بطَّاح يكتب: الصين وسوريا.. ماذا يريد كل طرف من الآخر؟!
مدار الساعة ـ نشر في 2023/09/24 الساعة 18:16
كانت الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى الصين مُلفتة من عِدّة جوانب، فقد بلغ من اهتمام الرئيس الصيني " شي جين بينغ " بالزيارة أن بعث طائرة خاصة إلى دمشق كي تُقل الرئيس السوري إلى الصين، كما أن الرئيس الصيني أعلن بنفسه أن الزيارة سوف تتمخض عن علاقة "استراتيجية" بين البلدين، وحيث أنّ العلاقات بين الدول تحكمها المصالح وليس العواطف كما هو معروف في عالم السياسة فإنّ من حق كلّ مُتابع ومُحلل سياسي أن يسأل ماذا يريد كلّ طرف من الطرف الآخر؟
فيما يتعلق بسوريا، وقبل أن نحدّد ماذا تريد، من المنطقي أن نتذكر طبيعة الظروف التي تعيشها فهناك أجزاء محتلة من البلاد إذْ إن هناك قوات تركية في شمال غرب سوريا، وهناك قوات أمريكية في شمال شرق سوريا ومنطقة التنف، فضلاً عن الوجود الإيراني القائم في غير مكان، وفضلاً عن ذلك فهناك قوى سورية متمردة على الدولة في الشمال الغربي (جبهة تحرير الشام – جبهة النصرة سابقاً)، وفي الشمال الشرقي (قوات سوريا الديمقراطية)، ناهيك عن المحافظة الثائرة حالياً وهي محافظة "السويداء" وإلى حدٍ ما محافظة "درعا" وناهيك عن الوجود العسكري الرسمي والمتمثل في قاعدة "طرطوس" البحرية، وقاعدة "حميميم" الجوية.
ولعلّ الأهم من هذا كله تراجع الاقتصاد السوري ووصوله إلى شفا الانهيار (13,700 ليرة سورية مقابل دولار واحد)، الأمر الذي أدى بالضرورة إلى تفكير القيادة السورية بالحلول الممكنة لهذا الوضع المعقّد، ومن هنا تأتي أهمية زيارة الرئيس السوري للصين (ثاني أكبر اقتصاد في العالم)، والتي يمكن أن تأخذ بيد الاقتصاد السوري من خلال منح بعض القروض المجزية طويلة الأمد، ومن خلال مشاريع الاستثمار المتعلقة ببعض القطاعات الحيوية، وبالمساهمة ولو (مستقبلاً) في تنفيذ برامج الإعمار في المناطق السورية المدمرة كلياً أو جزئياً.
ولكن..... ماذا تستطيع سوريا أن تقدم للصين؟
إن الصين دولة عظمى كامنة في الظروف الحالية، وهي تتطلع إلى لعب دور سياسي على مستوى العالم، ومن هنا نستطيع أن نفهم رعايتها للاتفاق السعودي الإيراني، وزيارة وفد صيني لدولة النيجر التي شهدت انقلاباً عسكرياً وتريد أن تتخلص من الهيمنة الفرنسية، وتوسيع قاعدة "البريكس" (حيث الصين دولة محورية فيه) ليضُم دولاً جديدة واعدة اقتصادياً مثل السعودية وإيران والأرجنتين وغيرها. إن الدخول الصيني إلى سوريا التي تشهد لاعبين كثر بعضها حليف لها ولو بحد معين كروسيا وإيران وبعضها معادٍ لها كالولايات المتحدة يدل بوضوح على أنها لم تعد مترددة في الدخول إلى حلبة السياسة الدولية ولعب الدور الممكن لها في ظل التوازنات العالمية الحالية، وهذا فضلاً بالطبع عما يمكن أن تجنيه من فوائد اقتصادية كمحصلة لمشاريعها الاستثمارية والإعمارية في سوريا.
هل سيكون دخول الصين إلى الميدان السوري الملتهب والمتشابك سهلاً؟ بالطبع لن يكون كذلك، ولكن من المتوقع ألّا تواجه صعوبات كبيرة فروسيا مشغولة بحربها الضروس مع أوكرانيا، وإيران قد تجد من مصلحتها دخول الصين إلى الميدان وبخاصة أنها تدخل بالبعد الاقتصادي وليس بالبعد الأمني الذي يعني إيران (وروسيا أيضاً في الواقع) أكثر من غيره، وفيما يتعلق بالولايات المتحدة فمن المتوقع أن تحاول بقدر الممكن عرقلة الدخول الصيني إلى الحلبة وإن كان من الواضح أنها لا تستطيع الحؤول دون حدوثه، أما إسرائيل - وهي لاعب مهم - في الموضوع السوري فقد لا تكون مرتاحة ولكنها معنية أساساً - شأنها شأن إيران- بالبعد الأمني، أيّ عدم حصول سوريا على أسلحة حديثة أو تسهيلات عسكرية صينية، وعدم تدخل الصين في سياساتها القاضية بضرب النفوذ الإيراني وأذرعه المختلفة (وبالذات حزب الله) في سوريا.
وختاماً، فإن هناك ما تقدمه الدولتان (الصين وسوريا) لبعضهما، ومن هنا تأتي أهمية الزيارة ويبقى أن نرى النتائج الواقعية التي يمكن أن تتمخض عنها وإنّ غداً لناظره قريب.
مدار الساعة ـ نشر في 2023/09/24 الساعة 18:16