الخلطة العجيبة في حاجبي الثقة

مدار الساعة ـ نشر في 2018/07/22 الساعة 09:38
حصلت حكومة الدكتور عمر الرزاز على ثقة مجلس النواب، فقد منحها الثقة 79 نائباً، وحجب الثقة عنها 42 نائباً، وامتنع عن التصويت نائبان، وتغيب 6، ولم يصوت رئيس المجلس عاطف الطراونة.
لم تكن هذه النتيجة مفاجئة بعد اللقاءات الجادة التي عقدها الرئيس الرزاز مع الكتل البرلمانية، وقد ترك الرئيس وحده ليباطح النواب، "ويقلع شوكه بيده"، وهذا توجه جيد لو يتم اعتماده دائماً ومع الجميع.
لن أكون منزعجاً حتى لو حصل الرزاز وحكومته على 66 صوتاً إذا كان الثمن التخلي عن سياسة الترضيات، والمقايضات، والوعود الكاذبة التي يصرفها الرؤساء للنواب مقابل الثقة. وبعيداً عن استطلاع الرأي لمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية الذي أظهر تفاؤل 81 % من الناس بقيادة الرزاز للحكومة، و69 % أكدوا أن الرئيس قادر على تحمل مسؤولياته، بعيداً عن لغة الأرقام بالاستطلاعات، فإن هناك اهتماماً منقطع النظير يظهره جمهور وسائل التواصل الاجتماعي بالتحركات والمواقف الإنسانية التي يتخذها الرزاز، ويجدونها سواء كانت عفوية أو مخططا لها أهم من تصويت الثقة تحت قبة البرلمان، فهذا تصويت شعبي يعبر عن وجدان الناس بدون مصالح. يشاهد الرزاز اعتصاما أمام مجلس النواب، فلا يتجاهله، ولا يخشى مواجهة الناس، ولا يطلب فضه، أو يستدعي ممثلين للمعتصمين ليجتمع بهم، بل يذهب إليهم مباشرة، ويستمع لهم، ويؤكد الاهتمام بشكواهم. والمواطن الذي ألقى بنفسه من شرفات مجلس الأمة خلال التصويت على الثقة وجد الرئيس الرزاز أول الواقفين بانتظاره، فتعلق به، ولم يتركه حتى دون الرزاز كل ما قاله لدراسة قضيته. يستحق التصويت على الثقة بحكومة الرزاز الدراسة والتدقيق، فالنتيجة كانت خلطة غريبة عجيبة لم أشهدها منذ مراقبتي التصويت البرلماني على الحكومات السابقة. الإسلاميون ومن تحالف معهم، والأكثرية من الليبراليين والديمقراطيين و"المدنيين"، إن جازت التسمية، صوتوا بالحجب عن الحكومة، يضاف لهم العديد من "المحافظين" وبعض الموالين الذين تعودوا على التصويت بالثقة للحكومات.. حتى هؤلاء حجبوا الثقة عن حكومة الرزاز. زميلي الإعلامي وليد حسني، أبلغني أن دراسته التصويت على الثقة بالحكومات منذ العام 1989 بالأردن، أظهرت أن حكومة الرزاز حصلت على ثقة 60.76 % من أعضاء المجلس، فأقل حكومة حازت على الثقة حكومة هاني الملقي حين طرحت الثقة بها، فقد حجب الثقة عنها 49 نائباً، وحصلت على ثقة بنسبة 51.53 %، تليها حكومة عبد السلام المجالي في مجلس النواب الثاني عشر؛ إذ حصلت على ثقة بنسبة 51.89 %، وحجب الثقة عنها 41 نائباً، وكان عدد أعضاء المجلس آنذاك 80 نائباً. أتفهم أن تحجب كتلة الإصلاح التي تمثل الإسلاميين وحلفاءهم الثقة، فهذا ما تفعله دائماً على الرغم من وجود تعاطف ظاهر مع الرئيس من بين أعضاء الكتلة، ولولا الشروط التي وصفت بالتعجيزية التي وضعها رئيس الكتلة د. عبدالله العكايلة لكان متوقعاً حدوث مفاجآت، لكن الغريب كان موقف الحجب من المحسوبين على التيارات الليبرالية والديمقراطية والمدنية، فرئيس الحكومة الأقرب لهم والأكثر تقاطعاً مع الكثير من دعواتهم، وكان لافتاً أيضاً موقف بعض النواب "الموالين" الذين منحوا الثقة لحكومة هاني الملقي عند طلب حجب الثقة بها، واندفعوا بدون تعليل مفهوم ومقنع لحجب الثقة عن حكومة الرزاز. مهمة الرزاز صعبة جداً، فالرهانات الشعبية بأن يغير ولو نسبياً الوضع كبيرة، والتحديات في ظل وضع اقتصادي وسياسي مضطرب مقلقة، وهو مطالب بحل إشكاليات امتدت لعقود. سيترقب وينتظر الناس ما ستفعله الحكومة، كيف ستتعامل مع قانون ضريبة الدخل، وسيختبرون الحكومة في قضية السيادة الكاملة على أراضيها وعدم تجديد عقد الاستئجار لأراضي الباقورة والغمر، وسيدققون في تعامل الحكومة مع تسعيرة المحروقات، والأهم استعادة ثقة الناس بها. الثقة الشعبية بالرئيس الرزاز بعد الاحتجاجات الشعبية على الدوار الرابع، ومحافظات المملكة، زادت إشكالية حكومة الرزاز، فالشارع لا يقنعه الآن تحقيق جزئي لمطالبه، بل يريد أن يشعر بتحول حقيقي في منهج إدارة الحكم. سيتفرغ الرئيس وحكومته للبدء في العمل، وكل يوم يمضي محسوب عليه، فهناك من يراقب الأجندة والتواريخ ليسأله ماذا فعلت بعد 100 يوم؟! الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2018/07/22 الساعة 09:38