بطّاح يكتب: حين يَتداعى الغرب لنصرة إسرائيل!

د. أحمد بطّاح
مدار الساعة ـ نشر في 2023/10/13 الساعة 19:04

لم يكن مفاجئا بعد اجتياح المقاومة الفلسطينية لمستوطنات غلاف غزة أن يظهر الرئيس الامريكي بايدن مندداً ومكرراً السردية الإسرائيلية المتعلقة بذبح المقاومين للأطفال , واغتصاب النساء وغير ذلك ممِا لم يقدّم عليه دليلاً واحداً , ولكن المفاجئ حقاً هو أن يتداعى هذا التأيد الغربي بصورة متسارعة و غير متناسبة مع الحدث فبعد خطاب الرئيس الأمريكي جرى استدعاء حاملة الطائرات الامريكية (جيرالد فورد ) إلى الشرق الاوسط , وبعد ذلك جرى التشاور مع قادة بريطانيا وفرنسا ,وألمانيا ,و إيطاليا لدعم اسرائيل ولا يبدو أنّ الامر انتهى مع إرسال بريطانيا لبعض سفنها الحربية إلى شرق المتوسط لتأكيد الدعم لإسرائيل( الضعيفة المهددة) التي تمكنت باعترفها وخلال خمسة أيام فقط من إلقاء ستة الاف قنبلة وبما يعادل أربعة الاف طن من المتفجرات على أحياء غزة مزيلةً بعضاً منها من الوجود ومؤدية إلى قتل أكثر من (1.500( مواطن, وجرح أكثر من (5) الاف .

تُرى ما سر هذا الانحياز الغربي المكشوف إلى اسرائيل؟

إنّ هناك عدة أسباب يجدر بالمواطن العربي أن يعيها لكي يفهم الذهنية الغربية ويعرف كيف يتعامل معها ولعل أهمها :

أولا: مصلحة الغرب في بقاء إسرائيل و قوتها فهي" قاعدة عسكرية متقدمة" للغرب في هذه المنطقة العربية يجرى استدعاؤها عند الحاجة وقد حدث ذلك فعلاً في اثناء العدوان الثلاثي في عام 1956 عندما قامت مصر بِتأميم قناة السويس وكما حدث في عام 1967 لضرب مدّ القومية العربية ومشاريعها وتطلعاتها في التحرر و الاستقلال و قد عبَّر بايدن الذي يفاخر بصهيونيته عندما قال في سبعينات القرن الماضي (كان سيناتوراً في ذلك الوقت) لولم تكن إسرائيل موجودة لكان علينا أن نوجدها .إنّ وجودها يعفينا من إرسال الجنود وحاملات الطائرات وغيرها لحماية مصلحتنا في منطقة الشرق الأوسط.

ثانياً : تشارك الغرب مع الدولة الصهيونية في المرجعية العقيدية فكلاهما يعود إلى الكتاب المقدس بجزئيه ( العهد القديم أي التوراة و العهد الجديد أي الانجيل ).إن هذا التشارك يخلق أرضية عقائدية مشتركة تقود إلى التوحد في فهم العالم , والكون , و الحياة ويؤدي بالتالي إلى فهم مشترك للأشياء .

ثالثاً :إيمان الغرب وإسرائيل بمنظومة سياسية واحدة لتسيير المجتمع وهي ما يعرف "بالليبرالية الغربية" القائمة على الانتخابات, وتداول السلطة ,والاحتكام إلى القضاء ,ومن هنا وقف الغرب ضد "الاصلاحات القضائية" التي يريد نتنياهو أن يجريها والتي تعني انتصار الرؤية التوراتية للحياة والمجتمع على الرؤية الديمقراطية (بالمعنى الليبرالي الغربي ) التي يريد الغرب أن يبقيها كأسلوب حياة سياسي في اسرائيل وبخاصة إذا لاحظنا أنّ أنصار هذا الاتجاه الاخير هم "الاشكناز "اليهود الذي يعودون في أصولهم إلى الغرب مقابل أنصار الاتجاه الاخر "السفارديم " الذين لا يعودون في معظمهم إلى الغرب .

رابعاً : عدم رغبة الغرب في العودة إلى المعاناة من عقدة "اضطهاد اليهود" الذي تجسّد في أوروبا ووصل قمته في فترة الحكم النازي الالماني ,وقد وجد الغرب أن الحل الامثل لهذه المعاناة هي إقامة دولة لليهود وحمايتها ولذا فإن من الطبيعي أن يتداعى الغرب لنصرة إسرائيل التي خلصتهُ من" تبكيت الضمير" الذي عانى منه تاريخياً بسبب "المشكلة اليهودية" .إن حماية إسرائيل ودعمها بكافة السبل يريح الضمير الغربي الذي طالما أرقته عقدة" اضطهاد اليهود ".

خامسا: التاريخ المشترك لكل من الغرب (في معظم دوله )وإسرائيل فكما أنَّ إسرائيل قامت على أنقاض الشعب الفلسطيني فقد قامت الولايات المتحدة على أنقاض شعب الهنود الحمر , وكما أن إسرائيل نكلَّت بالشعب الفلسطيني وحرمته من حقوقه المشروعة فقد نكلَّت بريطانيا الاستعمارية (الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس) بشعوب كثيرة ونهبتها وحرمتها من حقوقها، وكذلك فعلت فرنسا الاستعمارية (وبالذات في إفريقيا ) وإسبانيا وإيطاليا وغيرها. إنَّ هذا الإرث المشترك يبن الغرب وإسرائيل يجعل كلاً منهما يفهم الاخر, ويتعاطف , معه بل ويؤيده في المحصلة.

إنَّ كل ما سبق يؤدي إلى نتيجة واحدة هي أن إسرائيل امتداد للغرب في منطقتنا العربية لذا يجب ألاّ نعجب حين نراه (أي الغرب ) يرى بعين واحدة هي العين الاسرائيلية !

مدار الساعة ـ نشر في 2023/10/13 الساعة 19:04