م. مهند عباس حدادين
إن الأحداث المتسارعة التي يمر فيها العالم بعد السابع من تشرين الأول أو ما يعرف بطوفان الأقصى وما تلاها من تضامن عالمي من الغرب أصحاب القطب الواحد حين تكاتفوا جميعاً لدعم حليفتهم إسرائيل بشتى الوسائل والطرق وأمام أعين العالم وذلك بمعاقبة مدنيين عُزّل بقصفهم وترهيبهم وقتلهم ومنع جميع مقومات الحياة عنهم من ماء وطعام ودواء وطاقة في ظل صمت الضمير العالمي, الذي يسيطر عليه ذلك القطب ويتغول على وسائل الإعلام المختلفة في العالم لتظهر حليفتهم بصورة الحمل الوديع الذي بحاجة لكل الدعم وعلى كافة المستويات لحمايتها مِمن ?طلب حقوقه المسلوبة, دون إعطاء اي مساحة للدبلوماسية السياسية لحل هذه المشكلة من جذورها, أو حتى أي إعتبار لما يقوم به حلفاؤهم في الشرق الأوسط من العرب لخلق ولو أفق بسيط من هذه الدبلوماسية, لتطغى لغة القوة المدججة بأحدث سلاح يمتلكه الغرب ذو القطب الواحد لمواجهة أولئك المدنيين الُعزل من الفلسطينيين, وللتغطية على فشل حليفتهم إسرائيل العسكري والسياسي في إدارة المشهد والتي ورطتهم به.
كل ذلك ولا يزال بأذهان العالم تغول الغرب على روسيا في حربها عندما حاصروها إقتصادياً واحتجزوا اموالها في الخارج والتي تُقدر ب300 مليار دولار, والضغط على دول العالم للوقوف إلى جانبهم بإعتبار مصطلحاتهم في الدفاع عن حقوق الإنسان والإزدواجية التي يتبعونها لها ما يبررها, فقط لأنهم الأقوى.
إن العالم تغير والدروس التي تعلمهما من الحرب الروسية–الأوكرانية وحرب غزة قلبت المعتقدات السابقة والأنظمة التي تم تشريعها من ذلك القطب رأساً على عقب, فالقوى العظمى من القطب الآخر وهما الصين وروسيا, أثبت لهم ذلك المشهد أن عليهم التحرك سريعاً لقيادة العالم بقطب آخر على الأقل أكثر عدالة وإنصاف ومصداقية, وحيادية لمعالجة المشاكل العالمية القديمة والمستجدة, ليس ذلك فحسب بل زرع لديهما الشك بأنهم لن يقدموا على أي تحالف غربي مهما كلفهم ذلك من ثمن.
وعلى الجانب الآخر, فإن الأحلاف العربية القديمة للغرب قد صدمت وهي ترى بأعينها كيف أن من يقود العالم، والذي له مصالح دولية في كل بقعة على وجه البسيطة, يفقد كل تلك التوازنات أمام مشهد هزيل من رئيسها لا يمثل تلك الدولة العظيمة في زيارته الأخيرة لإسرائيل, لا وبل أمر حلفاءه من قادة الدول الغربية بالقيام بنفس المشهد الذي شيعوا فيه جميعهم الإنسانية العالمية والقيم والأخلاق, حين كانوا في السابق يتباكون عليها أمام العالم لتبرير أعمالهم العسكرية الوحشية في فيتنام ويوغسلافيا والعراق وأفغانستان وليبيا وسوريا وغيرها من ?صقاع المعمورة.
كل ذلك حدث في وضح النهار لم نقرأه في كُتب التاريخ أو سمعناه من أجيال سبقتنا, فعلى سلم طائرة هذا الرئيس ابو الحقوق والإنسانية العالمية, جاء القصف الذي قتل فيه أكثر من 500 شخص فلسطيني بريء جلهم من الأطفال والنساء, وبإبتسامة عريضة يقول لحليفه يبدو أنهم قتلوا بقصف من الجانب الآخر.
إن هذا المشهد الهزلي الفاشل الذي فشل بإقناع طفل عمره ست سنوات افتقر حتى إلى الإخراج المفبرك ليصدق كل لقطة فيه, مما أثبت بالوجه القاطع لأي دولة في العالم أن ليس لها أي مصلحة مهما كانت حاضراً أو مستقبلاً لبناء شراكات أو تحالفات مع هذا القطب الغربي, وسيتوجه أكثر من 100 دولة في القريب العاجل للقطب الآخر جلهم من دول العالم الثالث, علهم يبنون شراكات جديدة متكافئة مبنية على الإحترام المتبادل والثقة والمصداقية وعدم الإستغلالية, بدون ضبابية تخفي وراءها المصائب والمخاطر حين تتكشف, كما حدث في حرب غزة.