ابو زيد يكتب: صمت المتشائلين أم تعُنت الرافضين

زيد ابوزيد
مدار الساعة ـ نشر في 2023/11/02 الساعة 21:11
في الوقت الذي يشن فيه جيش الاحتلال الصهيوني حربًا مدمرة على قطاع غزة المحاصر منذ عقود، ويهاجم مدن ومخيمات الضفة الغربية ومعه قطعان المستوطنين يستمر الحديث عن مسار التفاوض العقيم بعيداً عن الواقع الذي يقول ان هذا المسار اغلق تماماً ولم يعد من جدوى للحديث عن السلام مع طرف لا يعرف سوى لغة القتل والتهجير والاستبداد.
ورغم أن السلام كان منذ البداية مطلبنا، وكانت قرارات الشرعية الدولية بقراراتها المرتكزة على مبدأ الأرض مقابل السلام وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على حدود الرابع من حزيران ، إلا أن حكومة نتنياهو المتطرفة تجاوزت كل الحدود في الاعتداءات المتكررة على مخيمات ومدن الضفة الغربية ومن ثم انتهاك وتجاوز قدسية أماكن العبادة من قبل قطعان المستوطنين بقيادة المتطرف الإرهابي وزير الأمن القومي الصهيوني العنصري بن غفير وحماية الجيش الصهيوني، مما شكل استفزازًا متراكمًا لكل عربي ومسلم وفلسطيني، وتفجر ذلك في السابع من أكتوبر طوفانًا من غزة العزة ، فاجتاحت المقاومة الفلسطينية القواعد العسكرية لجيش الاحتلال الصهيوني في غلاف غزة ومستوطنات الإحتلال في معركة مجيدة سجلت فيها المقاومة الفلسطينية حكاية مجد ستبقى خالدة ما دامت الدنيا باقية حيث انتصرت فئة قليلة بعتاد بسيط على الجيش الصهيوني الذي تباهى طويلًا بأنه لا يقهر، فتجرع الذل والهوان، وابتدات معركة الطوفان المقدسة لتكشف الوجه الحقيقي الاستعماري الموسوم بالارهاب لهذا الكيان الصهيوني المحتل المدعوم من كل القوى الغربية وكان رده قتل الأطفال والنساء و الشيوخ وهدم البيوت والمساجد والمستشفيات والكنائس مدمرُا في وجهه كل شيء، وأصبحت وسائل الإعلام تذكر أرقام الشهداء والجرحى كل دقيقة وهي تتزايد من الأبرياء لعجز هذا الكيان الصهيوني وجيشه المجرم من هزيمة المقاومة فصب جحيم صواريخه وطائراته وبوارجه ومدافعه على الأبرياء، ومن ثم بدأت عملية اجتياح قطاع غزة بريًا، فكان الدرس الثاني بعد السابع من أكتوبر فتجرع المحتل الصهيوني درسًا جديدًا من المقاومة، وظهرت بسالة المقاومة الفلسطينية وصمودها كما ظهر صبر وصمود الشعب الفلسطيني المجاهد.
لقد عاد وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية بلينكن بعد جولته الاخيرة في منطقة الصراع العربي الصهيوني إلى بلاده بخفي حنين ؟ رغم انه كثَف في هذه المرة اجتماعاته مقدمًا نفسه في تل أبيب بعبارة هزت العالم عندما قال أنا قادم كيهودي أولاً ، وكأن الحرب القائمة حربًا دينية، وردد عبارات الرئيس الأمريكي بايدن بأنهم سيقدمون كل الدعم والمؤازرة للمحتل الصهيوني العنصري المتطرف ، وأن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها وتبعتها في ذلك كل الدول الغربية، لتحصل إسرائيل الغاشمه على رخصة دولية للقتل وهذا ما كان، وكانوا يتحسرون على قتل المدنيين رغم اعتراف الناطق الرسمي بإسم جيش الاحتلال الصهيوني في رده على سؤال حول أفعال المستوطنين في الضفة الغربية من قتل الفلسطينين واستهداف أماكن العبادة وغيرها فقال : إن ٩٠%من شعب إسرائيل جنود نظاميين واحتياط، فلماذا يتباكون على سقوط ضحايا مدنيين هم باعترافهم جنود مقاتلين.
يا سادتي لست متشائم في الحديث عن نهاية مشروع السلام فقد أنهت دولة الإحتلال الصهيوني كل فرص الوصول إلى حل دائم وثابت وعادل للسلام يحقق للشعب الفلسطيني دولة مستقلة وعاصمتها القدس، ومنذ توقيع اتفاقية أوسلو وحتى الآن تم إرتقاء الشهداء بآلاف، وزادت المستوطنات بشكل لم يسبق له مثيل، وقد حذر جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين أكثر من مرة بأن أفعال الكيان الصهيوني العنصري المتطرف ستقود إلى العنف والتصعيد، وقدم أكثر من مرة اقتراحات عملية لعودة المسار السياسي وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، ولكن قادة الكيان الصهيوني العنصري ضربوا بكل ذلك عرض الحائط وزادت عمليات الاقتحام والاعتداءات حتى وصلت لاقتحام المسجد الأقصى المبارك والكنائس، وكانت النتيجة ما يحدث اليوم وهو انفجار الأوضاع والتي قد تقود المنطقة والعالم إلى انفجار كبير لا يعلم أحد ما نتيجته، ولكن العنوان الأول كان طوفان الأقصى المجيد، وتبعتها انفجار الأوضاع في الشمال الفلسطيني المحتل، وصواريخ ومسيرات من اليمن وسوريا والعراق ولبنان ولا زالت المقاومة للاحتلال الصهيوني تستعر كل دقيقة، وها هو الكيان الصهيوني يعترف بأن المعركة قاسية ومؤلمة مع اجتياحه البري لغزة، وكأنه كان يتوقع رحلة استجمام في غزة البطولة وأن المقاومة الفلسطينية ستستقبله بالورود.
اما الادارة الامريكية فها هو وزير خارجيتها يعود إلى المنطقة من جديد وكأنه يتوقع هزيمة حليفه الصهيوني، وقيل أنه اقترح مجموعة من الاجراءات تمهد للعودة إلى المفاوضات الفلسطينية مع الكيان الصهيوني التي توقفت بفعل التعنت الصهيوني بإصراره على اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة العبرية وعدم الحديث عن القدس التي يأخذ التهويد بتلابيبها، والاستمرار في الاستيطان تحت عناوين مختلفة كالتوسع الطبيعي، والإصرار على التمسك بتبعية المستوطنات الكبرى للدولة الصهيونية في حالة وجود أي حل، وإبقاء الجيش المحتل على الحدود الشرقية لهذه الدولة الفلسطينية في حالة قيامها ، ولكن هذه الاقتراحات والتسريبات لم تجد أذناً صاغية من الطرفين خصوصاً أمام تعنت الرافضين في الجانب الصهيوني,، وصمت المتشائمين و المتشائلين في الجانب الفلسطيني، بل لقد تبع ذلك هجوم همجي لا مثيل له على غزة وعمليات اغتيال في الضفة الغربية والقدس والموافقة على مخططات جديدة لبناء الالاف من الشقق للمستوطنين في القدس ، في اغلاق تام لاي منفذ يمكن لاي متفائل الحديث عنه مع طرف لم يعرف في حياته الاَ حديث القوة والهمجية، وبين هذا وذاك لا زال الحديث عن السلام على لسان بلينكن مع مقولة مع حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، ولكنه يتحدث أيضا عن الأسرى في غزة ويتناسى أسرى فلسطين في سجون الاحتلال ويتناسى القتل والتهويد والتشريد والموت في قطار سريع لا تعرف له وجهة.
وفي الوضع الفلسطيني الرسمي أقولها بأسف أن الوضع بين الفصائل ما زال يسوده الانقسام عمليًا، وإن كان المتشائلون يقولون أنه سيكون هناك تفاهم بين الطرفين ولو على المستوى الرسمي كما يصرح بذلك بعض قيادات فتح وحماس بعد جرائم الاحتلال الصهيوني وسياسات وإجراءات انتقامية مجرمة يتم اتخاذها يوميا من الكيان الصهيوني.
ولكن بين التشاؤم والتفاؤل فمن الواضح أنَ الوضع صعب وكل الطرق تؤدي إلى الهاوية، وهو ما عكسته تصريحات اقطاب في الادارة الامريكية عن عجزهم عن تنفيذ اختراق في الوصول إلى أيِ حل للقضية الفلسطينية في الافق المنظور وهي حالة منطقية لانشغال الادارة الامريكية من جانب في الحرب الاوكرانية ودعمها بلا حدود للكيان الصهيوني والذي وضعها في موقع الوسيط غير النزيه وهو وضع يجعل من المستحيل الوصول إلى تسوية سياسية.
والتي نعتقد ان تعثر الوصول الى حل في الموضوع الفلسطيني من اسبابه والتحريض له، ومن طرف اخر السبب الاوضح وضوح الشمس في تموز حيث التعنت الصهيوني والرفض الواضح من حكومة بيبي نتنياهو بتقديم أي التزام واضح بوقف الاستيطان والاعتراف بحق العودة، والانسحاب الى حدود الرابع من حزيران ،وهو ما تشير اليه اجراءات الاحتلال العسكرية والامنية والادارية والعمرانية الاخيرة، والحرب الحالية على غزة والذي تشير إيقاع المشهد إلى انفجاره وليس أدل على ذلك من انتظار الجميع لخطاب حسن نصر الله الجمعة والذي يحمل اما خيار دخول الحرب من الشمال وهو الأمر الذي يتمناه الجميع ليخفف الضغط عن غزة، وأما خطابا تضامنيا لا أكثر ولا أقل مع العمل بقواعد الاشتباك المتفق عليها خوفا من تفاقم الأمور.
إننا نقول بثقة تامة أن الطرق المغلقة يفتحها الفعل المقاوم، وأنَ صلف العدو يجب أنْ يقابلها صلابة عند المقاوم الفلسطيني والعربي، فدَمَ الشهداء لا يجب أنْ ينسى أو يغيب عن البال في رحلة البحث عن الدولة الحلم، فلأجل فلسطين أريق دم الشهداء وقضوا نحبهم وما بدلوا تبديلا، ولأجل فلسطين قامت الثورة ، وتحمل الشعب الهجرة والاغتراب، وهو ثمن يحتم على المقاومة و السلطة محدودة السلطة ومنظمة التحرير والعرب عدم الانصياع للسماسرة والمفرطين، ففلسطين قضية تاريخية ، والتفريط بأي شبر منها تفريط بحق مستقبل أجيالها، وللأردن بشكل خاص دورا تاريخيًا في القدس تحديداً وفي الضفة الغربية وعبر وصايته على المقدسات يجب كشف حالة العنف والترهيب التي تمارس بحق البشر والشجر والأرض الفلسطينية ولا يجب ان تنسي حالة الإحتراب والإغتراب عند الأمة العربية.
إن الهم الفلسطيني ينتهي في حل عادل للقضية الفلسطينية كي تكون بوابة الخروج من كل أزمات المنطقة عسكريًا وسياسيًا وحتى ثقافياً في حسم الهوية الوطنية الخلافية في كثير من المناطق.
لقد مرت القضية بكثير من المنعطفات الحادة في السابق مردها في بعض الأحيان الاستسلام للواقع، والحديث عن حالة الضعف العربي واختلال ميزان القوى العالمي، وظهر من بيننا من دعا للقبول بأي حل، وهنا لا بدَ من القول لكل من تحدث بذلك متذرعاً باختلال الموازين الدولية وموت الفعل الشعبي أنهُ لا يجب ان يغيب عن البال ان الشعب الفلسطيني ومعه الأمة لم يستكن للهزيمة وفجر الثورة تلو الثورة والانتفاضة تلو الانتفاضة عندما أحس أنَ فلسطين في خطر، ففي التاسع والعشرين من أيلول (سبتمبر) 2000 كان الزلزال الشعبي الهادر يعبر عن صلابة الشعب الفلسطيني، ويقول لكل المشاهدين نحن هنا ولن نستكين للذل والهزيمة، وسارت الأمور بعكس ما أرادت واشنطن وتل أبيب وعواصم الدول الغربية، وبفطرة سياسية لا مثيل لها أعلن الشعب الفلسطيني المقاوم رفض الهزيمة و الصلف الصهيوني بكل صوره وأشكاله، وبدأ تبعا لذلك العقل الجمعي للشعب الفلسطيني يرى في الانتفاضة رمزا نضاليا لهذا الرّفض، وتحرّك بشكل مباغت ليجسّد هذا الرّمز، وبذلك تجـلّى الصّراع حاسما بين نقيضين: الانتفاضة الشاملة من جهة والعربدة الصهيونية من جهة أخرى، وكان خط الدّفاع الأوّل: العقل العربي جاهـزا للدّفاع عن قومية التراب العربي والوجدان الديني معا، و كان الفكر حاضرا والضمير أيضاً، وكان شعب برمته على استعداد للشهادة من أجل ما يعتقد أنّه الحق، ولا نرى في واقعنا الحالي ما يختلف عن ما حدث قبل عقدين واكثر من حيث الظروف الملائمة لانفجار اخر في الارض الفلسطينية والعربية فيما اذا استمر الحال على حاله، في ظل الموقف الامريكي الذي آثار استغراب معظم دول العالم فموقف الولايات المتحدة الأمريكية يشجع على القتل والتهويد والتشريد والموت بدون أي اعتبارات إنسانية وهذا سيكون له آثارًا كبيرة على مستقبل السياسة الأميركية ليس في المنطقة فقط بل والعالم أيضًا.
لن أكرر الحديث أن الأردن وقائده الفذ عبدالله الثاني حذر من كل سياسات الحكومات الصهيونية المتعاقبة، كما حذر من ازدواجية المعايير فهل يتم وقف الحرب على غزة ومنح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة أم يكون الحل الوحيد هو نهاية المشروع الصهيوني العنصري على يد متطرفيه وزحف جماهير الامتين العربية والإسلامية لتحرير فلسطين المباركة.
هذا ما ستجيب عنه الساعات القادمة وليس الأيام ولا السنوات.
وختاما، النصر سيتحقق لأن شعب فلسطين حي ومقاومته حية وامتنا تتحرك وإن كان بخطوات ثقيلة ولكنها ثابته نسبيا لتحقيق الدعم والمؤازرة للمشروع الفلسطيني المقاوم ،والله أكبر وأنها لثورة حتى النصر.
مدار الساعة ـ نشر في 2023/11/02 الساعة 21:11