر أدنى، وهما يرتبطان عضوياً بسير المواجهات، وقدرة المقاومة على التصدي والصمود.
والهدفان بحدهما الأقصى:
أولاً: علني، وهو تصفية المقاومة، بشكلها العسكري والسياسي، في قطاع غزة وإعادة رسم القطاع من جديد على قواعد سياسية وأمنية جديدة.
ثانياً: غير معلن، لكنه أفلت من خلال تسريبات حاولت حكومة العدو التقليل من أهميتها، رغم أنه يُنفَّذ على الأرض، وهو تفريغ قطاع غزة من أغلب سكانه؛ أي تهجيرهم إلى مصر، ضمن صفقة سياسية اقتصادية (...) مدعومة من أميركا وأوروبا.
هذان الهدفان، كما قلنا، يرتبطان عضوياً بالمواجهات الراهنة، وبشكل محدد بقدرة "إسرائيل" على حسم المواجهات مع المقاومة لصالحها، وهو أمر بعيد المنال ولا أمل بتحقيقه.
تاريخياً، لم نقرأ أن مقاومة جدية لأي احتلال أو استعمار خسرت حربها الكلية، ولذلك، وحتى بتقديرات إسرائيليين وغربيين، لا يمكن تصفية المقاومة في القطاع، فهي ورغم كل الإجرام غير المسبوق ضدها وضد البيئة الشعبية الحاضنة، صامدة وتقاوم، وحماس فكرة ذات عمق اجتماعي متجذر.
أيضاً، أهل غزة صمدوا رغم كل القتل والتجويع والتدمير والتحذيرات والضغط للتوجه إلى جنوب غزة الذي يمهد لتهجيرهم إلى سيناء، وهنا يمكن أن نستحضر ونقرأ في تاريخ حركات التحرر وحواضنها الشعبية في الجزائر وليبيا وفيتنام على سبيل المثال.
إذن، طالما أن تحقيق الهدفين السابقين لم، ولن يتم، ولا تشي المعطيات أنهما بوارد التحقق، فما هو الحد الأدنى من الهدفين المشار إليهما؟
أولاً: الاستعاضة عن تصفية المقاومة، عسكريًا وسياسيًا، بإضعافها، وتقليص قدراتها العسكرية إلى الحدود الدنيا، وإخراج حماس من دائرة حكم القطاع، أو على الأقل إضعاف قبضتها عليه.
ثانياً: إذا كانت مخططات التهجير فشلت بصورتها الأساسية، فإن القتل والتدمير لكل شيء سيجعل حياة أبناء غزة أشبه بالجحيم، وبلا أي نوع من مقومات الحياة ذات القيمة، وهذا، بتقدير "إسرائيل" قد يرتد غضبًا شعبيًا على حركة حماس، خصوصا مع إعاقة الإعمار لاحقا.
والمعنى الكامن في الهدفين بحدهما الأدنى هو رفع الكلفة على حماس وجناحها العسكري إلى أقصى حد ممكن، كنوع من الردع الذي يمنعها من تكرار أي عملية مشابهة لطوفان الأقصى، أو حتى أصغر منها.
وما بين الحدّين، الأقصى والأدنى، وفي سياقهما، تمارس "إسرائيل" أبشع أشكال الانتقام لهزيمتها النكراء في غلاف غزة، وهي ليست بوارد الالتفات، على الأقل في المرحلة الحالية، إلى أي ضغوط إقليمية أو دولية أو أممية، لوقف عدوانها، مستندة إلى الدعم الأميركي الرسمي ودعم حكومات الغرب الاستعماري.
أي لن تلقي بالاً لا للضغوط الرسمية، ولا حتى للمزاج الشعبي العالمي المتصاعد ضد الحرب (العدوان) والمطالب المتزايدة بوقفها، فهذا لن يشكل فارقا جوهريا، الآن، لا على "إسرائيل" ولا على صانع القرار في أميركا وبريطانيا وألمانيا تحديدا.
لكن هذا المزاج، في مُقبل الأيام، قد يؤدي إلى تغيرات ذات مغزى في واشنطن ولندن وبرلين، ولاعتبارات سياسية داخلية تلزم "إسرائيل" ببعض الجوانب "الإنسانية".
وعلى ما يبدو بدأت أميركا في خلفية المشهد تتيقن أن "إسرائيل" لن تتمكن من تحقيق أهدافها الملتبسة أصلا، ولا يمكن للعالم أن يقبل أن تواصل حربها بهذه الطريقة المسعورة وأنه لا بد من تغييرها بتركيز القصف وتقليل الخسائر بين المدنيين.
هنا لا بد من طرح السؤال التالي: إلى أي مدى، وعند أي نقطة، تستطيع تغيرات المزاج العالمي الشعبي، وتاليا السياسي الحاكم، أن تفرض سياقًا معيناً على "إسرائيل" توقف بنتيجته عدوانها.
إجابة هذا السؤال تستدعي فهم الواقع داخل "إسرائيل"، ولو بشكل أولي، فالاتهامات لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بالفشل والتسبب بالكارثة (الهزيمة) لا تتوقف، وكذلك للطبقة العسكرية الاستخبارية، ومسألة الأسرى تتعمق أزمتها، والمأزق الاقتصادي، كما السياسي، يتفاقم، والمعارضة بدأت تقتنص اللحظة لإنهاء الحياة السياسية لنتانياهو.
هذا كله، في واقع الأمر، لا يمنع الإسرائيليين من دعم الحرب (العدوان)، مؤجلين محاسبة المسؤولين عن الهزيمة إلى ما بعدها، وبطبيعة الحال يستفيد نتانياهو أكثر من غيره من الاتجاه العام الداعم للعدوان.. لماذا؟
يعلم نتانياهو أن مستقبله السياسي انتهى، وهو ذاهب إلى السجن، وفي أقله إلى البيت، وهو، الآن، يحاول باستماتة عكس هذه النتيجة بإطالة أمد الحرب، لعله يظفر بأي نصر يقلل عليه كلفة هزيمة 7 تشرين أول، ويرمم صورته المهشمة.
وهنا يمكن ملاحظة مسألة مهمة أن نتانياهو بدأ تركيزه أكثر على تصفية يحيى السنوار قائد حماس في غزة في ما يشبه التراجع عن تصفية المقاومة.. أي بدا وكأنه يخفض سقف أهدافه.
طبعا، وبعيدا عن حسابات نتانياهو الشخصية، فـ"إسرائيل" تريد استرداد صورة الردع الذي هو أساس دورها كقلعة متقدمة لأميركا والغرب في المنطقة، وأساس الهيمنة والنفوذ، وهذا لا يتحقق لها بدون صورة نصر، صغُر أم كبُر..
بمعنى أن أسباب وشروط وقف الحرب إسرائيلياً غير متوافرة، والغرب لا يضغط لوقفها بشكل جدي وحاسم، بل يدعمها في جانب تصفية حماس، وإن أخذ هذا الغرب يتحدث كثيراً في الجوانب الإنسانية والهدنات المتصلة بها، والمستقبل السياسي للفلسطينيين، وهو حديث، عمليا، يدخل من باب الخداع والتذاكي لامتصاص غضب الرأي العام فلسطينياً وإقليمياً وعالمياً.
لكن ذلك لن يطول كثيراً قبل أن يضطر قادة العالم الغربي إلى الطلب رسمياً من "إسرائيل" وقف حربها أو تغيير منهجيتها العسكرية، وهنا قد يحدث التصادم بين قادة "إسرائيل" وقادة الغرب.
هنا يبرز السؤال: ماذا يجب أن نفعل لتفويت الأهداف السياسية وغير السياسية التي تسعى "إسرائيل" إلى إنفاذها في سياق عدوانها؟
أولاً: الضغط بشدة وبكل الطرق لوقف العدوان على قطاع غزة، وعدم التماهي مع أهدافه، لما لهذه الأهداف من آثار مدمرة على دول المنطقة وشعوبها، مع تفاوت نسبي في الأضرار بين دولة وأخرى.
ثانياً: إفهام أميركا تحديداً أن سياقها الحالي يهدد مصالحها في المنطقة ويفقدها الزخم والعمق في تحالفاتها، ويبين لها أن الإجرام الإسرائيلي ودعمها له يغذيان قوى متطرفة ويعيد إنتاج أخرى، وستكون أميركا ومصالحها هدفاً لها.
ثالثاً: إذا لم يستطع أي طرف وقف العدوان، لا بد من العمل على خلخلة الاستراتيجية الإسرائيلية، وذلك بإلزامها بإنفاذ هدنات إنسانية ووقف مؤقت للعدوان، لأن ذلك يمنح أبناء قطاع غزة جميعاً فرصة لالتقاط الأنفاس، ويسهم في تسخين الشارع الإسرائيلي ضد إدارة الحرب الحالية من بوابة الأسرى.
رابعاً: دعم صمود أبناء قطاع غزة لضمان قدرتهم على الاستمرار وتحدي منهجية الاحتلال التي تركز على تدمير كل مقومات الحياة لدفعهم إلى الخروج من القطاع أو الانقلاب على المقاومة.
خامساً: استخدام كل الإمكانات لتوسيع دائرة الاحتجاجات والتظاهرات في الدول الغربية كوسيلة ضغط على دولها لتعيد النظر في مقارباتها حيال الحرب وأهدافها وبخاصة الولايات المتحدة المقبلة على انتخابات جديدة، مدخل ذلك القيم الإنسانية والأخلاقية والقانون الدولي الإنساني.
سادساً: تفعيل مبادرات المقاطعة الاقتصادية الشعبية عربياً وعالمياً لمنتجات "إسرائيل" والولايات المتحدة والدول الداعمة للكيان الصهيوني وتعظيم زخمها، وهو سلاح فعال ومؤثر جداً وموجع لاقتصادات هذه الدول.
سابعاً: وهو الأهم على الإطلاق، صمود المقاومة واستمرارها ورفعها الكلفة على الاحتلال إلى أقصى حد ممكن سيؤدي إلى إرباك المخطط الإسرائيلي، ويدفع شارعه إلى التحرك بالضد من قيادته.. أي ان إطالة أمد الحرب برغم الخسائر الكبيرة المؤلمة في جانب غزة سيكون أثره سلبياً على "إسرائيل" ومخططها.
هذا، بتقديري ما يجب فعله ومن شأنه أن يؤدي إلى تعزيز حالة الإرباك على الجبهة الإسرائيلية، ويعزز هذا الإرباك رفع كلفة عدوانها، وزيادة الضغط العالمي الشعبي والرسمي عليها.. وهو ما قد يقنعها بأن قدراتها مهما كانت كبيرة ستبقى محدودة، ويستحيل عليها تحقيق ما تطمح إليه..
على الرسمي العربي أن يتيقن أن "إسرائيل" الهشة ستواصل هشاشتها، فكيان لم يستطع أن يحمي نفسه لن يقوى على حماية غيره.. نقطة آخر السطر.
مدار الساعة ـ نشر في 2023/11/07 الساعة 10:52