غازي عليان يكتب: لماذا لا نعتمد مبادرة وطنية لدعم جهود الأحزاب في طريقها إلى بناء إنموذج للدولة الحديثة

مدار الساعة ـ نشر في 2023/09/24 الساعة 18:21

مدار الساعة - بقلم : النائب السابق غازي عليان - أمين عام حزب العدالة والإصلاح

عندما قررت العمل من جديد في مشروع سياسي جديد كانت جولات ولقاءات ومقالات جلالة الملك عبدالله الثاني خلال العقد الأخير هاجسي الأول والأخير، والتي توجت بمنظومة تحديث المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكانت بمثابة خارطة طريق لكل وطني نحو الاصلاح الشامل في البلاد.

من هنا سنعمل في حزب العدالة والإصلاح خلال الفترة القادمة من خلال دوائر العمل واللجان المشكلة لدينا لهذه الغاية على فهم لماذا يشارك الفرد في الانتخابات ، ولماذا يمتنع عن المشاركة في الانتخابات، وما هي مطالبه الأساسية حتى نتمكن من بناء برنامج انتخابي مقنع وقابل للتطبيق ويمثل بديلًا حقيقيًا للمواطن الذي سيشارك في الانتخابات ، بل سيدفعه الى المشاركة بدلا من الاستنكاف الذي شهدناه في عقود سابقة، و ذلك عن إيمان بأهمية دوره في التغيير أو الانتماء الى الجهات والاحزاب المشاركة في الانتخابات أو عن قناعة راسخة بالمرشح وكفاءته القيادية وتوافق أهدافه مع أغراض الناخب وتكاملية العلاقة المنفعية بين الاثنين، ولذلك سيطرح الحزب قضايا تهم الناخب بشكل مباشر لن يكون لدى المرشح المستقل القدرة على طرحها بشكل منهجي متماسك ومتكامل وهنا سيكون أمام الناخب فرصة للثقة مجددا بالاحزاب والديمقراطية بشكل عام وسيتغير مفهومه عن الممارسة الانتخابية وسلوكه اتجاهها، وهنا أتمنى على الهيئة المستقلة للإنتخابات والأحزاب ووزارة الشؤون السياسية والبرلمانية تبني فكرة دمج الاحزاب في خمس قوائم انتخابية توحيدًا للصف وتعميقًا وانضاجًا للتجربة الوليدة، وهنا أسجل ملاحظة مهمة في أن لجنة تحديث المنظومة السياسية أخطأت في مقترحاتها التي أقرها المجلس التشريعي بغرفتيه النواب والاعيان في كيفية تشكيل القوائم الحزبية من حيث العدد والاسس الفكرية والتمويل ، ونتمنى فيما تبقى من عمر المجلس معالجة هذه المواد كما نتمنى على الحكومة تعديل نظام المساهمة المالية.

ولكنني على الرغم من هذا الإيمان العميق بحكمة جلالة الملك للوصول إلى دولة حديثة ونموذج في المنطقة والعالم، وسعيه الى بناء نموذج سياسي جديد أساسه المواطنه والمساواة والشفافية والمساءلة وسيادة القانون والعدالة والدفاع عن ثرى الأردن وحماية أرض فلسطين المباركة ومقدساتها، وتشكيل الحكومات الرشيدة والبرلمانات الممثلة للشعب أرى أن هناك مساحات لا بد من تعبئتها بما يمكن الأردن من دخول مئويته الثانية بكل ثقة وقدرة وهو قد دخلها فعلا، ولكن آثارها على المشهد لم تظهر بعد، وينقصها مجموعة من الشروط والعوامل التي تنتقل بالوطن والمواطن إلى النموذج العصري الجديد المبشر بالمستقبل الواعد، وأن كل ما حدث يمثل محرّك حيوي للتغير ولكنه ليس التغيير الذي يحتاج وقتًا حتى ينضج ويقطف المجتمع ثماره، وعلى رأس هذه الشروط والعوامل المؤثرة في مسيرة الإصلاح لاستكمال بناء الأحزاب السياسية أين هي الأموال التي تحتاجها الأحزاب لإقامة الفعاليات التوعوية التثقيفية وفتح الفروع في المحافظات، وابتداع المبادرات لتمكين المرأة والشباب بالانتساب إلى الأحزاب السياسية كمقدمة لتمكين حقيقي ثقافي واجتماعي وسياسي بعيدا عن فلسفة الخوف وعدم الثقة بالمجالس النيابية والحكومات؟، خاصة وأننا بدأنا نسمع من بعض الأحزاب عن المال السياسي الأسود في تشكيل الاحزاب ، كما نشاهد بعض الأحزاب تفتح عشرات المقرات بحيث أصبح على الحكومة والهيئة المستقلة للانتخابات والاحزاب توضيح هذه القضايا وهل تبرع عضو حزب ما بمقر للحزب أصبح مال أسود ، ومدى ارتباط التبرعات بتشكيل القوائم ، ومدى حرية الأحزاب وخصوصيتها في هذا الأمر وهل يحق أصلًا لأمين عام حزب أن يتحدث بلغة صاحب الولاية على الأحزاب.

أني آمل الى ان تكون هذه المقالة محطة لنهج عمل المؤسسة التشريعية في البلاد ولمؤسسات المجتمع المدني والاحزاب السياسية والهيئة المستقلة للانتخابات والأحزاب ولرجال الأعمال والشركات الكبرى حتى تكون شريكًا حقيقيا في البناء والابتعاد عن حديث يجري هنا أو هناك عن هندسة العملية الحزبية وترتيب وتشكيل بعضها بقرارات رسمية حتى أصبح بعضها متخما بأسماء أصحاب المعالي والسعادة والعطوفة ويباهي البعض بافتتاح مقر ومكتب في كل يوم ليسأل المواطن العادي من أين كل هذا الدعم لحزب لم يبلغ سن الفطام بعد ، ولم نشهد في برامجه أي فكر جديد نوعي إصلاحي لا يتحسس المشاكل كالفقر والبطالة والتضخم والمديونية وأزمة قطاع الزراعة وغيرها، بل يقدم حلولًا حقيقية يمكن البناء عليها في القادم من الأيام.

إني أقترح على وزارة التنمية السياسية والبرلمانية، والهيئة المستقلة للانتخابات والأحزاب فتح نقاشات سياسية واقتصادية مع الاحزاب بشأنها واعتبارها الطريق الأمثل للعمل السياسي والحزبي في البلاد، لأن الاصلاح التدريجي التوافقي الذي اشار اليه جلالة الملك يعزز الخيار الديمقراطي ويوسع المشاركة الشعبية بشرط استكماله بكافة أركان عملية التغيير للعمل الحزبي من تملك الحزب لنظرية حزبية واستراتيجيات واضحة ودقيقة للعمل ومقومات مالية ولوجستية وطنية .

فإنني أؤكد الى أهمية إطلاق مبادرة وطنية تشترك فيها جميع القوى السياسية والحزبية خصوصا في ظل إصرار جلالة الملك على خلق واقع حزبي جديد وتقوية دور الاحزاب لتأخذ دورها في صناعة القرار وتشكيل الحكومات عبر الكتل النيابية الحزبية إلى دعوة الحكومة إلى وضع نظام جديد للمساهمة المالية يسمح للأحزاب الأردنية بإقامة المشاريع الاقتصادية ويسمح للشركات بالتبرع للأحزاب كما يشجع رجال الأعمال على الانضمام للأحزاب بحرية ودون انتقائية يتحدث عنها الجميع، لافتا الى اشارة جلالة الملك ان المضي قدما نحو الذهاب الى الحكومة البرلمانية يحتاج الى مزيد من الوعي تجاه هذا الامر وذلك من خلال تجسيد قانون الانتخاب بما يفرز حزبيين داخل مجلس النواب يشكلون حكومة برلمانية برنامجية حزبية تقدم الحلول المطلوبة، وهي حاجة باتت ضرورية ليشارك الشباب والمرأة فيها بعيدا عن فلسفة الكوتات وأحيانا فلسفة البعض في تقسيم المواطنة بغير وجه حق إلى درجات.

والله من وراء القصد

مدار الساعة ـ نشر في 2023/09/24 الساعة 18:21